إعداد فضيلة الشيخ : أحمد عزت
الباحث فى الشريعة الاسلامية
لم يكتف التشريع الإسلامي بالإخبار عن وقوع هذا البلاء وفقط، بل وكعادته وضع العلاج بشكل مُعجز يتفوق علي كل تشريعات القانون الوضعي البشري الصنع، والذي لا يحسن أن يفهم النفس ومتطلباتها؛ لأنه ليس بخالقه، ولهذا نريد من هذا البحث الموجز أن نبين كيف صان الإسلام الأعراض من خلال الردع والوقاية، وكيف تعامل القانون الوضعي مع الأعراض بجهالة أدت إلي مزيد من الانفلات الجنسي وشيوع الفواحش.
فالإسلام دين كل زمان ومكان لأنه من الله العليم الخبير الذي يعرف النفس البشرية حق المعرفة؛ لأنه خالقها وبالتالي يعرف ما يصلحها {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الملك: ١٤، فالقانون الرباني ينظر للمشكلة بنظرة شاملة، فكان له مع حماية الأعراض شأن آخر يقوم علي فهم طبيعة و احتياجات النفس البشرية، قال تعالي: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا والله عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ }آل عمران: ١٤،
والشهوة في ذاتها ليست خطأ بل هي جبلة في الإنسان، ولكن حب الشهوة وتزيينها للعقل هو الخطأ، وليس أعظم في تزيينها وتأجيجها في النفوس من الاختلاط الذي يحرك الشهوات الكامنة.
نجد أن الإسلام تعامل مع هذه المشكلة بالترهيب من العقوبة المشددة، وبالوقاية من خلال التربية الإسلامية الصحيحة التي تقنن الشهوة ولا تكبتها، فتشجع علي الزواج وتمنع العلاقات الجنسية غير المشروعة وما يؤدي إليها.
ولا شك أن التنشئة السليمة لأبنائنا وتعويدهم الالتزام بآداب الإسلام من غض البصر واللباس الساتر والتعامل اللائق وكذلك تعليمهم الفضيلة والحفاظ على النفس والجسد من أيدي العابثين لهو السبيل الأمثل للحد من هذه الظاهرة التي لا تليق بالمجتمعات المحترمة فضلا عن المسلمة. قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:
﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌۚ والله عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ. فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا﴾ [التغابن ١٦- ١٦].
وقد سلك الإسلام في ذلك سبلًا متنوعة منها:
أولًا: العقوبات الرادعة
بدأ الإسلام بفرض العقوبات المشددة لمنع الزنا والتحرشات الجنسية، فمن اللافت للنظر أن سورة النور في حربها علي الفاحشة لم تبدأ ببيان فضل العفاف وذكر محاسنه والتنفير من ضده، بل ولم تخوف الزاني بعقاب الآخرة، ولكن بدأت ببيان عقوبات الزناة وخوض الألسنة في أعراض المحصنات والذين يحبون إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، فقال تعالي في عقوبة الزناة: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كل واحد منهما مائة جلدة)، مع المبالغة في التنكيل بهم (وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله)، والتشهير بهم (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)، ومنعهم من زواج أهل العفة (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)،
وقال تعالي في عقوبة خوض اللسان في الفواحش وقذف المحصنات: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)،
وقال الله في عقوبة الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ والله يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
فإن قيل فأين التخويف بعذاب الآخرة بدلًا من شدة العقوبة في الدنيا؟
فالجواب أنه قد جاء كثيرًا في ثنايا السورة وفي غيرها، ولكن الفاحشة إذا فارت في القلب طغت على نور العقل، فقلما يردعها تذكر الآخرة إلا عند عباد الله المخلصين، بينما الخوف من الجلد والفضيحة والخوف من نبذ المجتمع ينزع الله به ما لا ينزع بالقرآن.
* ثم جعل الله حد الحرابة لمعاقبة كل من سولت له نفسه سفك الدماء وسلب الأموال وهتك الأعراض وإهلاك الحرث والنسل، والتحرش بالنساء يتضمّن إفسادًا في الأرض، بحسبانه متضمنًا قطع الطريق علي المتحرَّش بها، أو إلجائها إلي الطريق الضيقة بغية النيل منها أو سماعها ما تكره، أو إجبارها علي الرضوخ له بطريقة أو أخرى، وقد يتضمن إخافتها أو إرعابها لتحقيق مقصوده، وذلك يكوِّن جريمة حرابة متكاملة الأركان، ولذا فإنه يرد في حق المتحرشين بالنساء العقوبتان الدنيوية والأخروية الواردتان في قول الله تعالي: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } المائدة: ٣٣، وذلك لقطع دابر هذه الجريمة من المجتمع.
ثانيًا: الوقاية من خلال تربية النفوس علي العفة
بعد أن بين الله كيف نطهر المجتمع من الفواحش بتطبيق العقوبات المشددة، انتقلت الشريعة الإسلامية إلي المرحلة التالية من إشاعة نور العفة بين الناس لكي تحول بينهم وبين الوقوع في الشهوات والعقوبات، فدعت إلي تخفيف نار الشهوة في النفوس بنهيها عن اتباع خطوات الشيطان التي تأمر بالفاحشة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ الله يُزَكِّي مَن يَشَاءُ والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور:٢١،
م بين الله أهمية غض البصر وأهميته في كبح جماح الشهوة وحفظ الفروج للرجال والنساء: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }النور: ٣٠،
وحث علي ستر المرأة لزينتها حتى لا يفتن بها الرجال: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}،
وفي مقابل كف النفس عن إشباع الغريزة الجنسية بالحرام، شجع المولي تبارك وتعالي علي تيسير الزواج الحلال؛ حتى لا يحدث كبت نفسي قد يؤدي إلي انفجار غير محسوب فقال تعالي: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ }النور: ٣٢،
وأمر بالعفاف في غير وجود الزواج: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ}النور: ٣٣، وجاء الحبيب ﷺ بالدواء المعين علي الاستعفاف فقال ﷺ عن علاج الشهوة بالصوم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء -وقاية-) رواه البخاري ومسلم.
ولأن الاختلاط بين الرجال و النساء يؤجج نار الشهوة ويؤدي إلي ما لا تحمد عقباه فقد حرص شرعنا الحنيف علي منع الاختلاط بين الجنسين، قال تعالي: {وَإذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} الأحزاب: ٥٣، فقد دلت هذه الآية على أن الأصل احتجاب النساء عن الرجال، وعدم الاختلاط لاسيما في دور العلم، حرصًا علي طهارة قلوب الرجال والنساء، وقال تعالي: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْـجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} الأحزاب: ٣٣ فأمرهن بالقرار، ثم منعهن من الخروج غير متحجبات، ومع قرارهن في البيوت منع رسول الله الله ﷺ الرجال الأجانب من الدخول عليهن فقال: (إياكم والدخول على النساء، فلما قيل له: الحمو؟ قال: الحمو الموت) متفق عليه، وهذا يدل على أن الأمر بالقرار ليس خاصًا بنساء النبي الله ﷺ.
بل ونهي الشرع عن خلو الرجل بالمرأة، فقال ﷺ: (لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم) رواه البخاري ومسلم.
لعل البعض يتهم الإسلام بأنه يحمل المرأة أكثر من الرجل في قضايا الزنا والتحرش الجنسي بحجة أن المرأة هي التي دفعته بزينتها وتبرجها إلي فعل التحرش، فنقول كلا وألف كلا؛ لأن المرأة إن خالفت ربها بإظهار زينتها وتبرجها، فلا ينبغي أبدًا للرجل أن يطلق بصره فيصيب من هذه وتلك حتى تتمكن الشهوة من قلبه فتدفعه إما إلي الزنا أو إلي التحرش الجنسي، ومعلوم من القرآن أن الله عاقب الزانية والزاني بنفس العقاب بالرغم من أن الله قدم الزانية علي الزاني: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ}النور: ٢، فجعل الله عقوبة الاثنين واحدة، وقدم ذكر الزانية ليلفت الانتباه إلي أن المرأة بزينتها وتبرجها وجمالها الذي جبلت عليه أكثر إثارة ولفتا لانتباه الرجل، أكثر من تأثر المرأة بالرجل.
وقد ساوي الله عقوبة الزاني بالزانية؛ لأنه خالف أمر الله له بغض البصر، حيث قدم الله الأمر بغض البصر للرجال علي النساء لكون الرجل يفتن بالمرأة أكثر ما تفتن النساء بالرجال، فحمي الله النساء من الرجال بغض البصر: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}،
وحمي الله الرجال من النساء بغض البصر وإخفاء الزينة؛ {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}، فسبحان الله العليم بأحوال النفوس و بما يصلحها: {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }فاطر: ١٤.
فلو كان الإغراء هو أساس وقوع الزنا فقط لخفف الله العقوبة علي الزاني ولشدد العقوبة علي الزانية، ولكن لأن الإسلام تعامل مع هذه الحالات قبل ارتكاب الجريمة من خلال تهذيب النفس لمقاومة الإغراء مهما كان حجمه، فإذا كانت النفس قد استجابت للتهذيب الديني، فليس هناك إغراء يؤثر فيها. فالنفس قد تغري الفرد بالنظر إلي الكاسيات العاريات إلا أن قوة الإرادة التي ربّتها الشريعة الإسلامية في نفس المؤمن تدفعه إلي غض البصر، فإذا خالف و نظر كان مخالفا للشريعة قبل أن يؤثر فيه الإغراء، و لذا يتساوي مع الزانية في العقوبة على الرغم من تقديم الزانية على الزاني في الترتيب اللفظي، الذي ربما أراد منه القرآن حث المجتمع على ملاحظة دور الإغراء في ارتكاب مثل تلك المخالفات الشرعية.
* فكيف تحمي الفتاة نفسها في مجتمع لا يوفر لها الحماية؟
*
إن الشارع المصري هو مرتع للمتحرشيين والسرسجية ولا تتوفر فيه معايير الأمان للمرأة، وهذا أمر واقع يجب أن نتعامل معه، وبالتالي يجب على كل فتاةٍ أن تضع ذلك في عين الاعتبار عندما تخرج إلى الشارع بمفردها.
وإحدى طرق الوقاية هي تجنب الملابس المُثيرة التي من شأنها جذب انتباه المتحرشيين، صحيح أن الفتاة مُعرضّة للتحرش في كل الأحوال لكن الملابس المٌثيرة ستزيد الأمر سوءً وتزيد من مخاطر التحرش للفتاة
إن أغلب السائحيين الأجانب القادمون إلى مصر يتم نصحهم في بلادهم بتجنب ارتداء الملابس المثيرة في الأماكن العامة في مصر بسبب انتشار التحرش، أما في الأماكن الخاصة مثل المنتجعات السياحية والفنادق والشواطئ الخاصة فلا مانع من ارتداء ما يريدون كملابس البحر والملابس الصيفية؛ لأن هذة الأماكن الخاصة هي أماكن آمنة. هذة النصيحة موجودة في كل مواقع السفر العالمية الشهيرة على الانترنت.
ونفس النصيحة يمكن تطبيقها على الفتيات في مصر فيجب علي الفتاة في مصر تجنب الملابس المثيرة.