خطبة بعنوان ( فأما اليتيم فلا تقهر )
لفضيلة الشيخ : ياسر عبدالبديع
بتاريخ 5 شوال 1446 هجرية- 4 ابريل 2025 م
لتحميل الخطبة pdf اضغط على الرابط أدناه
famaa alyatim fala taqhar
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمَلْءَ مَابَيْنَهُمَا وَمُلْءَ مَاشِئْتَ يَارِبُ مِنْ شَئٍّ بَعْدَ أَهْلِ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَاقَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ اللَّهُمَّ لَامُعْطَى لِمَا مَنَعْتَ وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ
سَبْحَانُكَ اللَّهُمَّ خَيْرَ مُعَلِّمٍ عَلَّمْتَ بِالْقَلَمِ الْقُرُونَ الْأُولَى أَخْرَجْتَ هَذَا الْعَقْلَ مِنْ ظُلُمَاتِهِ وَهَدَيَتَهُ النُّورَ الْمُبِينَ سَبِيلًا وَأَرْسَلْتَ بِالتَّوْرَاةِ مُوسَى مُرْشِدًا وَابْنَ الْبَتُولِ فَعَلَّمَ الْإِنْجِيلَا وَفَجَرَتْ يَنْبُوعَ الْبَيَانِ مُحَمَّدًا فَسَقَى الْحَدِيثَ وَنَاوَلَ التَّنْزِيلَا
وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا وَمُصْطَفَانَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا وَرَسُولًا أُوصِيكُمْ وَنَفْسَى بِتَقْوَى اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحُ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا أُحَدِّثُكُمْ الْيَوْمَ عَنْ مَوْضُوعٍ تَحْتَ عُنْوَانِ( فأما اليتيم فلا تقهر )
العنصر الأول : عظمة حق اليتيم
فاليتيم شرعاً هو: من مات عنه أبوه وهو صغير لم يبلغ الحلم، ويستمر وصفه باليتم حتى يبلغ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يُتْمَ بعد احتلام” رواه أبو داود
ولقد وصف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمثل العالية والأخلاق السامية ، التي تصوغ الحياة في إطار المودة والتعاطف ، وتوحد طاقات المجتمع في بوتقة التكافل الاجتماعي .. وقد بين لنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما ينبغي أن تكون عليه علاقة المؤمنين بعضهم ببعض ، فجعلها مثل البناء المتلاحم الذي لا خلل فيه ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) رواه البخاري..
وصور لنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تلاحم العواطف ، وقوة شعور الفرد بإخوانه المسلمين بقوله : ( إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، يألم المؤمن لأهل الإيمان ، كما يألم الجسد لما في الرأس ) رواه أحمد.. ومن ثم فإن رابطة الأخوة بين المسلمين توجب على الموسر منهم مساعدة المعسر، وأي عسر أعظم من اليتم ، فاليتم مظهر واضح للضعف ، والحاجة إلى المعونة والرفق والرعاية ..
وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أوائل الذين لمسوا آلام اليتيم وأحزانه ، ومن ثم اهتم ـ صلى الله عليه وسلم ـ باليتيم اهتماماً بالغاً من حيث تربيته ورعايته ومعاملته ، وضمان سبل العيش الكريمة له ، حتى ينشأ عضواً نافعاً ، ولا يشعر بالنقص عن غيره من أفراد المجتمع ، فيتحطم ويصبح عضواً هادماً في الحياة .. فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ حاثا وآمرا ومحفزا على رعاية اليتيم : ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً ) رواه البخاري .
قال ابن بطال : ” حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الجنة ، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك
وجعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الإحسان إلى اليتيم علاجا لقسوة القلب ، وإن أبعد القلوب عن الله القلب القاسي ، فعن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ قال : أتى النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجل يشكو قسوة قلبه ، فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ؟ ، ارحم اليتيم ، وامسح رأسه ، وأطعمه من طعامك ، يلن قلبك وتدرك حاجتك ) رواه الطبراني .
كما بشر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أحسن إلى اليتيم ولو بمسح رأسه ـ ابتغاء وجه الله ـ بالأجر والثواب الكبير ، حيث قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من مسح رأس يتيم ـ لم يمسحه إلا لله ـ كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات ، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده ، كنت أنا وهو في الجنة كهاتين ) رواه أحمد.
وهذا التوجيه الذي ذكره الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من مسح شعر اليتيم ، هو الحد الذي لا يصعب على أحد ، ويمكن أن يقوم به كل إنسان ، فيشعر اليتيم بالحب والحنان ، ثم هو يجلب له الحسنات .
بل كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحرص كل الحرص على رعاية مشاعر الأيتام وإدخال السرور عليهم ، ففي قصة اختصام أبي لبابة ـ رضي الله عنه ـ ويتيم في نخلة ، قضى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأبي لبابة بالنخلة لأن الحق كان معه ، لكنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما رأى الغلام اليتيم يبكي ، قال لأبي لبابة : (أعطه نخلتك ، فقال : لا ، فقال أعطه إياها ولك عذق في الجنة ، فقال : لا ، فسمع بذلك ابن الدحداحة فقال لأبي لبابة : أتبيع عذقك ذلك بحديقتي هذه ؟ ، فقال نعم .. ثم جاء رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : النخلة التي سألت لليتيم أن أعطيته ألِي بها عذق في الجنة ؟! ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نعم . ثم قُتِل ابن الدحداحة شهيدا يوم أحد ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : رُب عذق مذلل لابن الدحداحة في الجنة ) رواه البيهقي .
وقد مدح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نساء قريش لرعايتهن اليتامى ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( خير نساء ركبن الإبل نساء قريش ، أحناه على يتيم في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده ) رواه أحمد.
ولما مات جعفر بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ تعهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أولاده وأخذهم معه إلى بيته ، فلما ذكرت أمهم من يتمهم وحاجتهم ، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( العيلة (يعني الفقر والحاجة) تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة ) رواه أحمد .
ثم إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يقتصر في اهتمامه باليتيم على أسلوب الحث والترغيب ، بل استخدم أيضا أسلوب التحذير من الإساءة إلى الأيتام ، أو أكل أموالهم بالباطل ، بحيث لا يُقْدم على فعل ذلك إلا من قسى قلبه ، وغلبت عليه شقوته ، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( اجتنبوا السبع الموبقات (المهلكات) ، قالوا : يا رسول الله ، وما هن ؟ ، قال : الشرك بالله ، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ) رواه البخاري.. فعدَّ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكل مال اليتيم من السبع الموبقات ، ومن كبائر الذنوب وعظائم الأمور ..
ولخطورة وعظم حق مال اليتيم ، وجه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من كان ضعيفاً من الصحابة ألا يتولين مال يتيم ، فعن أبي ذر – رضي الله عنه – أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( يا أبا ذر ، إني أراك ضعيفا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تأمرن على اثنين ، ولا تولين مال يتيم )رواه مسلم .
وقد ترجم المسلمون الأوائل هذه التوجيهات النبوية ترجمة عملية ، ومن ينظر في حال سلفنا الصالح ، يظهر له بوضوح مقدار الحرص على رعاية اليتيم وكفالته ، طلبا وبحثا عن ترقيق القلوب والأجر العظيم ، ومرافقة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الجنة ، فهو القائل ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً ) رواه البخاري ..
إنّ لكفالة اليتيم فضائل عديدة، منها :
الحصول على الأجر المضاعف إن كان اليتيم من الأقارب؛
فيحصل على أجر الصدقة وأجر القرابة. الدلالة على الاتّسام بالطيبة، والتعامل بأصل الفطرة السليمة. المسح على رأس اليتيم وكفالته وتطييب خاطره يُليّن القلب ويُذهب القسوة عنه، وتعود على الكافل بالخير العظيم في الدنيا والآخرة. انتشار المودّة والمحبّة بين أفراد المجتمع المسلم، والبعد عن الحقد والكراهية. دلالة على محبّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، لأنّ في الكفالة إكرام وإحسان لمن كان يتيماً مثله -عليه الصّلاة والسّلام-.
ومنها تطهير المال وتنميته، وحصول البركة والتوسّع فيه
كما أنّها من الأخلاق الفاضلة التي عظّمها الإسلام ومدح صاحبها. دلالة على تخلّق المرأة بأخلاق الإسلام وصلاحها إذا قامت برعاية أبنائها بعد وفاة زوجها، وفوزها بالجنّة.
ومنها مرافقة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في الجنّة
،فقد قال رسول الله: (أنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا وأَشارَ بالسَّبَّابَةِ والوُسْطَى، وفَرَّجَ بيْنَهُما شيئًا)، فما بين منزلة النبي في الجنّة وكافل اليتيم كما بين السبّابة والوسطى. كفالة اليتيم والنّفقة عليه من أعظم أبواب الخير التي حثّت الشريعة عليها، قال -تعالى-: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّـهَ بِهِ عَلِيمٌ). الرحمة بأبناء مَن مات من المسلمين، والإحسان إليهم، وقضاء حاجاتهم، فمَن كان محسناً معهم أحسن الله إليه. والأطفال غير معلومي الأب والأم يأخذون حكم اليتيم في هذه المسألة، ولعلّهم أشدّ حاجة للعطف والحنان وتقديم الرعاية اللازمة، وذلك لعدم وجود ومعرفة أحدٍ من أقاربهم يلجؤون إليه عند الحاجة، مع ضرورة التنبّه إلى عدم جواز إضافتهم إلى دفتر العائلة، لِما في ذلك من ضياعٍ للأنساب، كما يجب مراعاة الأحكام الشرعية بعد بلوغه سنّ الرشد من حُرمة الخلوة والنظر وما إلى ذلك، إلا إذا وُجد رضاع يحلّل ذلك
العنصر الثانى : الرحمة النبوية بالأرملة
الشعور بآلام الناس والقيام بخدمتهم وقضاء حوائجهم صورة من صور رحمة نبينا صلى الله عليه وسلم، وخُلق من عظيم أخلاقه، وصفة من جميل صفاته، قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم:4)، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(الأنبياء :107)، وقال صلى الله عليه وسلم عن نفسه: (إنما أنا رحمةٌ مهداة) رواه الحاكم وصححه الألباني.
من صور ومظاهر رحمة نبينا صلى الله عليه وسلم: رحمته ووصيته بالنساء عامة، وبالأرامل منهن خاصة، فكان يقول لأصحابه: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرا) رواه مسلم، وتكررت منه نفس النصيحة والوصية بالنساء في حجة الوداع، وهو يخاطب الآلاف من أصحابه وأمته من بعدهم.. وقد خصَّ النبي صلى الله عليه وسلم بوصيته بالنساء الأرامل منهن، والأرملة هي المرأة التي مات زوجها، قال ابن حجر: “الأرملة: هي التي مات عنها زوجها، ويُطلق على المحتاجة”.
ومما لا شك فيه أن الأرملة تحتاج إلى من يقوم على شئونها ومصالحها، ويسعى في قضاء حاجاتها، ومن ثم أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بها، وبالسعي في قضاء حاجاتها، وجعل الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار) رواه البخاري، ولفظ مسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وكالقائم لا يفتر، والصائم لا يفطر).
قال ابن حجر: “السَّاعي: الذي يذهب ويجيء في تحصيل ما ينفع الأرملةَ والمسكين”، وقال النووي: “المراد بالساعي الكاسب لهما، العامل لمؤنتهما، والأرملة من لا زوج لها، سواء كانت تزوجت أم لا، وقيل هي التى فارقت زوجها، قال ابن قتيبة: سميت أرملة لما يحصل لها من الإرمال وهو الفقر وذهاب الزاد بفقد الزوج، يقال: أرمل الرجل إذا فني زاده”. وقال العيني: “الساعي على الأرملة هو الذي يسعى لتحصيل النفقة على الأرملة التي لا زوج لها”، وقال المناوي: “أي الكاسب لهما العامل لمؤونتهما، (كالمجاهد في سبيل الله) لإعلاء كلمة الله”. وقال القاضي عياض: “فى هذا الحديث فضل ما للساعى لقوام عيشه وعيش من يقوم به وابتغاء فضل الله الذى به قوام بدنه لعبادة ربه، وقوام من يمونه ويستر عوراتهم وأجر نفقاتهم أنه كالمجاهد، وكالصائم القائم”.
وفي شرح صحيح البخارى لابن بطال: “من عجز عن الجهاد فى سبيل الله وعن قيام الليل وصيام النهار، فليعمل بهذا الحديث وليسْعَ على الأرامل والمساكين ليُحشر يوم القيامة فى جملة المجاهدين فى سبيل الله دون أن يخطو فى ذلك خطوة، أو ينفق درهما، أو يلقى عدواً يرتاع بلقائه، أو ليحشر فى زمرة الصائمين والقائمين وينال درجتهم وهو طاعم نهاره نائم ليلة أيام حياته، فينبغى لكل مؤمن أن يحرص على هذه التجارة التى لا تبور، ويسعى على أرملة أو مسكين لوجه الله تعالى فيربح فى تجارته درجات المجاهدين والصائمين والقائمين من غير تعب ولا نصَب، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء”
والأرملة من أشد النساء معاناة نفسياً ومادياً ـ خاصة إذا كانت ظروفها المادية متعثرة ـ، وذلك جراء فقدانها لزوجها ووالد أولادها، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم منزلة وأجر من يسعى في قضاء حاجاتها، (كالمجاهد في سبيل الله، وكالقائم لا يفتر، والصائم لا يفطر)، ومن ثم فعلينا بالقيام بشئونهن ومساعدتهن، مع الانضباط بضوابط الشرع في التَّعامل بين الرِّجال والنساء، من الستْر الشَّرعي، وغضِّ البصر، وعدم الاختِلاط والخلْوة، والاقتِصار في الكلام على قدْر الحاجة، ونحو ذلك من الضَّوابط الشرعيَّة التي هي من هدي وأوامر نبينا صلى الله عليه وسلم.
إن قضاء حوائج الناس عامة، والأرامل واليتامى والمساكين خاصة، من أجلّ الأعمال، وأعظم القربات التي يتقرّب بها المسلم إلى ربّه عز وجل، وقد عُرِفَ واشتُهِرَ نبينا صلى الله عليه وسلم بعد بعثته وقبلها بذلك، كما أثنت عليه بذلك زوجته خديجة رضي الله عنها حيث قالت له يوم أن جاء فزعاً من الغار في بداية الوحي: (كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلّ، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق). وقال عنه أبو طالب:
وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَة لِلأراملِ
(ثِمَالُ اليتامى): مغيث ومعين اليتامى، يتولى أمرهم ويقوم بهم، (عصمة للأرامل): يمنعهم ما يضرهم، والأرامل: جمع أرملة، وهي التي لا زوج لها.
ويقول عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الذِّكر، ويُقِلُّ اللغو، ويطيل الصلاة، ويقصِّر الخطبة، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين، فيقضي له الحاجة) رواه النسائي وصححه الألباني.وفي رواية للحاكم: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا يستنكف أن يمشي مع الضعيف والأرملة، فيفرغ لهم من حاجاتهم).
اقْضِ الحوائج ما استطعتَ وكنْ لِهَمِّ أخيك فارِج
فَلَخَير أيام الفتى يوم قضى فيه الحوائج
الإحسان إلى اليتيم والوصية به في شريعتنا وفي الشرائع السابقة:
اليتيم وإن فقد أباه الذي يكفله، وفقد حنان الأب وعواطفه؛ لكنه لم يفقد الرحمة الإلهية، حيث إحاطته بالتشريعات التي تعتني به؛ قال تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ﴾ [النساء: 36]، وقال – تعالى -: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ [الإنسان: 8]، وقال: ﴿ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ﴾ [البلد: 14، 15]، وقال: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ﴾ [البقرة: 220].
ورعاية اليتيم والمحافظة عليه لا تقتصر على الشريعة الخاتمة؛ بل كانت في الشرائع السابقة لشرعنا، فمن جملة مواد الميثاق الذي أخذه الله على بني إسرائيل: الإحسانُ إلى اليتامى؛ قال – تعالى -: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [البقرة: 83].
وفي مشهد آخر من المشاهد التي نرى فيها رعاية اليتيم واضحة عبر الشرائع السابقة، نجد القرآن الكريم يتعرض لقصة موسى والخضر – عليهما السلام – حيث وجدا في سفرهما: ﴿ جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ ﴾ [الكهف: 77]، وأصلحه الخضر بدون أجر يأخذه على ذلك العمل، ويكشف القرآن سبب ذلك الإكرام في قول الخضر لموسى: ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 82].
وهكذا كان صلاح الآباء سببًا في حفظ حقوق الذرية، ورعاية ما أودع لهما من كنز مالي، أو علمي، على اختلافٍ في التفسير في بيان نوعية الكنز[4].
اهتمام القرآن باليتيم من الناحية الاجتماعية:
شرع له في هذا المجال ما يحقق رعايته كفرد فَقَدَ كفيلَه، فأوصى له بمن يبادله العطف والحنان، والتربية الصالحة؛ ليكون فردًا صالحًا، لا تؤثر على نفسيته حياةُ اليتم، ولا تترك الوحدة في سلوكه انحرافًا يسقطه عن المستوى الذي يتحلَّى به بقية الأفراد، ممن يتنعم بحنان الأبوة وعطفها.
ولما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – قد نشأ يتيمًا، بيَّن الله – تعالى – له بأنه قد أنعم عليه، وكفله، وأغناه؛ فقال – تعالى -: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى ﴾ [الضحى: 6 – 8]، وهذه الآيات الكريمة يُستنبط منها ما يحتاجه اليتيم في الحياة الاجتماعية، فهي بمجموعها تشكل بيان المراحل التي لا بد للأولياء والمجتمع من اجتيازها؛ للوصول بهذا اليتيم إلى الهدف المنشود.
فيستفاد من الآيات أن اليتيم يحتاج إلى:
* المسكن الذي يأوي إليه.
* والتربية الصالحة، بما تشتمل عليه من تأديب وتعليم؛ حتى لا يقع فريسة للضلال.
* والمال الذي يُنفق عليه منه.
فعلى المجتمع الذي يريد أن ينشأ اليتيمُ فيه نشأةً سليمة؛ ليصبح إنسانًا صالحًا سويًّا، تستفيد منه أمَّتُه، أن يوفر له المسكن الآمن، والمال الذي يحتاجه، مع التربية الصالحة، ويمكن ذلك بإنشاء مؤسسات وملاجئ – دور لليتامى – تُعنى بكل ذلك.
وقد جاءت آيات القرآن الكريم لتراعي اليتيم من الناحية النفسية والاجتماعية؛ لينشأ نشأة سويَّة، فأمرتْ بإكرامه والرفق به، ونهتْ عن قهره وزجره وإهانته؛ قال – تعالى -: ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ﴾ [الضحى: 9]، وهذه الآية الكريمة خطاب للأمة في شخص النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو القائد؛ لتقتدي به؛ إذ الخطاب للقائد خطاب للرعية، وحاشاه أن يقهر يتيمًا، أو يعبس في وجهه، وهو الذي قال فيه ربُّه – عز وجل -: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
وقد ذم الله – تعالى – أولئك الذين يهينون اليتيم ولا يكرمونه؛ بل يزجرونه ويدفعونه عن حقِّه، وجعل ذلك من صفات غير المؤمنين المكذِّبين بيوم الدين؛ حتى لا يتشبَّه بهم المؤمنون؛ قال – تعالى -: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ [الماعون: 1 – 3]، وقال – تعالى -: ﴿ كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ﴾ [الفجر: 17].
ويُفهم من هذا أنه لا بد من إكرام اليتيم، وهذا الإكرام يشمل كلَّ صور حفظ اليتيم من ناحية حقوقه الاجتماعية، سواء فيها الإيواء، والإنفاق، والتربية.
فمن إكرامه: عدم تركه بلا تربية وتعليم، ومن إكرامه تهذيبه كما يهذِّب الشخص أولاده، فليس المراد بإكرامه إذًا هو الإنفاق عليه فقط؛ بل المقصود كل ما يحقق إكرامه.
وبمراعاة تعاليم القرآن هذه، يجد اليتيم اليد الرقيقة التي تحنو عليه، وتمسح على رأسه؛ لتزيل عنه غبار اليتم، وتضفي عليه هالة من العطف والحنان.
اهتمام القرآن باليتيم من الناحية المالية:
قد عُنيت الآيات في القرآن الكريم عناية عظيمة بالحقوق المالية لليتامى؛ حتى لا يكونوا عرضة للضياع ولسلب أموالهم، وشرعت لهم موارد كثيرة يأخذون منها المال، منها ما في قول الله – تعالى -: ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ ﴾ [البقرة: 177]، وقوله – تعالى -: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 215]، وفرَضَ لهم الله – تعالى – في قرآنه نصيبًا من الخُمُس[5]، مما يحصل عليه المسلمون من الغنائم التي غنموها من قتال الكفار؛ قال – تعالى -: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنفال: 41].
وفرَضَ لهم نصيبًا من الفَيْء – وهو كل مالٍ أُخِذ من الكفار من غير قتال – قال تعالى: ﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7]، وجعل لهم أيضًا نصيبًا غير محدد – جبرًا لخاطرهم – إذا حضروا قسمة الميراث، ولم يكن لهم نصيب من هذا الميراث؛ قال – تعالى -: ﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [النساء: 8]، سواء كان هذا النصيب على سبيل الوصية لهم من الميت فيما لا يزيد على ثلث التركة، أو كان من الورثة؛ إحسانًا منهم لهؤلاء اليتامى وغيرهم ممن ذُكِر في الآية.
وهذا كله بالإضافة إلى ما يستحقه اليتامى من الزكوات إن كانوا فقراء أو مساكين؛ إذ يدخلون في قول الله – تعالى -: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60].
هذا؛ ومشكلة اليتامى الأثرياء ليستْ بأقل من مشكلة اليتامى الفقراء؛ إذ مِن الأيتام مَن لهم من الأموال ما ليس للكبار، مما قد يعرض هذه الأموالَ لجشع الكبار؛ لذا شرع لهم الله – تعالى – في قرآنه ما يحمي هذه الأموال، ويحافظ عليها من جشع الجشعين، وتسلط الأقوياء، كما أولتهم العناية بتوجيه النفوس إليهم في بقية المراحل الحيوية والتربوية.
وقد بدا ذلك واضحًا من الآيات العديدة التي راعتْ هذه الجهة، فأكَّدت على احترام مال اليتيم، وعدم التصرف فيه إلا بما فيه مصلحة تعود إليه؛
العنصر الثالث : خطورة التعرض لليتيم بأذى
فإن الله سبحانه وتعالى أكد النهي عن أكل مال اليتيم ظلماً، فقال جل من قائل: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) [الإسراء: 34]. وقال: (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيراً) [النساء: 2].
ثم ذكر آية مفردة في وعيد من يأكل أموال اليتامى، وحدد فيها نوع الجزاء والعقاب، فقال: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً) [النساء: 10]، أي إذا أكلوا مال اليتامى بلا سبب، فإنما يأكلون في بطونهم ناراً تتأجج في بطونهم يوم القيامة، وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات” قال السدي، يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه، ومن مسامعه وأنفه وعينيه، فيعرفه كل من رآه بأكل مال اليتيم. وروى ابن مردويه من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يبعث يوم القيامة القوم من قبورهم تأجج أفواههم ناراً، قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً”، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أحرِّج مال الضعيفين المرأة واليتيم” أي أوصيكم باجتنابهما رواه ابن مردويه.
وقد ذكر سبحانه وتعالى الأكل، إلا أن المراد منه كل أنواع الإتلافات، فإن ضرر اليتيم لا يختلف بأن يكون إتلاف ماله بالأكل، أو بطريق آخر، فأكل مال اليتيم ظلماً إذاً كبيرة بالإجماع.
كما أن النار هي جزاء آكله وهذا ثابت كتاباً وسنة وإجماعاً
ومن أذى اليتيم: عدمُ إكْرامِه؛ لأنَّ الناسَ في الغالب يُكرمونَ من يأملون خيرَه في الدنيا؛ ولذلك من ضَعُفتْ نفسُه، وضعُفَ إيمانُه فإنه لا يُكرمُ اليتيم؛ لأنه -بنظرته المادية- يظُنُّ أنه لا يستفيدُ من اليتيم، يقول عز وجل عن هؤلاء: ﴿ كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ﴾ [الفجر: 17].
ومن أذى اليتيم: دفْعُه، وعدمُ المبالاة به، وذمُّهُ، وعدمُ الاهتمام بشؤونه، وهذا حالُ المكذِّبينَ بيوم الدين الذين، قال الله عنهم: ﴿ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾ [الماعون: 2].
ومن أذى اليتيم: عدمُ الاهتمامِ بإصلاحِه وتربيته: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 220].
ومن أذى اليتيم: ألا يُدْعى إلى الطعام، ولا يُطْعَمُ مع الناس إذا جاءوا إلى الطعام، يقول جل وعلا عن المؤمنين الصادقين: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ [الإنسان: 8]، وماذا يقولون؟ ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ﴾ [الإنسان: 9 – 11].
الدُّعَاءِ
اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَحَبِّبْنَا فَى بَعْضِنَا وَانْزِعْ الشَّحْنَاءَ وَالْبَغْضَاءَ مِنْ قُلُوبِنَا وَانْشُرْ الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ فَى بِلَادِنَا وَسَائِرِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَارْفَعْ الْبَلَاءَ وَالْغَلَاءَ عَنَّا اللَّهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِوَالِدَيْنَا كَمَا رَبَّيَانَا صِغَارًا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمَا وَارْحَمْهُمَا يَارِبَ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ مَشَايِخَنَا وَعُلَمَائِنَا وَإِلَى كُلِّ مَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ عَلَيْنَا يَارِبَ الْعَالَمِينَ
وَأَقُمْ الصَّلَاةُ