
إعداد أ : مصطفى خاطر
المقال السابع والثلاثون من سلسلة ( شبهات حول قضايا التصوف )
حكم التكبير جماعةً في يوم العيد :
رفع الصوت بالتكبير في أيام العيد من الشعائر التي تميزت بها الأمة الإسلامية عن بقية الأمم السابقة، فالتكبير المطلق والمقيد في عيدي الفطر والأضحى – سواء كان فردياً أم جماعياً – هو سنة مستحبة، واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم، وقد قال الله تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) البقرة/185. في الاية الكريمة جائت صيغة الأمر بالتكبير بالجمع “لتكبروا “لا بصيغة بالمفرد .
والمناسب لهذه الشعيرة أن تكون على وتيرة واحدة ومنتظمة من قِبل الناس؛ لأن التكبير الجماعي أقوى وأعلى صوتاً، وأوقع في النفس من أن يكبّر كل شخص وحده، وأحرى ألا يقع الاضطراب والتشويش بسبب اختلاف الأصوات وتعارضها إذا لم يكن بصوت واحد، ويؤيد ذلك ما يلي:
جاء في صحيح البخاري(2/589) أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهما كان يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبّران ويكبّر الناس بتكبيرهما وكبر محمد بن علي خلف النافلة. اهـ
وحديث أم عطية هو من أصرح أحاديث دلالة على مشروعية التكبير جماعةً. ففي الصحيحين من حديث أم عطية قالت: (كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ الْعِيدِ، حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا، حَتَّى نُخْرِجَ الْحُيَّضَ فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ، فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ، وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ، يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَطُهْرَتَهُ) ـ ففي قولها ” فيكبرن بتكبيرهم” يدل على سنيتها, فكيف يقال إنها بدعة.
وفي صحيح البخاري(2/594) أن عمر كان يكبّر في قبّته بمنىً فيسمعه أهل المسجد فيكبّرون ويكبّر أهل الأسواق حتى ترتجَّ منىً تكبيراً.أهـ قال ابن حجر(2/594ـ595) تعليقاً على قوله ترتج: ” بتثقيل الجيم أي يضطرب وتتحرك, وهي مبالغة في اجتماع رفع الصوت.” وهذا الفعل يأخذ حكم الرفع, والظاهر أنها كانت أمراً معروفاً. فكيف يقال إنها بدعة؟ ولا يقال إن ذلك كانت توافقاً, لإن في الحديث أن أهل المسجد وأهل السوق كبّرو لما سمعو تكبيرة عمر, وما كانو يكبرون قبله, فالظاهر أنهم فعلو ذلك عمداً
البيهقي في السنن الكبرى : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر بن إسحاق قال : قال أبو عبيد فحدثني يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عمر رضي الله عنه :”كان يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون فيسمعه أهل السوق فيكبرون حتى ترتج منى تكبيرا واحدا “. وهذا إسناد صحيح لا تعلم له علة
وفي صحيح البخارى(2/594) أن ميمونة كانت تكبِّر يوم النحر, وكن النساء يكبّرون خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد.أهـ وهذا يدل أيضاً أن النساء يكبرن مع الرجال. جماعة.
يقول الإمام الشافعي في الأم(1/400) ” يكبر الناس في الفطر, حتى تغيب الشمس ليلة الفطر, فرادى وجماعة في كل حال حتى يخرج الإمام لصلاة العيد, ثم يقطعون التكبير”اهـ
و قال الإمام الشافعي رحمه الله أيضا في “الأم”: “إذا رأوا هلال شوال أحببت أن يكبر الناس جماعة وفرادى في المسجد والأسواق والطرق والمنازل، ومسافرين ومقيمين، في كل حال، وأين كانوا، وأن يظهروا التكبير”.
والتكبير شعار هذه الأيام وقال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ اهـ
وبهذا نعلم أن التكبير الجماعي بصوت واحد مشروع في أصل السنة، هو أداء تلقائي ثبت في السنة وفي آثار الصحابة الكرام، فلا يجوز الإنكار على فاعليه، وتناقل هذا الفعل بالتواتر بين أجيال المسلمين من غير نكير أمارة على المشروعية أيضا.
ووقت التكبير يبدأ في عيد الفطر من غروب شمس آخر يوم من رمضان (ليلة العيد)، أو من ثبوت رؤية هلال شوال، وينتهي بالشروع في صلاة العيد.
وأما التكبير في عيد الأضحى فيبدأ من صبح يوم عرفة ويستمر حتى عصر آخر يوم من أيام التشريق.