الاهتزاز والتمايل في الذكر بين الاتباع والابتداع

بقلم الشيخ: (نور عبدالبديع حمودة الأزهرى الشافعي)

 

مقدمة:
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، وجعل في الذكر حياة للقلوب، والصلاة والسلام على من قال: “مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت”، وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن من المسائل التي دار حولها الجدل في زماننا، مسألة التمايل والتحرك أثناء الذكر، وهي مسألة قديمة، تجدد الجدل حولها مع انتشار الطرق الصوفية، وانقسام الناس بين مُشدد يُبدّع، ومُتساهل يُفرّط.

وهذه المحاضرة تتناول حكم الاهتزاز والتمايل أثناء الذكر، من خلال الأدلة الشرعية، وأقوال الأئمة، وتحقيق العلماء الربانيين.

معنى التمايل والاهتزاز في الذكر

الاهتزاز: هو حركة الجسد يمينًا ويسارًا، أو إلى الأمام والخلف، أثناء الانشغال بالذكر، وقد يكون ذلك عن طرب قلبي أو وجد روحي، وليس بنية العبث أو الرقص

كثيرًا ما نسمع بعض الناس يُنكرون على الذاكرين ربهم جماعة، أو على من يتحركون أثناء الذكر شوقًا ووجدًا، فيقولون: ما هذا التمايل؟! ما هذه الحركات؟! أهي من السنة؟! ويقعون في أعراض عبادٍ لله اختاروا طريق الذكر والخشوع والفرح بالله، ويتهمونهم بالبدعة والضلال، دون علم ولا فقه.

لكن مهلاً… هل تدرون من أول من تمايل في الذكر؟

إنهم أصحاب رسول الله ﷺ!
روى الإمام أبو نعيم الأصفهاني عن الفضيل بن عياض أنه قال: “كان أصحاب رسول الله ﷺ إذا ذكروا الله تمايلوا يمينًا وشمالًا كما تتمايل الشجرة بالريح العاصف، إلى أمام ثم وراء.”

فما أجمل هذا التصوير! ذكرٌ يُحيي القلب، فيتحرك البدن كما تتحرك الشجرة تحت نفحات الرحمة!

إننا لا نتحدث عن رقصٍ ولهو، بل عن وجد صادق، وخشوع عميق، وفرحٍ بالله، عبّر عنه الإمام ابن داوود الحنبلي القادري بقوله:

“الاهتزاز في حالة الذكر مندوب إليه.”
نعم، مندوب، أي مستحب شرعًا، لمن كان صادقًا في محبته لله، متأثرًا بذكره، حاضر القلب.

لقد جاء رجل إلى الإمام أحمد بن حنبل – إمام أهل السنة – فقال له عن الصوفية: إنهم يستمعون ويتواجدون – أي يتحركون أثناء الذكر – فماذا قال الإمام؟
هل قال: هؤلاء مبتدعة؟!
هل قال: هذه ضلالة؟!
أبدًا، بل قال كلمته الخالدة:
“دعوهم يفرحوا مع الله ساعة!”

ثم قال: “وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون.” [غذاء الألباب – السفاريني الحنبلي]

فهل بعد هذا من اعتراض؟! وهل بعد هذا من إنكار؟!
وقد وافقه على هذا الإمام النووي الشافعي بقوله: “إذا تحرك السامع عند الذكر أو السماع المباح لطرب قلبه، لم يُنكر عليه.” [المجموع]

وكذا قال ابن حجر الهيتمي وعبد الوهاب الشعراني، وكلهم أئمة هدى وعلم، لا ينطقون إلا بعلم وفهم.
أيها الإخوة،
إن الفرح بالله ليس بدعة، بل عبادة!
والحركة في الذكر ليست لهوًا، بل أثر قلبٍ خاشع.

قال الله تعالى:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّـهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58].
فدعوا الذاكرين يفرحون،
دعوا المحبين يتمايلون،
دعوا القلوب تحلق في أجواء الذكر،
دعُوهُم يَفرَحُونَ مَعَ اللهِ سَاعَة!

الفرق بين التمايل المشروع والحركات المذمومة

المشروع: ما كان نابعًا من تأثر القلب، لا عن تصنع، وكان من غير خروج عن آداب الشرع.

المذموم: ما كان رقصًا أو تشبهًا بالفسقة، أو تخلله اختلاط ومحرمات، أو خرج عن مقصود الذكر.

من مقاصد التمايل المشروع في الذكر

دلالة على حياة القلب، كما قال النبي ﷺ: “مثل الذي يذكر ربه…”

تعبير عن المحبة والفرح بالله، قال تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا}.

سنة السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان.

خاتمة:
يا أحبتي، الذكر حياة، والفرح بالله عبادة، والاهتزاز القلبي في حضرة المولى مقامٌ جليل.
فدعوا الذاكرين وشأنهم، ودعوهم يفرحون بالله ساعة، فلعله يفتح لهم بابًا إلى رضاه.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وآله وصحبه أجمعين.

اترك تعليقاً