خلاصة الكلام في من يشكك في إيمان والدي الرسول وكرامتهم: تأملات في ضياء القرآن والسنة
18 أبريل، 2025
شبهات حول قضايا التصوف

بقلم الدكتور: مختار البغدادى
المعيد بكلية أصول الدين والدعوة بجامعة الأزهر
هل صحيح إن أم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوه في النار، زي ما بيقول بعض الناس، مستدلين بحديث رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه، فبكى وأبكى اللي حواليه، وقال: “استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت”. وكمان بحديث رواه الإمام مسلم عن أنس رضي الله عنه، إن رجل قال: يا رسول الله، أين أبي؟ قال: “في النار”. فلما مشى دعاه، وقال: “إن أبي وأباك في النار”.
لازم على المؤمن إنه يتدبر القرآن الكريم أولًا، وخاصة في موضوع أهل الفترة، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾.
وَقَالَ تعالى: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾.
وَقَالَ تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾.
وَقَالَ تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾.
وَقَالَ تعالى: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾.
وَقَالَ تعالى: ﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ﴾.
وروي الامام مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار”. هَذَا أَوَّلًا.
ثانياً: الأبوين الشرفاء، سيدنا عبد الله وسيدتنا آمنة بنت وهب، رضي الله عنهما وأرضاهما، كانوا من أهل الفترة، ومكانش وصلهم دعوة من أي نبي. والدليل على كده:
١- التأخير في الزمن، والبعد اللي بينهم وبين الأنبياء اللي قبل سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام. آخر نبي كان سيدنا عيسى، والفترة بينه وبين سيدنا محمد كانت حوالي ٦٠٠ سنة.
٢- كانوا عايشين في زمن الجاهلية، والجهل كان طاغي شرق وغرب، وماكانش فيه حد بيعرف الناس الشريعة صح.
عشان كده لما بُعث سيدنا رسول الله، الناس اتعجبت وقالوا: “أبعث الله بشرًا رسولاً؟” وقالوا: “ولوشاء الله لأنزل ملائكة، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين”. ولو كان عندهم علم ببعثة الرسل، ماكانوش أنكروا.
كانوا يمكن يظنوا إن سيدنا إبراهيم عليه السلام كان مبعوث بالشرك اللي هما فيه، عشان كده الله نفى الشرك عنه وقال: “ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين”.
هما ماكانش عندهم حد يبلغهم شريعة سيدنا إبراهيم عليه السلام بشكل صحيح، عشان الشريعة دي اندثرت ومافيش حد كان يعرفها، لأنه كان بينهم وبين زمن سيدنا إبراهيم أكتر من ٣٠٠٠ سنة، وربنا ما تولى حفظ دين من الأديان إلا دين سيدنا محمد.
ومن هنا يتبين إن والدي سيدنا محمد كانوا من أهل الفترة.
ثالثًا: الحديث اللي رواه الإمام مسلم عن أنس رضي الله عنه، إن رجل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا رسول الله، أين أبي؟” فقال: “في النار”. ولما مشى، دعاه النبي وقال له: “إن أبي وأباك في النار”. ده ما يثبتش إن المقصود هو والد سيدنا محمد، لأن كلمة “الأب” تُطلق على الوالد، وعلى العم، وعلى الجد حتى لو كان بعيد.
دليل على كده قول الله تعالى عن أولاد سيدنا يعقوب لما حضرت الوفاة: ﴿قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون﴾. رغم إن سيدنا إسماعيل عليه السلام كان عم والدهم سيدنا يعقوب، لكنهم ذكروه في الآية ضمن آبائهم.
وكمان، في الحديث اللي رواه الإمام مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ولد لي الليلة غلام، فسميته باسم أبي إبراهيم”.
فممكن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصد بحديثه “إن أبي وأباك في النار” عمه أبا لهب، لأنه في النار بدليل قوله تعالى: ﴿تبت يدا أبي لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب * سيصلى نارا ذات لهب﴾.
أو يكون المقصود عمه أبو طالب، لأن في حديث رواه الإمام مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أهون أهل النار عذابًا أبو طالب، وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه”.
وكمان، في حديث رواه النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه جمرتان، يغلي منهما دماغه”.
وروى الشيخان عن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، قال: يا رسول الله، هل نفعت أبا طالب بشيء، فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: “نعم، هو في ضحضاح من نار، لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار”.
وكمان في حديث رواه الإمام مسلم عن عامر بن سعد، عن أبيه، إن النبي صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه يوم أحد وقال: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “ارم فداك أبي وأمي”. قال: فنزعته بسهم ليس فيه نصل، فأصبت جنبه فسقط، فانكشفت عورته فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نظرت إلى نواجذه.
فلو كانا من أهل النار، ما كانش النبي يفده بهما مع أنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي.
رابعًا: الحديث اللي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه، فبكى وأبكى اللي حواليه، وقال: “استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت”.
في الحديث الشريف ده، ما فيش دليل على إن السيدة آمنة رضي الله عنها وأرضاها من أهل النار، لأنها من أهل الفترة برضه. وأهل الفترة زي ما قال الله تعالى: ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا﴾. فعدم الاستغفار لها ما يدلش إنها من أهل النار، ولو كانت – لا قدر الله – كده، ما كانش ربنا أذن للنبي بزيارة قبرها. ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف إنها كافرة – حاشاها – كان تبرأ منها، وكان التزم بقول الله تعالى: ﴿لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم﴾.
أما بالنسبة لبكاء النبي صلى الله عليه وسلم، فهو كان بكاء على فراقها رضي الله عنها وأرضاها.
وبناءً على ذلك:
في الحديثين الشريفين، ما فيش دليل على إن والدي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا كافرين – معاذ الله. هما أقل ما يُقال فيهما إنهما من أهل الفترة، وأهل الفترة بيمتحنوا يوم القيامة. وأبوا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هيفوزوا بالامتحان بإذن الله، ببركة سيدنا رسول الله، وبعد رحمة الله تعالى.
لازم على الأمة تلتزم الأدب مع سيدنا رسول الله، وخاصة في مثل هذه القضية. لأن ما ثبتش إنهم سجدوا لصنم – حاشا لله. وكفاية إن اسم والدي سيدنا رسول الله عبد الله وآمنة.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء” (رواه الترمذي عن المغيرة بن شعبة).
فكيف إذا كان الإيذاء لسيدنا رسول الله؟ قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾.
والنبي كان ينتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات.
و يبقى هذا الباب محفوفًا بسياج من الغيب الذي لا يحيط به إلا رب السموات والأرض، فسبحان من وسعت رحمته كل شيء، وإليه مرد كل أمرٍ وحسب.
اللهم لا تحرمنا نعمة الأدب مع سيدنا رسول الله.
والله هو الموفق والمعين وهو الهادي إلى سواء السبيل