اختار القلب بين البعد والقرب
11 مارس، 2025
منبر الدعاة

بقلم الدكتور : عثمان عبدالحميد الباز
قال تعالى: ( وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ كِتَٰبٗا مُّؤَجَّلٗاۗ وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلۡأٓخِرَةِ نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَاۚ وَسَنَجۡزِي ٱلشَّٰكِرِينَ﴾
نفيٌ متحقق الوقوع ، يحمل معنى الرجوع ، الرجوع الكامل ،لله الواحد القهار ، يحمل معنى الطمأنينة وينفي الخوف والقلق، كما ينفي ظلامَ الليل نورُ الفلق ،
طمأنينة بقاء النعم بيد الله تعالى ،لا بيد غيره ،فالنعمة بيد المنعم،كما قال الكريم المكرَم المكرّم ،صلى الله عليه وسلم ﴿ لن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها وأجلَها﴾
فالأجل كتابٌ مكتوب ، محددٌ عند الله ومحسوب ، لا يزيد ولا ينقص
تلك قضية حُسمَ فيها الجدل ، وقُطِع منها الرجاءُ والأمل .
لكن القضية التي يجب أن ينشغل بها القلب ،ويبحث عنها بكثب ،قضية الاختيار ، اختيار باقٍ على فانٍ ، ودائمٍ على زائل ، ونعيم طويل آبد على فُتاتٍ بين مفقودٍ وفاقد،
لا يدرك ذلك إلا جلّى له ربُّه جميلَ المسالك،فترك الشهواتٓ وابتعد عن المهالك،
أما تاه، ولم يدرك قلبُه النجاة ،حطّ قلبُه على فخٍّ تحت القدم ، ولم يستشرف قلبُه عاليَ النعيم ،وتمام النعم ،فزاد همُّه ، حالُه كرضيع تركته بين السباع أمُّه .”
مزقته الشهوات واحتوشته الملذات ، نزل من سفينة الصالحين ، ليركب مركب الهالكين .
لبس كفن العفن، فأصبح الكفن جزءًا من البدن ،عفن البدن اخترق اللحمَ والدم فنفذ لصمام القلب ، أصابته سهامُ الغفلة والوحشة والصغار والذلة ، رأى النعم فاعتاد عليها ولم ير لها منعما فذل واعتل ،وكفر وما شكر وغفل وما ذكر .
لبس أكفان الذلة فأذل صاحبه فأصبح في الدنيا في لجة يتوه ،وقرع أذنيه يوم الحسرة هذا النداء المخيف ،﴿خذوه فغلّوه﴾.
اما القلب الشاكر الموقن الذاكر، أورد صاحبَه عاليَ المقام ، عاش به سائرا للأمام ، ذكر فشكر ، ونظر فأبصر , رأى طريق السالكين لمنهاج الأمن يوم الدين ،فعبر مع العابرين ،وركب سفينة الواصلين ، فطاب قلبُه بوعد ربه للمؤمنين حين وردوا على رب العالمين ،فضجت الإرجاء بجميل الحداء ومعسول النداء واستشرفت لها أفئدة المتقين ،فإذا المنادي ربُّ العالمين ،هذا يوم الجزاء وأوله حسنُ اللقاء ،ففرحت قلوب المؤمنين وناداهم ربُّهم،
هذا يومُ الجزاء ، ﴿وسنجزي الشاكرين﴾ .