ليس المدافع المهاجم


بقلم الشيخ : نادر أشرف عبد الحي الأزهري الشافعي

 

من المهم أن نعيد النظر في أولوياتنا الدعوية، ونتأمل في المسارات التي نسلكها ونحن نحمل رسالة الإسلام. فلو تخيّلنا داعيةً إسلاميًا جعل معظم خطابه منصبًا على مسائل فرعية مثل “رضاع الكبير” أو “بول الإبل” وظلّ عمره منشغلاً بها، لوجدنا أن أثره في الدعوة العامة محدود، وأن رسالته الكبرى قد تغيب عن وعي الناس. فهل مثل هذه المسائل، وإن كانت لها أحكام فقهية، هي ما كُلِّف به ليدعو إليه؟

كذلك الحال في بعض الاتجاهات الصوفية التي انشغلت بالحديث المستمر عن الموالد وزيارة القبور، وهي أمور قد تكون مباحة أو مستحبة عند بعض أهل العلم، لكنها ليست جوهر التصوف ولا محوره الأساس.

التصوف الأصيل كما عرفناه في سيرة الأوائل من الزهّاد والعباد، قام على معاني عظيمة من الزهد، والورع، والتقوى، والإيثار، والصدق، والمحبة، والكرم، والأنس بالله، ومجاهدة النفس. وكانت هذه المعاني هي التي جذبت الناس وحرّكت قلوبهم، وأحدثت الأثر الحقيقي في أخلاقهم وسلوكهم.

ثم إن دعوت لهذه الأصول واتبعها الناس بإحسان، ثم لم يزوروا القبور والموالد فتلك شكاة ظاهر عنك عوارها.

لكن حين تم حصر الخطاب الصوفي في الطقوس والشعائر الثانوية، وابتعد عن هذه الأصول القيمية والروحية، أصبح من السهل أن يُساء فهم التصوف، بل أن يُعرّف عند البعض بأنه “مجرد موالد وزيارات”. وهو تصور بعيد كل البعد عن الحقيقة.

وللأسف، انجرّ بعض المنتسبين للتصوف إلى معارك دفاعية حول هذه القضايا، وابتعدوا عن مهمتهم الأسمى: الدعوة إلى تزكية النفس، والتقرب إلى الله، والسمو الروحي، والإصلاح الخُلقي. وصار هناك غياب ملحوظ للمحتوى الذي يتناول هذه الجواهر مقارنة بالمحتوى الذي يناقش الشبهات والردود.

إن العودة إلى أصل التصوف، كما بدأ به الأوائل، تعني العودة إلى المعاني التي أحيت القلوب، وحرّكت النفوس نحو الله، لا إلى ما قد يثير الجدل أو يبعد الناس عن الجوهر.

فالتصوف لم يظهر أول أمره إلا بالزهد والورع، ولن يُحسن ختامه إلا بمثل ما بدأ به.

اترك تعليقاً