أبوهريرة يتحدث مع الشيطان

بقلم فضيلة الشيخ الدكتور : أيمن حمدى الحداد

 

الدرس الثانى عشر : أبوهريرة يتحدث مع الشيطان

 

الحمد لله وكفى وصلاةً وسلاماً على وسلاماً على عباده الذين اصطفى؛ أما بعد: فيا أيها الصائمون:

لقد أمر سيدنا رسول الله ﷺ أباهريرة رضى الله عنه بحفظ الزكاة، وأثناء قيامه بالمهمة التى كُلف بها حدث معه أمر عجيب لم يكن يتوقعه، وهنا نترك الحديث لأبى هريرة رضي الله عنه ليحدثنا بما كان؛ يقول أَبوهريرة رضي الله عنه: «وكَّلَني رسولُ اللَّهِ ﷺ بحِفْظِ زَكَاةِ رمضانَ، فَأَتَاني آتٍ، فَجعل يحْثُو مِنَ الطَّعام، فَأخَذْتُهُ فقُلتُ: لأرَفَعَنَّك إِلى رسُول اللَّه ﷺ، قَالَ: إِنِّي مُحتَاجٌ، وعليَّ عَيالٌ، وَبِي حاجةٌ شديدَةٌ، فَخَلَّيْتُ عنْهُ، فَأَصْبحْتُ، فَقَال رسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا أَبا هُريرة، مَا فَعلَ أَسِيرُكَ الْبارِحةَ؟ قُلْتُ: يَا رسُول اللَّهِ شَكَا حَاجَةً وعِيَالًا، فَرحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سبِيلَهُ. فَقَالَ: أَما إِنَّهُ قَدْ كَذَبك وسيعُودُ فَعرفْتُ أَنَّهُ سيعُودُ لِقَوْلِ رسُولِ اللَّهِ ﷺ فَرصدْتُهُ. فَجَاءَ يحثُو مِنَ الطَّعامِ، فَقُلْتُ: لأَرْفَعنَّكَ إِلى رسولُ اللَّهِ ﷺ، قالَ: دعْني فَإِنِّي مُحْتاجٌ، وعلَيَّ عِيالٌ لاَ أَعُودُ، فرحِمْتُهُ فَخَلَّيتُ سبِيلَهُ، فَأَصبحتُ، فَقَال لي رسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا أَبا هُريْرةَ، مَا فَعل أَسِيرُكَ الْبارِحةَ؟ قُلْتُ: يَا رسُول اللَّهِ شَكَا حَاجَةً وَعِيالًا فَرحِمْتُهُ، فَخَلَّيتُ سبِيلَهُ، فَقَال: إِنَّهُ قَدْ كَذَبكَ وسيَعُودُ.

فرصدْتُهُ الثَّالِثَةَ. فَجاءَ يحْثُو مِنَ الطَّعام، فَأَخَذْتهُ، فقلتُ: لأَرْفَعنَّك إِلى رسولِ اللَّهِ ﷺ، وهذا آخِرُ ثَلاثٍ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ لاَ تَعُودُ، ثُمَّ تَعُودُ، فَقَالَ: دعْني فَإِنِّي أُعلِّمُكَ كَلِماتٍ ينْفَعُكَ اللَّه بهَا، قلتُ: مَا هُنَّ؟

قَالَ: إِذا أَويْتَ إِلى فِراشِكَ فَاقْرأْ آيةَ الْكُرسِيِّ، فَإِنَّهُ لَن يزَالَ عليْكَ مِنَ اللَّهِ حافِظٌ، وَلاَ يقْربُكَ شيْطَانٌ حتَّى تُصْبِحِ، فَخَلَّيْتُ سبِيلَهُ فَأَصْبحْتُ، فقَالَ لي رسُولُ اللَّهِ ﷺ: ما فَعلَ أَسِيرُكَ الْبارِحةَ؟ فقُلتُ: يَا رَسُول اللَّهِ زَعم أَنَّهُ يُعلِّمُني كَلِماتٍ ينْفَعُني اللَّه بهَا، فَخَلَّيْتُ سبِيلَه. قَالَ: مَا هِيَ؟ قُلْتُ: قَالَ لي: إِذا أَويْتَ إِلى فِراشِكَ فَاقرَأْ آيةَ الْكُرْسيِّ مِنْ أَوَّلها حَتَّى تَخْتِمَ الآيةَ: ﴿اللَّه لاَ إِلهَ إِلاَّ هُو الحيُّ الْقَيُّومُ﴾(البقرة: ٢٥٥)، وقال لِي: لاَ يَزَال علَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلَنْ يقْربَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَمَا إِنَّه قَدْ صَدقكَ وَهُو كَذوبٌ، تَعْلَم مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذ ثَلاثٍ يَا أَبا هُريْرَة؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: ذَاكَ شَيْطَانٌ» رواه البخاري.

معاشر الصائمين: لقد سميت أية الكرسي بذلك لذكر الكرسي الذى هو أساس الحكم ورمز الملك، ولقد رفعها الله في بدايتها باسمه – الله- وفى نهايتها باسمه – العلى العظيم – وآية الكرسي ترفع كل من تعلق بها واستمسك بها، فمن حفظها حفظته ورفعته معها إلى أعلى مقام وأسمى منزلة.

– قَالَ عبدالله بْنُ مَرْوَانَ: إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَ الْكَلَامَ، فَاخْتَارَ الْقُرْآنَ، فَاخْتَارَ مِنْهُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَاخْتَارَ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، وَاخْتَارَ الْبِلَادَ فَاخْتَارَ الْحَرَمَ، وَاخْتَارَ من الْحَرَمَ الْمَسْجِدَ، وَاخْتَارَ من الْمَسْجِدَ مَوْضِعَ الْبَيْتِ.. مصنف عبدالرزاق.

* قال القرطبي: قال أبو عبد الله -وهو الحكيم الترمذي-: فهذه آية أنزلها الله جل ذكره، وجعل ثوابها لقارئها عاجلاً وآجلاً، فأما في العاجل فهي حارسة لمن قرآها من الآفات.

* وآية الكرسي أعظم آية في كتاب الله تعالى؛ فعن أبي بن كعب قال: قال رسول الله ﷺ: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟ قَالَ: قُلْتُ: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾(البقرة: ٢٥٥)، قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: وَاللهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ؛» رواه مسلم.

فهى أعظم آية لما اشتملت عليه من الأسماء الحسنى والصفات العلى لله تعالى، ونفي النقائص عنه سبحانه وتعالى.

* قال النووي: قال العلماء: إنما تميزت آية الكرسي بكونها أعظم لما جمعت من أصول الأسماء والصفات من الإلهية والوحدانية والحياة والعلم والملك والقدرة والإرادة، وهذه السبعة أصول الأسماء والصفات.. شرح مسلم.

* وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «لكلِّ شيءٍ سِنامٌ وسِنامُ القرآنِ البقرةُ وفيها آيةٌ هي سيِّدةُ آيِ القرآنِ آيةُ الكرسيِّ» رواه الشوكاني فى فتح القدير.

 

* وآية الكرسي أشرف آية فى كتاب الله عز وجل؛ قَالَ عبدالله بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَشْرَفُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ آيَةُ الْكُرْسِيِّ».
* قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لِأَنَّهُ يُكَرَّرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى بَيْنَ مُضْمَرٍ وَظَاهِرٍ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ مَرَّةً.. تفسير القرطبي.

* وكَانَ عبدالرحمن بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِذَا دَخَلَ مَنْزِلَهُ قَرَأَ فِي زَوَايَاهُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ؛ مصنف ابن أبي شيبة.

* ومن قرأ آية الكرسي دبر الصلاة وجبت له الجنة؛ فعن أبي أُمامةَ الباهليِّ رضيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «مَن قرأَ آيةَ الكُرسيِّ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ، لم يمنَعْه مِن دخولِ الجنَّةِ إلَّا الموتُ» رواه النسائي.

* وقَالَ عَلِيُّ بن أبي طالب، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَا أَرَى أَحَدًا يَعْقِلُ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ» مصنف ابن أبي شيبة.

* وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ، قَالَ:«يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ» رواه الترمذى.

* وعن عمر أنه صارع جنياً فصرعه عمر رضي الله عنه، فقال له الجني: خل عني حتى أعلمك ما تمتنعون به منا، فخلى عنه وسأله فقال: إنكم تمتنعون منا بآية الكرسي.

معاشر الصائمين: لقد ذكر ابن كثير في تفسيره لآية الكرسي: أنها أعظم آية في كتاب الله تعالى وأنها تحفظ قارئها، وأن فيها اسم الله تعالى الأعظم،

ثم قال: وهذه الآية مشتملة على عشر جمل مستقلة؛

١- فقوله: ﴿اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾ إخبار بأنه المتفرد بالإلهية لجميع الخلائق.

٢- وقوله: ﴿الْحَيُّ الْقَيُّوم﴾ أي الحي في نفسه الذي لا يموت أبداً القيم لغيره، فجميع الموجودات مفتقرة إليه، وهو غني عنها لا قوام لها بدون أمره..

٣- وقوله تعالى: ﴿لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ﴾، أي لا يعتريه نقص ولا غفلة ولا ذهول عن خلقه، بل هو قائم على كل نفس بما كسبت، شهيد على كل شيء، لا يغيب عنه شيء، ولا تخفى عليه خافية، ومن تمام القيومية أنه لا يعتريه سنة ولا نوم؛ أي لا تغلبه سنة وهي الوسن والنعاس.

٤- وقوله: ﴿لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ إخبار بأن الجميع عبيده وفي ملكه وتحت قهره وسلطانه.

٥- وقوله: ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾ كقوله تعالى: ﴿وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى﴾، وقوله تعالى: ﴿ولا يشفعون إلا لمن ارتضى﴾ وهذا من عظمته وجلاله وكبريائه جل وعلا؛ فلا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحد عنده إلا بإذنه له في الشفاعة.

٦- وقوله: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ دليل على إحاطة علمه بجميع الكائنات ماضيها وحاضرها ومستقبلها.

٧- وقوله: ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء﴾، أي لا يطلع أحد من علم الله على شيء إلا بما أعلمه الله عز وجل وأطلعه عليه، ويحتمل أن يكون المراد؛ لا يطلعون على شيء من علم ذاته وصفاته إلا بما أطلعهم الله عليه؛ كقوله تعالى: ﴿ولا يحيطون به علماً﴾،

٨- وقوله: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾، عن ابن عباس قال: علمه.
قال ابن جرير: الكرسي موضع القدمين.

ثم ذكر عن ابن عباس مرفوعاً وموقوفاً أن: كرسيه موضع قدميه، والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل.

ثم ذكر عن أبي ذر مرفوعاً: ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهراني فلاة من الأرض.

وقال الحسن البصري: الكرسي هو العرش، قال ابن كثير: والصحيح أن الكرسي غير العرش والعرش أكبر منه كما دلت على ذلك الآثار والأخبار.
٩- وقوله تعالى: ﴿وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾، أي لا يثقله ولا يكرثه حفظ السماوات والأرض ومن فيهما ومن بينهما؛ بل ذلك سهل عليه يسير لديه، وهو القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب على جميع الأشياء فلا يعزب عنه شيء ولا يغيب عنه.

والأشياء كلها حقيرة بين يديه، الذي لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون، وهو القاهر لكل شيء، الحسيب على كل شيء، الرقيب العلي العظيم لا إله غيره ولا رب سواه.

١٠- وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾، كقوله:﴿الكبير المتعال﴾،
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا.. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *