ما معنى الرحمة ؟ لماذا كان الترحم بين الزوجين ضرورة ايمانية ؟ وما معنى أن النساء شقائق الرجال ؟ وكيف يكون التراحم بينهما ؟ وما دور الكلمة الطيبة في غرس المحبة بينهما ؟ وما الواجب علينا ؟
الرحمة صفةٌ إلهية، نعَتَ الله بها نفسَه في مواضعَ من كتابه، فهو -سبحانه- رحمن رؤوف، غفور رحيم؛ بل أرحم الراحمين، وأخبر -سبحانه- عن نفسه بأنه واسع الرحمة، وأن رحمته وسعتْ كل شيء، وأنه خير الراحمين، وبالناس رؤوف رحيم.
وأعظم رحمة حظيتْ بها البشريةُ من ربِّها إرسالُ نبي الرحمة والهدى محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- قال -سبحانه- مبينًا هذه النعمة، وممتنًّا على عباده بها: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107] فما من مخلوقٍ على هذه الأرض إلا وقد نال حظًّا من هذه الرحمة المهداة.
الدعوة الى التراحم :
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: ” الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ” (البخاري).
وجاءَ في صحيح مُسلم قال صلى الله عليه وسلم: «يدخُلُ الجنةَ أقوامٌ أفئدتهم مثل أفئدة الطير».
وعن أنس رضي الله عنه قال: ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم وها هو صلى الله عليه وسلم يقول : «مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ».
سيدنا محمد قال فيما روى سنن الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ »: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
معنى المودة او الحب :
المقصود بالمودة: أن يحب كل من الزوجين من يحب الآخر من أهله وعشيرته وأصدقائه؛ فيسر لسرورهم، ويستاء لاستيائهم، ويتمنى لهم الخير والنعمة، ويقوم بأداء حقوقهم كما جرى من العرف بين أمثالهم في ذلك.
ومن المودة بين الزوجين: الممازحة والملاعبة، فكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يمازح نساءه ويداعبهن، وكان يسابق عائشة في الجري الشديد.
ويؤثر عن عمر أنه كان يقول: ” كل امرئ في بيته صبي “، وكان يقول: ” ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصبي فإذا التمسوا ما عنده وجدوه رجلاً “.
التراحم بين الزوجين ضرورة ايمانية لأسباب الآتية :
الاقتداء بالنبي الكريم :
تذكَّر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”
ولان النساء شقائق الرجال :
ففي الحديث النساء شقائق الرجال ، قال ابن الأثير: أي نظائرهم وأمثالهم كأنهن شُققن منهم؛ ولأن حواء خلقت من آدم عليه الصلاة والسلام، ولذلك ربنا قال : ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21].. وقال ابن عباس : “لما أُسْكن آدم الجنة مشى فيها مستوحشاً ، فلما نام خلقت حواء من ضلعه القصري من شقه الأيسر ليسكن إليها ويأنس بها؛ فلما انتبه رآها فقال: من أنت؟! قالت: امرأة خلقت من ضلعك لتسكن إلي” (الجامع لأحكام القرآن م1 ص301)… انظر بحث التراحم بين الزوجين ..
فسبحان من جعل قوام الحياة هذه العلاقة المتينة بين الرجل والمرأة، فكلاهما يألف الآخر ويسكن إليه، ويجد في كنفه الاستقرار والأنس والاطمئنان، وجعل بينهما مودة وهي المحبة ورحمة وهي الرأفة والعلاقة بين الزوجين لا يمكنها أن تستمر إذا لم تكن بينهما مودة ورحمة.
الاسرة النموذجية أساس لجيل سليم :
لقد اهتم القرآن الكريم بالأسرة اهتماما بالغا؛ وذلك لأنها أساس بناء المجتمع، لأن من مجموعها يتكون المجتمع فهي بالنسبة له كالخلية لبدن الإنسان، ويترتب على ذلك أن الأسرة إذا صلحت صلح المجتمع … ولقد أثبتت الإحصاءات العلمية أن تربية الملاجئ تؤثر على نمو الطفل واتزانه العاطفي .
تأكيد لحرمة الميثاق الغليظ :
والميثاق الغليظ اسم لعقد الزوج ، وكل ميثاق بين خلق وخلق في غير العرض هو ميثاق عادي، إلا الميثاق بين الرجل والمرأة التي يتزوجها؛ فهذا هو الميثاق الغليظ، أي غير اللين، والله لم يصف به إلاَّ ميثاق النبيين فوصفه بأنه غليظ تاكيدا لحرمته( انظر بحث عقد الزواج )
كلاهما ستر على الأخر :
قال تعالى :{ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ }[البقرة: 187]، وهذا يعني أن المرأة مظروفة في الرجل والرجل مظروف فيها، فالرجل ساتر عليها وهي ساترة عليه..
دعوة كل طرف الى تحمل مسئوليته :
عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم – ، قَالَ : (( كلكم رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ : وَالأمِيرُ رَاعٍ ، والرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أهْلِ بَيتِهِ ، وَالمَرْأةُ رَاعِيةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجها وَوَلَدهِ ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ )) – متفق عليه …
المودة بين الزوجين قهر لابليس :
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ)) رواه مسلم 2813.
كيفية التراحم بين الزوجين :
الاختيار أساس التراحم :
من أولويات تعاليم الإسلام :”اختيار الزوجة الصالحة قال صلي الله عليه وسلم :”تُنكَح المرأة لأربع:”لمالها، ولحسَبِها ،ولجمالها، ولدِينها ، فاظفَرْ بذات الدين تربتْ يداك”(متفق عليه). وكذلك اختيار الزوج لقوله صلي الله عليه وسلم:”إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ،إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ”(الترمذي).
مراعاة طبيعة الزوجة والرحمة بها :
عن أَبي هريرة – رضي الله عنه – ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله – صلى الله عليه وسلم – : (( أكْمَلُ المُؤمِنِينَ إيمَاناً أحْسَنُهُمْ خُلُقاً ، وخِيَارُكُمْ خياركم لِنِسَائِهِمْ )) صحيح سنن الترمذي..
إن المرأة لها خصائصها ومميزاتها الجسمية والنفسية التي تنفرد بها عن الرجل، وكذلك الرجل لم يغفله الإسلام، بل وضع لكل منهما منهجا يسير عليه بحيث لا يخرجه عما فطره الله تعالى عليه، وبحيث يؤدي فرائضه وواجباته كاملة كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾[النساء].
ومنها التغاضي وعدم تعقب الأمور صغيرها وكبيرها، وعدم التوبيخ والتعنيف في كل شيء.
فعن أنس أن النبي ﷺ لم يقل له قط أفٍ (ولا قال لشيء فعلته لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله لا فعلت كذا) [رواه البخاري ومسلم].
بعد أن خلق الله أدم خلق منه زوجه حواء من ضلعه الأعوج ، والضلع الأعوج إن استمتعت به استمتعت به وفيه العوج وإن ذهبت تقيمه انكسر – ولا تكون لزوجها على ما يريد في كل شيء، بل لابد من مخالفة ولابد من تقصير مع القصور الذي فيها – وكسرها طلاقها، وفي هذا توجيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاشرة الإنسان لأهله .
وقد حرَّج النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – علينا حقَّها بقوله: ((إني أُحَرِّج عليكم حقَّ الضعيفين: اليتيم، والمرأة)) صحيح: أخرَجه النسائي في سننه والالبانى في الصحيحه …وعن أبي هُريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة، إنْ كَرِهَ منها خُلقًا، رَضِيَ منها آخر – أو قال: غيرَه))
أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب: الرضاع، باب: الوصية بالنساء، رقم (1469) .
عن سَمُرة بن جُندب – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ المرأة خُلِقَت مِن ضلع، فإن أَقَمْتَها كَسَرْتَها، فَدارِها تَعِشْ بها)) صحيح: أخرجه أحمد غيره وصححه الالبانى ..
فالمرأة خُلِقَت من ضِلع، وفي رواية: ((مِن ضِلع أعوج)) (اخرجه الحاكم وقال اسناده صحيح على شرط مسلم . ) والمعنى: إنَّ خَلْقَها فيه اعوجاج، وكذلك خُلُقُها، فلا يتهيأ لك الانتفاعُ بها إلا بالصبر على اعوجاج خُلُقِها، كما جاء في رواية مسلم: ((لن تستقيمَ لك على طريقة، فإنِ استمتعتَ بها استمتعتَ وبها عِوج)) (حديث صحيح )، فإن أردتَ تقويمَها وإصلاحَها، فلن تستطيعَ إلى ذلك سبيلاً، إلا بطلاقها وكسْر جناحها، كما في رواية مسلم المتقدمة: ((وإن ذهبتَ تُقِيمها كسرتَها، وكَسْرُها طلاقها))، فلا يمكن العيشُ معها إلا بمداراتها؛ لذلك قال: ((فدَارِها تَعِش معها))، والمداراة: الملاطَفة والملاينة؛ أي: لاطِفْها ولايِنْها وجامِلْها، فبذلك تبلُغ مرادك منها مِن الاستمتاع، وحسن العِشْرة.
عنِ الحسن البصريِّ – رحمه الله تعالى -: أنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((إنَّ الله سائلٌ كلَّ راع عما استرعاه؛ حَفِظ أم ضَيَّع، حتى يسأل الرجلَ عن أهل بيته))( صححه الالبانى ) الراعي هو: الحافظ، المُؤْتَمَن، المُلْتَزِم صلاح ما قام عليه، وفي هذا الحديثِ يُوَضِّح النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنَّ الله – عزَّ وجلَّ – سيُحَاسِب كلَّ شخص تولَّى أمر بعضِ المسلمين، وأكَّد بأنه سيُسأل عنهم، وعن حِفْظه لهم، وخصَّ بذلك الرَّجُل مع أهل بيتِه مِن زوجه وولده، وأنَّه سيُسأل عنهم؛ هل حفِظ حقوقَهم، أم ظلمهم، وفرَّط فيهم، وقدْ أمرَنا النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – بإعدادِ الجواب للسؤال، فقال: ((فأعدُّوا للمسألة جوابًا))، قالوا: وما جوابها؟ قال: ((أعمالُ البِر))( حديث حسن ) وبيَّن لنا أنَّ الجواب يكون بالعمل بقوله: ((أعمال البر))، وهي: أعمال الخير مِن: حسن الخُلُق، وحِفظ الحقوق، والمعاشَرة بالمعروف.
عنِ العِرباضِ بن سارية – رضي الله عنه – قال: سمعتُ رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول: ((إنَّ الرجلَ إذا سقَى امرأته مِن الماء أُجِر))، قال: فأتيتُ امرأتي فسقيتُها، وحدثتُها بما سمعتُ مِن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم
قصة وعبرة وفيها كيف راعى الرسول طبيعة المرأة :
حدث ذات مرة خلاف بين النبي صلى الله عليه وسلم والسيدة عائشة رضي الله عنها، فقال لها: ((مَنْ ترضين حكَمًا بيني وبينك؟ أترضَيْن بعمر؟!)))، فقالت: لا، إني أهاب شِدَّته وغِلظته، فقال: ((أترضَيْن بأبي عبيدة؟!))، قالت: لا، إنه يحبك وسيحكم لك، فقال: ((أترضين بأبيك أبي بكر؟))، فقالت: نعم، فبعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما دخل عليهما، قال النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة: ((تتكلمين أنت أوَّلاً أم أتكلم أنا؟))، فقالت: تكلَّمْ يا رسول الله، ولا تَقُلْ إلا حقًّا، فقام سيدنا أبو بكر رضي الله عنه إلى ابتنه ليضربها، فاحتَمَتْ بظهر النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال لأبي بكر: ((دعوناك مُحكِّمًا ولم نَدْعُكَ مؤَدِّبًا، فاخرج فما لهذا دعوناك))، فلما خرج أبو بكر، تنحَّت السيدة عائشة جانبًا، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يُلاطفها، فقال لها: ((ادْني مني))، فلم تقترب، فقال لها: ((لقد كنتِ من قبلُ شديدة اللزوق بظهري)) – (يقصد أنها كانت منذ لحظات تحتمي بظهره خوفًا من أبيها) – فضحِكت رضي الله عنها وضحك المصطفى صلى الله عليه وسلم، ودخل عليهما الصِّديق رضي الله عنه وهما يضحكان، فقال لهما: ((أَشْركاني في سِلْمكما، كما أشركتماني في حربكما))؛ أخرجه الإمام أحمد في مسنده.
وقد كان من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة: دائم البشر يداعب أهله، ويتطلف بهم ويوسعهم نفقته، ويضاحك نسائه، ويسامر أهله قبل أن ينام.
ادخال السرور على اهل بيته :
ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث أن أحب الأعمال إلى الله سرور تُدخله على مسلم، فكيف بمن هي أحب الناس إليه وهي زوجته؟ فليحتسب الزوج كل هذا عند الله – سبحانه وتعالى.
وكان صلى الله عليه وسلَّم يمزح معهن كثيراً، حتى كان صلى الله عليه وسلَّم في بعض الغزوات يأمر الصحابة أن يسبقوه، ويقول لصاحبة النوبة:
هيا نتسابق. فقال لعائشة ذات مرة: هيا نتسابق، فسبقته، وجاء بعد حينٍ من الدهر وكانت قد امتلأ جسمها باللحم، فقال لها: هيا نتسابق في الجري فسبقها، فقال لها:
(يا عائشة، هذه بتلك) (مسند الحميدي عن عَائِشَةَ رضي الله عنها)..
دخل علي بن أبي طالب على زوجته فاطمة الزهراء رضي الله عنه وعنها – بنت خير البشر محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم – فرآها تستاك بسواك من أراك، فقال لها في بيتين جميلين عجيبين:
حظيتَ يا عودَ الأراكِ بثَغْرها أما خِفتَ يا عودَ الأراكِ أَراكَ
لو كنت من أهل القتال قتلتُكَ ما فاز مني يا سِواكُ سِواكَ
عموما الكلمة الطيبة والابتسامة المشرقة لها أثرٌ عظيم في إسعاد الزوجة؛ كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الكلمة الطيبة صدقة))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تَحْقِرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((تبسُّمك في وجه أخيك صدقة))، فكيف بالزوجة، فإن الأجر أعظم، وكم لهذه الابتسامة من الزوج من أثرٍ على نفسية الزوجة، وكم من الكلمات الطيبة التي تسعد الزوجة، وتُزيل آلامها، وتَشحَذ هِمتها لمواصلة الجهد في إسعاد هذه الأسرة.
قال عمرُ بن الخطَّاب – رضي الله عنه -: “يَنبغي للرجل أن يكونَ في أهله مِثل الصبي، فإذا الْتَمسوا ما عندَه وجدوه رجلاً” ( حديث ضعيف ).
الصبر على الاخر :
أنت مأمور أن يكون عندك رفق بزوجتك وأن تصبرعلى معايبها ,فقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَدِيد اللطف بِالنسَاء وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّمَا رجل صَبر على سوء خلق امْرَأَته أعطَاهُ الله الْأجر مثل مَا أعْطى أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام على بلائه وَأَيّمَا امْرَأَة صبرت على سوء خلق زَوجهَا أَعْطَاهَا الله من الْأجر مثل مَا أعْطى آسِيَة بنت مُزَاحم امْرَأَة فِرْعَوْن وَقد رُوِيَ أَن رجلاً جَاءَ إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ يشكو خلق زَوجته فَوقف على بَاب عمر ينْتَظر خُرُوجه فَسمع امْرَأَة عمر تستطيل عَلَيْهِ بلسانها وتخاصمه وَعمر سَاكِت لَا يرد عَلَيْهَا فَانْصَرف الرجل رَاجعا وَقَالَ إِن كَانَ هَذَا حَال عمر مَعَ شدته وصلابته وَهُوَ أَمِير الْمُؤمنِينَ فَكيف حَالي فَخرج عمر فَرَآهُ مولياً عَن بَابه فناداه وَقَالَ مَا حَاجَتك يَا رجل فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ جِئْت أَشْكُو إِلَيْك سوء خلق امْرَأَتي واستطالتها عَليّ فَسمِعت زَوجتك كَذَلِك فَرَجَعت وَقلت إِذا كَانَ حَال أَمِير الْمُؤمنِينَ مَعَ زَوجته فَكيف حَالي فَقَالَ عمر يَا أخي إِنِّي احتملتها لحقوق لَهَا عَليّ إِنَّهَا طباخة لطعامي خبازة لخبزي غسالة لثيابي مُرْضِعَة لوَلَدي وَلَيْسَ ذَلِك كُله بِوَاجِب عَلَيْهَا ويسكن قلبِي بهَا عَن الْحَرَام فَأَنا أحتملها لذَلِك فَقَالَ الرجل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَذَلِكَ زَوْجَتي قَالَ عمر فاحتملها يَا أخي فَإِنَّمَا هِيَ مُدَّة يسيرَة, ((الكبائر للذهبي (1 / 179)
تجمل كل منهما للاخر :
يقول ابن عبَّاس – رضي الله عنه -: “إنِّي لأتزيَّن لامرأتي كما أحبُّ أن تتزيَّن لي”، فالمرأة تُريد من الزوجِ كما يُريد الزوج منها في التجمُّل، والتزيُّن، وحُسْن الخلق، والمعاشرة بالمعروف.
لأنَّ المرأة تشتهي من الرَّجُل ما يشتهيه الرَّجُل منها، فيعاملها كما يحبُّ أن تعاملَه هي، ولا يرَى في ذلك أيَّة غضاضة..
تحصين البيت :
البيت المسلم معطر بذكر الله وقراءة القرآن، محصن من الشيطان، وقد رغَّب – صلى الله عليه وسلم – في قراءة القرآن في البيوت، لا سيما سورة البقرة؛ لأن قراءتها في البيت تطردُ عنه الشياطين – بإذن الله تعالى – قال – صلى الله عليه وسلم -: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابرَ, إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة))؛ رواه مسلم، وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا دخل الرجل بيتَه، فذَكَر اسم الله – تعالى – حين يدخل وحين يَطعم – قال الشيطان – يعني لأصحابه -: لا مبيتَ لكم ولا عشاء ها هنا، وإن دخل فلم يَذكُر اسم الله عند دخوله، قال: أدركتم المبيت، وإن لم يذكر اسم الله عند مطعمه، قال: أدركتم المبيت والعشاء))؛ رواه مسلم وأحمد، وقال – صلى الله عليه وسلم -:
((إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، توكَّلتُ على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، فيقال له: حسبك، قد هديت، وكُفِيت، ووُقِيت، فيتنحى له الشيطان، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجلٍ قد هُدي، وكُفي، ووُقي؟!))؛ رواه أبو داود والترمذي، وهو في “صحيح الجامع” رقم 499. كما بيَّن – صلى الله عليه وسلم – الفرقَ بين البيت الذي يُذكر الله فيه، والبيتِ الذي لا يُذكر الله فيه، فقال: ((مَثلُ البيت الذي يُذكر الله فيه، والذي لا يذكر الله مَثلُ الحي والميت))؛ رواه البخاري ومسلم.
الكلمه الطيبه وآثارها :
الكلمة الطيبة تكون في النداء :
فيقول : يا ام فلان – وان كانت غير منجبه …
وتكون الكلمة الطيبة في التعبير عن العاطفة :
أخذ أبو غرزة – رضي الله عنه – اشتكى زوجته الى أمير المؤمنين عمر فأرْسل إليها ثم قال لها عمر: “ما حمَلَك على ما قلت”، قالت: “إنَّه استحلفني فكرهتُ أن أكْذِب”، فقال عمر: “بلى، فلتكذبْ إحداكُنَّ ولتتجمل، فليس كلُّ البيوت تُبْنَى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام” ( حديث ضعيف )
وفى رواية : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستشيره في طلاق زوجته فقال له عمر لا تفعل فقال له الرجل إني لا اُحبُّها, وأريدُ أنْ أُفارِقُهَا .. ولم يَقُلْ الصحابيُّ رضوان الله عليه إني أُبْغِضُهَا, ولكنْ فقط لَا أُحبُّهَا .فيقولُ عمر: “وَيْحَكَ أَوَكُلُّ البيوتِ تُبْنَى على الحبِّ؟ فَأين الرعايةُ وأين التَّذَمُّم؟. “اتَّقوا اللهَ في النساءِ؛ فإنَّكم أخذتُموهنَّ بأمانةِ الله ، واستحلَلْتُم فروجَهنَّ بكلمةِ الله”(الطبري).
يُبَيِّن الخليفةُ الراشد عمرُ بن الخطَّاب – رضي الله عنه – في كلامه هذا أنَّ العلاقة بيْن الزوجين لا تقوم على الحبِّ فقط، بيَّن عمرُ بن الخطَّاب – رضي الله عنه – أنَّ هذا مِن الأمور التي يجوز فيها الكذِبُ، قال الزُّهري: “لا يحلُّ الكَذِبُ إلا في ثلاث: الحرْب، والإصلاح بيْن الناس، وحديث الرَّجل امرأتَه، وحديث المرأة زوجَها” اخرجه مسلم ” ..
تنبيه : عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أيما امرأةٍ سَأَلَتْ زَوْجَها طَلاقًا من غير بأسٍ، فحرامٌ عليها رائِحةُ الجنةِ))؛ الترمذي.
وتكون الكلمة الطيبة في المصالحة :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة : الودود ، الولود ، الغيور على زوجها ، التي إذا آذت أو أوذيت جاءت حتى تأخذ بيد زوجها ثم تقول : والله لا أذوق غمضا حتى ترضى عني ، هي في الجنة ، هي في الجنة ، هي في الجنة ) ومعنى الجملة الأخيرة غمضاً : أي لا أنام ولا يستريح لي بال ….سكن للعين والقلب فلا تنظر لسواها ….. الخ .
الثناء عليها عند احضار الطعام :
في الحديث : من لم يشكر الناس لم يشكر الله .
فان لم تشكرها على نعمة الطعام فانت لم تشكر الله صحاب النعمه ، وسواء شكرتها ام لا فهى مأجورة على صنع الطعام وخاصة في رمضان كما في الحديث : من فطر صائما كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيئا ….
أن تشكر هى أيضا له ، ولا تجحد فضله وتعاشره بالمعروف :
لحديث ابن عباس في الصحيحين انه صلى الله عليه وسلم قال: (… ورأيت النار ورأيت أكثر أهلها النساء ، قالوا لم يا رسول الله قال يكفرن العشير ويكفرن الإحسان ، ولو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت : ما رأيت منك خيرا قط).
النظر الى محاسنها ونسيان مساوئها :
فالزوج العاقل الكريم إذاً لا يعاتب زوجته عند أدنى هفوة ، ولا يؤاخذها بأول زلّة ، بل يلتمس لها المعاذير ، ويحملها على أحسن المحامل ، ومن ثمَّ يقدم لها النصح بقدر المستطاع .
قال تعالى ﴿ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]؛ ليُبَيِّن أنَّه لا يصحُّ للرجال أن يسترسلوا في كراهية النِّساء إن عرضت لهم أسبابُ الكراهية، بل عليهم أن يُغَلِّبُوا النظرَ إلى المحاسن، ويتغاضوا عن المكارِه.
فجَعل الله العشرة بالمعروف فريضةً على الرجال حتى في حالةِ كراهية الزوج لزوجته، وجعَل للزوج في ذلك خيرًا كثيرًا.
لاتمنع معروفها او نفقتها عليه :
قال اهل العلم :” وإنفاق المرأة على زوجها وأولادها على سبيل الصدقة فيه الجمع بين الصدقة والصلة، ففي الصحيحين عن زينب امرأة ابن مسعود رضي الله عنهما أنها قالت: يا رسول الله، أيجزئ عنا أن نجعل الصدقة في زوج فقير، وأبناء أخ أيتام في حجورنا؟
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: لك أجر الصدقة، وأجر الصلة.
وقد روى الترمذي والنسائي وابن ماجه عن سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي القرابة اثنتان: صدقة وصلة… .. وهو حديث صحيح.
مع التنبيه على أن الزوجة لا تتحمل شرعاً شيئا من النفقات، بل المسؤولية المالية كلها على الرجل وحده ولو كانت الزوجة غنية – موقع اسلام ويب .
التعاونُ بين أفرادِ الأسرةِ:
كان صلى الله عليه وسلم خيرَ مثالٍ، فقد ضربَ لنا أروعَ الأمثلةِ في العملِ والبناءِ والتعميرِ ، فكان يقومُ بمهنةِ أهلهِ، يغسلُ ثوبَهُ، ويحلبُ شاتَهُ، ويرقعُ الثوبَ، ويخصفُ النعلَ، ويعلفُ بعيرَهُ، ويأكلُ مع الخادمِ، ويطحنُ مع زوجتهِ إذا عييتْ ويعجنُ معها، ويحملُ بضاعتَهُ من السوقِ، وشواهدُ ذلك في السنةِ والسيرةِ كثيرةٌ!!
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي ﷺ يكون في مهنة أهله -يعني خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة) [رواه البخاري].
وعجيب أنْ يرى البعض أن الذكورة نقيض الأنوثة ، ويثيرون بينهما الخلاف المفتعل الذي لا معنى له ، فالذكورة والأنوثة ضرورتان متكاملتان كتكامل الليل والنهار ، وهما آيتان يستقبلهما الناس جميعاً ، هل نُجري مقارنة بين الليل والنهار .. أيهما أفضل ؟ لذلك تأمل دقة الأداء القرآني حينما جمع بين الليل والنهار ، وبين الذكر والأنثى :* وَالْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * [الليل : 1-4] أي : مختلف ، فلكُلٍّ منكما مهمته، كما أن الليل للراحة، والسكون والنهار للسعي والعمل، وبتكامل سَعْيكما ينشأ التكامل الأعلى .
فلا داعي إذن لأنْ أطلب المساواة بالمرأة ، ولا أنْ تطلب المرأة المساواة بالرجل ، لقد صُدعت رؤوسنا من هؤلاء المنادين بهذه المساواة المزعومة ، والتي لا معنى لها بعد قوله تعالى :* إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى *[الليل: 4] أي : مختلف ، فلكُلٍّ منكما مهمته ، كما أن الليل للراحة والسكون والنهار للسعي والعمل .
وعجيب أن نسمع من يقول – من الرجال – ينبغي للمرأة أن تحتل مكان الرجل ، وأنْ تؤدي ما يؤديه ، ونقول : لا نستطيع أن تُحمِّل المرأة مهمة الرجل إلا إذا حمَّلْتَ الرجل مهمة المرأة ، فيحمل كما تحمل ، ويلد كما تلد ، ويُرضِع كما تُرضِع ، فدعونا من شعارات الذين يهرفون بما لا يعرفون .
التشاور بين الزوجين :
ان النبي عليه الصلاة والسلام في الحديبية استشار أُمَّ سلَمةَ، وأشارت عليه، ونفذ استشارتها، وحُلَّت المشكلة؛ لذا ينبغي أن تستشيرها، وتستشيرك، وتتبادلا الآراء، ولكن هذه المؤسسة تحتاج إلى صاحب قرار، فالله عز وجل يقول: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 159].
تزوَّج السيدة خديجة بنت خُويلد رضي الله عنها وكان سنُّه خمسة وعشرين عاماً، وكان سنَّها أربعين عاماً، ولكنها كانت نعم السكن. نزل عليه الوحي وذهب إلى بيته يرتجف ويقول: (دثروني، زملوني – يعني: غطوني – فقالت: ما بك؟ فشكا لها، فقالت: إذا أتى هذا الوحي إليك فأخبرني، فجاء الأمين جبريل فأخبرها، فقالت: اجلس على رجلي اليُمنى، فجلس، فقالت: هل تراه؟ فقال: نعم، فقالت: اجلس على رجلي اليُسرى، فجلس، فقالت: هل تراه؟ قال: نعم، فكشفت شعرها وقالت: هل تراه؟ قال: لا، قالت: إنه وحيٌ من السماء وليس شيطاناً من الشياطين، طالما لم تره عندما كشفتُ شعري) (سيرة ابن هشام؛ والطبراني؛ وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد) ، إذن هذا أدب الملائكة الكرام ولو كان شيطاناً ما فعل ذلك.
قصة وعبرة :
روت كتب الأدب والسيرة أن قاضيًا شهيرًا اسمه “شُريح” لقِيه صديقه الفضيل، فقال له: يا شريح، كيف حالك في بيتك؟ قال: والله منذ عشرين عامًا لم أجد ما يُعكِّر صفائي، قال: وكيف ذلك يا شريح؟ قال: خطبتُ امرأة من أسرة صالحة، فلما كان يوم الزفاف، وجدتُ صلاحًا وكمالًا، يقصد صلاحًا في دينها، وكمالًا في خُلقها، فصليتُ ركعتين شُكر على نعمة الزوجة الصالحة، فلما سلَّمت من صلاتي وجدت زوجتي تُصلي بصلاتي، وتسلِّم بسلامي، وتشكر شكري، فلما خلا البيت من الأهل والأحباب، دنوتُ منها، فقالت لي: على رِسلك يا أبا أُميَّة، ثم قامت فخطبت، وقالت: أما بعد، فيا أبا أُمية، إنني امرأة غريبة، لا أعرف ما تحب، ولا ما تكره، فقل لي ما تحبه حتى آتيه، وما تكره حتى أجتنبه، ويا أبا أمية، لقد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك، وكان لي من رجال قومي من هو كفء لي، ولكن كنت لك زوجة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا، فاتَّقِ الله فيّ، وامتثل قوله تعالى: ﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229].
ثم قعدتُ، قال: فألجأتني إلى أن أخطب، فوقفت وقلت: أما بعد، فقد قلتِ كلامًا إن تصدقي فيه، وتثبتي عليه، يكن لكِ ذخرًا وأجرًا، وإن تَدَعيه يكن حجة عليك، أُحِبُّ كذا وكذا، وأكره كذا وكذا، وما وجدتِ من حسنة فانشريها، وما وجدتِ من سيئة فاستريها.
قالت: فمَن مِنَ الجيران تحب أن أسمحَ لهنَّ بدخول بيتك؟ ومن تكره؟ قال: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم غير ذلك، يقول شُريح: ومضى عليّ عام عُدتُ فيه إلى البيت، فإذا أم زوجتي عندنا، رحَّبت بها أجمل ترحيب، وكانت قد علِمت من ابنتها أنها في أهنأ حال، قالت: يا أبا أُمية، كيف وجدت زوجتك؟ قلت: والله هي خير زوجة، قالت: يا أبا أُمية، ما أُوتي الرجال شرًّا من المرأة المدللة فوق الحدود، فأدِّب ما شئت أن تؤدِّب، وهذِّب ما شئت أن تُهذِّب، ثم التفتْ إلى ابنتها تأمرها بحُسن السمع والطاعة، ومضى عليّ عشرون عامًا لم أجد ما يعكِّر صفائي إلا ليلة واحدة كنت أنا الظالم.
وصية أعرابيه :
هذه سيدة من سيدات العرب عندما زفت إلى بيت الزوجية أوصتها أمها وصية غالية فقالت: يا ابنتي، الوصية تذكرة للغافل ومعونة للعاقل، اعلمي بأن النساء خلقن للرجال، ولهن خلق الرجل يا ابنتي، إذا أردت أن تدوم المعاشرة بينك وبين زوجك، امرأة ابنتها ، بنيه : إنك خرجت من العش الذي درجت فيه فصرت إلى فراش لم تعرفيه ، وقرين لم تألفيه ، كوني له أرضا ذليلة يكن لك سماء ظليلة ، وكوني له مهادا يكن لك عمادا ، وكوني له أمة يكن لك عبدا ، ولا تلحفي عليه فيقلاك ، ولا تباعدي عنه فينساك ، إن دنا منك فاقربي إليه ، وإن نأى عنك فأبعدي عنه ، واحفظي أنفه وسمعه وعينه فلا يشمن منك إلا طيبا ، ولا يسمع إلا حسنا ولا ينظر إلا جميلا
واحفظي له خصالاً عشراً يكون لك بها ذخراً.
اسمعوا أيها المؤمنون هذه الوصايا العشر، اسمعوها جيداً، وبعد ذلك اعملوا بما فيها، فإن الحكمة ضالة المؤمنين أين وجدها اتزموها، قالت الأم لابنتها:
أما الوصية الأولى والثانية: فعليك بالخشوع له بالقناعة وحسن السمع له والطاعة.
وأما الثالثة والرابعة: فتفقدي مواضع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم منك إلا أطيب ريح.
وأما الخامسة والسادسة: فتفقدي أوقات طعامه ومنامه، فإن شدة الجوع ملهبة، وتنغيص المنام مغضبة.
وأما السابعة والثامنة: فالاحتراس لماله وحسن الرعاية لحشمه وعياله، وملاك الأمر في المال حسن التدبير، وفي العيال حسن التقدير.
وأما التاسعة والعاشرة: فلا تفش له سراً، ولا تعص له أمراً، إنك إن أفشيت سره أوغرت صدره، وإن خالفت أمره لم تأمني مكره.
ثم ختمت وصيتها الغالية قائلة: إياك والفرح بين يديه إن كان حزيناً، وإياك والحزن بين يديه إن كان فرحاً. هكذا يبين لنا الإسلام مدى ما للوصية من أثر طيب.
الواجب علينا :
حتى يكون بيننا تراحم يجب علينا عدة أمور :
1-الاقتداء بالنبي الكريم :
قال الله تعالى في محكم آياته (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) }التوبة: 128{ ، قال عليه الصلاة والسلام : ” خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهله ” –صححه الالبانى .
2- التحلي بالتواضع والرفق بالناس :
ولما سأله أبو بكر الصديق :”ما كل هذا الأدب الجم يا سول الله قال :” أدبني ربي فأحسن تأديبي “(السخاوي). فكان يدعو إلى الله بأخلاقه ومعاملاته ، كما يدعو إليه بأقواله.
وقد وردت أحاديث كثيرة في الحث على الرفق منها: “من يحرم الرفق، يحرم الخير”[أخرجه مسلم]… وقال : ” إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه”[أخرجه مسلم].. وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه”[أخرجه مسلم] والرفق: هو اللطف واللين وهما من نتاج الرحمة.
3- الحذر من دعوة النبي على من شق على أمته :
دعا الرسول صلى الله عليه وسلم على من يشق على المسلمين فقال: كما في “صحيح مُسلم”: «اللهم من وليَ من أمر أُمتي شيئًا فشقَّ عليهم فاشقُق عليه، ومن وليَ من أمر أُمتي شيئًا فرفقَ بهم فارفُق به».
كما دعا عل المتنطعين ، فعن ابن مسعود –t -: أنّ النَّبيّ –r -، قَالَ: (هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ) قالها ثَلاثاً – صحيح مسلم ، ، (المُتَنَطِّعونَ): المتعمقون المشددون في غير موضِعِ التشديدِ.
عن عمرو بن حبيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿خاب عبد وخسر لم يجعل الله تعالى في قلبه رحمة للبشر﴾ ([1]) ..
وصية الوصايا في الحقوق الزوجية باختصار :
بالنسبة للزوج : طاعته وراعية بيته وأولاده ولا تخرج الاباذنه ولا تاذن لاحد بالدخول في غير وجوده وان ترضاه لنفسها زوجا ومعلما ومؤدبا وان لا تمنعه الفراش بل تتهيأ له وتكون في احسن أحوالها ، والا تشغلها العبادة عن حق زوجها من صلاة او صيام او قراءة قرءان .
ومن حقوق الزوجة : رعايتها واعفافها والنفقة عليها ، واسكانها وحفظ مالها ،وان يصبر عليها ويرضى بما رزقه الله منها من بنات وان يعاشرها بالمعروف ولا يخرجها من بيتها الا اذا وقعت في الفاحشة ..
ومن الحقوق المشتركة بينهما : حل استمتاع كل منهما بالأخر والتوارث بينهما والتعاون على البر والتقوى ، وحفظ الاسرار الزوجية ورعاية شعور كل منهما للأخر وان يصبر كل منهما على الاخر …
وأخيرا:
تنبيه : أخي الكريم خذ ما يكفيك في حدود وقتك …
يا ربِّ صلِّ على النبيِّ المصطفى..
أزكى الأنامِ وخيرُ من وَطِئَ الثَرى..
يا ربِّ صلِّ على النبيِّ وآلهِ تِعدادَ حبَّاتِ الرِمـالِ وأَكثَرا..
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم…ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]، ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 – 182]..