أحكام الاعتكاف

بقلم فضيلة الشيخ الدكتور : أيمن حمدى الحداد

الدرس العشرون : «أحكام الاعتكاف» 

الحمد رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولى المتقين، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين أما بعد؛ فيا أيها الصائمون: لقد سن لنا سيدنا رسول الله ﷺ الإعتكاف؛ لأن الإنسان يحتاج كلَّ فترة من الزمن أن يتفرَّغ لطاعة ربه جل وعلا، والخلوة بنفسه ومراجعتها ومحاسبتها، والوصول إلى صفاء الروح

وإصلاح القلب إذْ إنَّ مدار الأعمال على القلب؛ فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: «ألاَ وإن في الجسد مُضْغة، إذا صلحت صَلح الجسد كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» رواه البخارى ومسلم.
– الاعتكاف من السُّنن التى يغَفل عنها كثير من الناس!!


قال الإمام الزُّهري رحمه الله: عجبًا للمسلمين! تركوا الاعتكاف مع أنَّ النبي ﷺ ما تركه منذ قَدِم المدينة حتى قبضَه الله عزَّ وجلَّ.
– والاعتكاف لغة: اللُّبث، أو الحبس والملازمة، ومنه قول الله تعالى عن ابراهيم عليه السلام لقومه: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ﴾(الأنبياء: ٢٥)،

وشرعًا: لزوم المسجد بنية الطاعة لله جل جلاله، وإنما سمِّي اعتكافًا لملازمة المسجد.

– والاعتكاف سنة لا يجب إلا بالنذر؛ قال تعالى لإبراهيم واسماعيل عليهما السلام: ﴿أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾(البقرة: ١٢٥) ولقوله تعالى: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾(البقرة: ١٨٧)، وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «أنَّ النبيَّ ﷺ كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ، حتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِن بَعْدِهِ» رواه مسلم.
– وقت الاعتكاف فى العشر الآواخر من رمضان.

لقد اختلف الفقهاء على قولين:

الأول: أنه من قبل غروب شمس ليلة الحادي والعشرين. وبه قال جمهور أهل العلم.
الثاني: أنه بعد صلاة الصبح من يوم الحادي والعشرين. وهو رواية عن الإمام أحمد، وبه قال الأوزاعي، ورواية عن الليث.

– ولقد اختلف العلماء في أقل زمن الاعتكاف على أقوال:
– الأول: أن أقل مدته يوم. وهو رواية عن أبي حنيفة، وبه قال بعض المالكية، ووجه عند الشافعية.
-الثاني: أن أقل مدته يوم وليلة. وهو مذهب المالكية. وعشرة أيام في رواية أخرى.
-الثالث: أن أقل مدته لحظة.


– والاعتكاف مسنون في رمضان وفي غيره، وأفضله في رمضان وآكده في العشر الأواخر من رمضان.

– ويستحب للمعتكف التشاغل قدر الاستطاعة ليلًا ونهارًا بالصلاة وتلاوة القرآن، وذكر الله والاستغفار، والتفكر والتدبر في آيات الله الكونية والقرآنية، وأن يكثر من الصلاة على النبي ﷺ الذي سَنَّ لنا هذه العبادة الجليلة، وله أن يُعَلِّم العلم ويتعلمه، ويقرأ القرآن ويُقرئه، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، خلافًا لمالكٍ وأحمد، ولأن الاشتغال بالعلم من أفضل النوافل، وله أن يلبَس ما شاء من المباحات، وأن يتطيب ويتزين ويُرَجِّل شعره وَيَدَّهن.

– ويُكره للمعتكف رفع الصوت بالقراءة والذكر والكلام حتى لا يؤذي غيره ويشوش عليه؛ فعن أبي سعيد أنه قال: اعتكف رسول الله ﷺ، فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر، وقال: ألا إن كلكم مناجٍ ربَّه، فلا يؤذين بعضكم بعضًا، ولا يرفع بعضكم على بعضٍ في القراءة، أو قال في الصلاة» رواه أبو دواد.
– لا يجوز للمعتكف أن يخرج من معتكفه لغير عذرٍ؛ فعن عائشة رضي الله عنها: «إن كان رسول الله ﷺ ليُدخل علي رأسه وهو في المسجد، فأُرَجِّلُه له، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفًا» رواه الشيخان.
– ويُكره للمعتكف أن يخرج لصلاة الجنازة وعيادة المريض؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «إن كنت لأدخل البيت للحاجة، والمريض فيه، فما أسأل عنه إلا وأنا مارَّة» متفق عليه.

وعنها قالت: «السنة على المعتكف ألا يعود مريضًا، ولا يشهد جنازة، ولا يمسَّ امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه» رواه أبو دواد.
– وينبغى للمعتكف ألا ينشغل بما لا يعنيه من الأقوال والأعمال، كما يُكره له المراء والجدال والخصومات في الدين أو في غيره من أمور الدنيا، كذلك يُكره للمعتكف فضول الكلام، وفضول الطعام وفضول المنام، وفضول الصحبة والاختلاط، إلا في التنافس على الطاعة؛ لحديث: «من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» رواه الترمذي.

– وينبغى للمعتكف أن يحافظ على نظافة المسجد، وأن يعين إخوانه في ذلك وفي كل ما يحتاجون إليه؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: كنا مع النبي ﷺ في السفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، وقال: فنزلنا منزلًا في يوم حارٍ، أكثرنا ظلًا الذي يستظل بكسائه، فأما الذين صاموا فلم يعملوا شيئًا، وأما الذين أفطروا فبعثوا الركاب، وامتهنوا، وعالجوا، فقال ﷺ: «ذهب المفطرون بالأجر» رواه البخارى.

– مبطلات الاعتكاف؛
– ويبطل الاعتكاف بالجماع؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ﴾(البقرة: ١٨٧)
قال ابن عباس رضي الله عنه: إذا جامعَ المعتكفُ، بطَل اعتكافه، واستأنف، رواه ابن أبى شيبة.
أى أعاد الاعتكاف من جديد، ولا كفَّارة علىه، لعدَمِ وُرُود ذلك عن النَّبيِّ ﷺ وأصحابه.
وعلى ذلك إجماع أهل العلم؛ كما نقله غير واحد

قال الإمام الشوكاني في السيل الجرار: ودَلَّ عليه إجماع الأمة.
– والخروجُ من المسجد لغير ضرورة ولا حاجةٍ ماسَّة، والأصل في هذا قول السيدة عائشة رضي الله عنها: «السُّنة عَلَى المُعْتَكِفِ: وأنْ لا يخرجَ إلاَّ لما لابدَّ منه»

وقال الإمام ابن حزْم رحمه الله: واتَّفقوا؛ أي: العلماء على أنَّ من خرجَ من مُعتكفه في المسجد لغيرِ حاجةٍ ولا ضرورة، ولا بِرٍّ أُمِرَ به، أو نُدب إليه، فإنَّ اعتكافه قد بَطَل.. مراتب الإجماع.

اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين وأحشرنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين

كتبه راجى عفو ربه
أيمن حمدى الحداد
الخميس ٢٠ من رمضان ١٤٤٦ هجرياً
الموافق ٢٠ من مارس ٢٠٢٥ ميلادياً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *