لماذا أُمر الخليل إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه إسماعيل؟ يتلخص كلام بعض المفسرين عن الحكمة في ذلك أن إبراهيم عليه السلام لما وهبه الله تعالى ابنه إسماعيل، أحبه حبا شديدا، وهو خليل الرحمن، والخلة أعلى أنواع المحبة، ومنصب الخلة لا يقبل المشاركة ويقتضي أن تكون جميع أجزاء القلب متعلقة بالمحبوب، فلما تعلقت شعبة من شعب قلبه بابنه إسماعيل، أراد تعالى أن يصفي وُدَّه ويختبر خلته، فأمره أن يذبح مَن زاحم حبه حب ربه، فلما قدّم حب الله، وآثره على هواه، وعزم على ذبحه، وزال ما في القلب من المزاحم، بقي الذبح لا فائدة فيه.
ولكن هذه الحكمة العقلية تقبل القبول والرد والمناقشة، ويمكن مناقشتها على النحو التالي: هل وقع الخليل عليه السلام في مخالفة حينما تعلق بمحبة ابنه إسماعيل، والإجابة: لا؛ لأن هذا التعلق ما هي إلا انسياق واتباع للفطرة السليمة خصوصا مع الغلام اليافع الصغير الذي بلغ مع أبيه السعي والإدراك.
هل حقا محبة الخليل عليه السلام لربه لم تكن صافية، أو شابها انشغال بمحبة ابنه إسماعيل، والإجابة: لا؛ لأنه يمكن اتخاذ هذه المحبة الفطرية للولد قربة لله تعالى، وهذا ليس ببعيد على قلب إبراهيم الأواه المنيب.
أما لماذا أُمر الخليل إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه إسماعيل؟
فتجيب عن هذا السؤال: القراءة البسيطة المجردة لآيات الفداء، التي تصرح بالحكمة والغاية من هذا الأمر الإلهي للخليل عليه السلام في قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ}[الصافات: 106]،
فالأمر بلاء واختبار نجح فيه الخليل عليه السلام بامتياز حتى صار أمة للعالمين وسيدا للمحسنين، حتى جعل الله تعالى جزاء المحسنين على مثل جزاءه، وأكدت الآيات ذلك الجزاء مرتين، فقال تعالى: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصافات: 105]، وقال تعالى: {كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[الصافات:110]، أي نفرج عن أهل الإحسان الشدائد، ونجعل لهم العاقبة والثناء الحسن، كما جعلنا لخليل عليه السلام.
ولا يلزم من هذا البلاء أن يكون الخليل عليه السلام قد وقع في مخالفة أو فيما لا يليق بالأنبياء والرسل، بل تظهر هذه القصة ما يكنه ويحويه هذا القلب الخليلي الكبير من محبة الله والإنابة إليه لدرجة أنه أُمر بذبح ولده وفلذة كبده فما تأخر ولا تردد، وكان هذا الاختبار من جملة ابتلائته التي قال الله تعالى عنها: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ}، فابتُلي بذبح ابنه فامتثل، وابتُلي بإلقائه في النار فصبر واحتسب، وابتُلي بالحنيفية السمحة فحملها وكانت منهجه الواضح وملته المتبعة، حتى أَمر الله تعالى أفضل الخلق محمداً صلى الله عليه وسلم أن يتبع الخليل عليه السلم فقال تعال: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[النحل: 123].
وهذا التفسير القرآني لقصة الذبيح عليه السلام هو الأوضح والأوفق والأحرى بأنبياء الله تبارك وتعالى ورسوله.