زكاة الفطر تساؤلات وأحكام

بقلم فضيلة الشيخ : أحمد عزت حسن
الباحث فى الشريعة الإسلامية

س١: ما زكاة الفطر؟

ج: زكاة الفطر صدقة واجبة معروفة المقدار، يقدمها المسلم لِفِطْرِه من رمضان،

وأضيفت الزكاة إلى الفطر، من إضافة الشيء إلى سببه؛ لأن الفطر من رمضان هو سبب وجوبها، فأضيفت إليه؛ لوجوبها به. ويقال لها: “زكاة الفطر”، ويقال لها كذلك: “صدقة الفطر”.
وهي مفروضة على الشخص نفسه، ولا ترتبط بمقدار ما يملك من الأموال،
وتهدف إلى تطهير نفوس الصائمين وليس تطهير الأموال،
وهيَ زكاةٌ عن النفسِ والبدنِ، تكونُ بِسبَبِ الإفطارِ من شهرِ رمضانَ، فهي زكاة أبدان لا أموال، فهي فريضة مستقلة ليست مرتبطة بالصيام، فهي واجبة على كل مسلم حتى ولو لم يصم رمضان لصغرٍ، أو لعذرٍ من الأعذار المبيحة للفطر.

س٢: ما أهمية زكاة الفطر؟

زكاة الفطر من الشعائر الإسلامية البارزة التي يعرفها الجميع بدون استثناء، وهي إحدى وسائل التكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي؛ من أجل تخفيف أعباء المعيشة على الأفراد والأسر الفقيرة في يوم العيد وهو اليوم الذي يوسع فيه أهل اليسار على أنفسهم وأولادهم بصورة لافتة للنظر وبما أن الفقراء لا يستطيعون فعل ذلك؛ من أجل فقرهم وعوزهم أوجب الإسلام على أتباعه دفع زكاة الفطر في يوم العيد إليهم ولو كان الشيء المبذول قليلًا ما دام يفضل على قوت المعطي في ذلك اليوم، وأمر ذلك من أجل إدخال السرور والفرح على قلوب المعوزين وأهليهم ليكون سببا في إشاعة المحبة والإخاء والتراحم بين الناس، وإزالة وإخراج الشحناء والحسد عن قلوبهم.

س٣: ما حكم زكاة الفطر؟ وما الدليل؟

ج: زكاة الفطر واجبة على كل فرد من المسلمين صغيرًا كان أو كبيرًا ذكرًا كان أو أنثى حرًا كان أو عبدًا بشرط أن يملك صاعًا يزيد عن قوته وقوت من تجب نفقتهم عليه ويزيد عن حوائجه الأصلية يوم وليلة العيد، والدليل على ذلك قوله تعالى: “قد أفلح من تزكّى”

وحديث ابن عمر وهو في الصحيحين قال: “فَرَضَ رَسُولُ الله ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ”.

قال ابن قدامة -في المغني-: “……. وتجب على اليتيم، ويخرج عنه وليه من ماله، وعلى الرقيق”.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: “فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات” رواه أبو داود وغيرُه. قال ابن المنذر: “وأجمعوا على أن صدقة الفطر فرض”.

س٤: ما الصاع؟ وما مقداره بالكيلو؟

ج: الصاع هو وحدة قياس تستخدم لقياس الحجم، وهو وحدة حجوم فتختلف الكتلة حسب نوع الحبوب المستخدمة، وهو من المكاييل التي كانت تُستعمل في القديم لكيل المواد المختلفة وخاصة المواد الغذائيّة. وقد ارتبط الصاع ارتباطا كبيرًا بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وخاصّة بالزكاة والكفّارات، وبكميّة الماء التي من الممكن استعمالها للوضوء، وبمقدار زكاة الفطر الواجب إخراجها حوالي الصاع الواحد من التمر أو الصاع الواحد من الشعير،

أمّا في الوضوء، فقد ورد في الحديث الذي رواه الصحابي الجليل وخادم رسول الله ﷺ أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: “كَانَ النبي -ﷺ- يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ”.

ومن هنا نرى أنّ هذه الوحدة كانت شائعة الاستعمال قديمًا في عهد الرسول الأعظم ﷺ وفي العهود التي ولت عهده الميمون الشريف، وقد شاع استعماله أيضًا في المدينة المنورة في القديم، ومن الجدير ذكره أنّ نصف الصاع الواحد يسمّى بالفسط.

وتستخدم وحدة الصاع بالدرجة الأولى كوحدة لقياس الأحجام، إلا أنّ الفقهاء قاموا بإجراء بعض التعديلات على هذه الوحدة، فقاموا بتقدير كتلة الصاع الواحد، حيث أصبحت هذه الوحدة بعد ذلك تستعمل كوحدة لقياس الكتلة، وكان هدف الفقهاء من هذا الأمر هو أن يقوموا بنقل هذه الوحدة والمحافظة عليها.

والصاع المعتبر هو صاع النبي -ﷺ- وهو أربعة أمداد، والمد هو ملء الكفين معُا باليد المعتدلة فحين يملأ الإنسان كفيه معًا من الطعام ويمد بها يده، -وبه سمي مُدًّا-، فهذا يعتبر مد، يأخذ أربعة أمداد فيكون هذا هو الصاع، ووزنه فيما قدرة العلماء بالكيلو هو ما بين اثنتين كيلو ونصف إلى ثلاثة كيلو جرامات تقريبًا

والمُد هو أصغر وحدة كيل ذكرها الفقهاء؛ وهو أصل في تقدير بقية المكاييل التي هي أكبر منه؛ والمُد هو ملء كفي الرجل المعتدل من الحَبّ (الحفان).

وهنا ملمح مهم؛ وهو أن الشريعة دائمًا ما تربط الأحكام الشرعية بوسائل سهله وميسورة وموجودة دون عناء وتكلف؛ فيسعك الآن أن تملأ كفيك أربع مرات معتدلات ويكون هذا هو الواجب عليك إخراجه في زكاة الفطر دون حاجة إلى وزن أو تقدير!

وفي تقدير المُد بالوزن خلاف بين الفقهاء؛ فالجمهور على أن المد يساوي رطلا وثلثا؛ والحنفية على أنه يساوي رطلين. والرطل يساوي ٤٠٥ جرامًا تقريبًا.

 

س٥: وهل كلمة تقريبًا هذه مقصودة لها معنى أم ماذا؟

كلمة تقريبًا هذه كلمة مقصودة ولها دلالتها؛ فتقدير هذه المكاييل بالوزن أمر في منتهى التعقيد والعسر؛ ويكفيك أن تعرف أن الأصل في تقدير ذلك هو وزن الدرهم؛ والأصل في وزن الدرهم هو مقدار ما يزن من حَبّ الشعير أو القمح!

فالرطل عند الجمهور يساوي ٦٤٥٠ حبة تقريبًا؛ وعند الحنفية يساوي ٩١٠٠ حبة تقريبًا.

ولا تسألني عن سبب هذا التفاوت؛ فيكفيك أن تُجري تجربة شخصية تحاول فيها تقدير الكيلو -مثلاً- بالحَبّ؛ فتقوم أنت وصديق لك بِعَدّ حبات الشعير أو القمح الموجودة في الكيلو مرتين وتسجلا ملاحظاتكما على هذه العملية؛ وهل اتفق عدد الحب في المرتين تمامًا أو اختلف؟ وإذا اختلف؛ فهل لجودة الحب أو حجمه أو صحته دخل في ذلك؛ وهكذا؛ لتعلم مدى عسر هذه العملية؛ وتعرف مدى الجهد المبذول للوقوف على هذا الحكم البسيط. فالمد إذًا يساوي رطلاً وثلثًا عند الجمهور (يعني ٥٤٠ جرامًا تقريبًا) وهو يساوي عند الحنفية رطلين (يعني ٨١٠ جرامًا تقريبًا)

فإذا ضربنا هذا العدد في ٤ يكون الناتج هو وزن الصاع.

ويقدّر الصاع على أنّه يساوي تقريبًا ما مقداره (٢.٦) كيلو جرامًا تقريبًا، وقد تمت عمليات التقدير هذه بناءً على أنّ (المد) يعادل ملء يدي رجل واحد، ومن هنا كان المد يقترب تقريبًا من حوالي (٦٥٠) غرامًا، وإذا علمنا أنّ الصاع الواحد يساوي تقريبًا أربعة أمداد، ووزن الصاع يختلف من نوع لآخر ففي الأرز مثلًا حوالي اثنين كيلو ونصف يختلف مثلا هذا الوزن في الأنواع الأخرى.

وفي القمح حوالي اثنين كيلو وأربعون جرامًا. فإنّ كتلة الصاع الواحد تقدّر تقريبًا حينئذ بـ (٤ × ٦٥٠ غرامًا = ٢.٦٠٠ كيلو جرامًا).

فالصاع عند الجمهور = ٥٤٠ × ٤ = ٢ كيلو ١٦٠ جرامًا.

وعند الحنفية = ٨١٠ × ٤ = ٣ كيلو ٢٤٠ جرامًا.

وهذا التقدير يختلف على حسب الحَبّ المكيل؛ فحب القمح يختلف عن الأرز والعدس واللوبيا … الخ؛ وذلك لاختلاف كتلة كل حبة!! وقد يختلف في نفس الحبة باختلاف حالتها وجودتها!!

كما أقول لك أيضًا إن الاختلاف في هذه العمليات الاجتهادية أمر وارد جدًا؛ بل هو الأصل؛ بل ربما يتغير اجتهاد الفقيه الواحد من وقت إلى وقت حسب تجدد المعطيات أو تغيرها، وقد اجتهد العلماء في بيانها كالآتي:

صاع الأرز = من ١.٩٠٠ – إلى ٢.٧٥٠ كيلو

صاع الفاصوليا = ١.٩٥٠ – ٢.٧٥٠ كيلو

صاع زبيب = ٢.٤٠٠ – ٢.٧٥٠ كيلو،

صاع اللوبيا = ١.٩٥٠ – ٢.٦٥٠ كيلو،

صاع العدس = ١.٨٠٠ – ٢.٦٥٠ كيلو

صاع الفول = ٢.٥ كيلو، صاع

صاع القمح = ٢ ك – ٢.٦ كيلو

صاع البلح = ١.٧٥٠ – ١٩٥٠ كيلو

وهناك من قام بحسابها على الصاع النبوي صاع أهل المدينة المنورة كالآتي:

الصاع من الأرز = ٧١٥ × ٤ = ٢.٨٦٠ غرامًا.

العدس الأصفر = ٦٢٥ × ٤ = ٢.٥٠٠ غرامًا.

الزبيب = ٥٢٠ × ٤ = ٢.٠٤٠ غرامًا.

الدقيق = ٥٣٥ × ٤ = ٢.١٤٠ غرامًا.

الفول البلدي المصري = ٥٩٠ × ٤ = ٢.٣٦٠ غرامًا.

الفول الإنجليزي = ٦٢٥ × ٤ = ٢.٥٠٠ غرامًا.

الفاصولياء الجافّة = ٦٥٠ × ٤ = ٢.٦٠٠ غرامًا.

أمّا إن أردنا استعمال الصاع على أنّه وحدة لقياس الأحجام، وإذا ما استعنا بنفس المعادلة السابقة وهي أنّ الصاع الواحد يساوي أربعة أمداد، لوجدنا أنّ الصاع الواحد يعادل ما بين (٢٤٠٠) ملي ليتر تقريبًا إلى حوالي (٢٥٠٠) ملي ليتر تقريبًا، وهذه القياسات إمّا بقياس حجم الوزن للقمح، أو بقياس الحجم الناتج عن حفنة رجل واحد.

س٦: من الذي يجب عليه إخراج زكاة الفطر؟

ج: قول جماهير أهل العلم أن المرء يجب عليه أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه وعمن تجب عليه نفقتهم -على تفصيلٍ في كتب العلم-؛ لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يعطي صدقة الفطر عن جميع أهله صغيرهم وكبيرهم عمن يعول وعن رقيقه ورقيق نسائه.

فتجب على كل مسلم ذكر أو أنثى، كبير أو صغير، غنيّ أو فقير، توفَّر لديه ما يكفيه لقوته وقوت أولاده من حاجاته الأصلية يوم العيد وليلته،

وهناك رواية حسنها الشيخ الألباني رحمه الله تعالى -وإن كان ضعفها كثير من أهل العلم- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “أمر رسول الله ﷺ بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون”.

فيجب على الإنسان أن يخرج صدقة الفطر عن نفسه وأولاده وزوجه وعن والده ووالدته إذا كان هو الذي ينفق عليهم وليس معهم مال ونحو ذلك.

يتبع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *