رمضان مدرسة الصبر

 

بقلم فضيلة الشيخ الدكتور : أيمن حمدى الحداد

 

الدرس التاسع :  رمضان مدرسة الصبر

الحمد لله الذي خصنا بشهر الطاعات، وأجزل لنا فيه المثوبة، ورفع الدرجات، وشرّف أوقاته على سائر الأوقات، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير البريات، وعلى آله وصحبه أولي الفضل والمكرمات،

والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فيا أيها الصائمون: إن من أعظم فضائل شهر رمضان، أنه شهر الصبر؛ إذ يوطن الصائم نفسه على الإمتناع عما يشتهيه من طعام وشراب، مع اجتناب الشهوات والمحرمات، حتى يصبح الصبر لديه ملكة وصفة دائمة، فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «شهرُ الصبرِ، وثلاثةُ أيامٍ من كلِّ شهرٍ، صومُ الدهرِ» رواه النسائي وأحمد.
قوله ﷺ: «شَهرُ الصَّبرِ»، أي: صيامُ شَهرِ الصَّبرِ وهو رمضانُ، لِمَا فيه من الصَّبرِ على مَشقَّتيِ العطَشِ والجوعِ.

والصبر معناه: منع النفس وكفها عن هواها،
وقيل: حبس النفس عن الجزع، والتسخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن كل فعل محرم.
* قال عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الصَّبْرُ صَبْرَانِ: صَبْرٌ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ حَسَنٌ، وَأَحْسَنُ مِنْهُ الصَّبْرُ عَنْ محارم الله.

* قال علي رضي الله عنه: ألا إنَّ الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قُطع الرأس باد الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له.
٠ قال الحسن البصري: الصَّبْرُ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْخَيْرِ، لَا يُعْطِيهِ اللَّهُ إِلَّا لِعَبْدٍ كَرِيمٍ عَلَيْهِ.ولو لم تكن للصبر في الدنيا من ثمرة إلا الإمامة في الدين والرفعة والقدوة الحسنة لكفى؛ قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾(الأنبياء: ١١)،

* قال شيخ الإسلام: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.

 

* وقال ميمون بن مهران: ما نال عبد شيئاً من الخير من نبي أو غيره إلا بالصبر.
* وقيل للأحنف في شهر رمضان: إنك شيخ كبير، وإن الصوم يُضعفك، فقال: إن الصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذاب الله.

• الصبر والصيام يشتركان في ثمرة الجزاء والأجر،

* قال سليمان بن القاسم: كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر.
٠ فالصيام أجره غير محدد بقدر؛ قال تعالى في الحديث القدسي: «الصوم لي وأنا أجزي به»، والصبر كذلك؛ قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾،

– قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَا يَحْسِبُ عَلَيْهِمْ ثَوَابَ عَمَلِهِمْ قَطُّ، وَلَكِنَّ يُزَادُونَ عَلَى ذَلِكَ.

• وقد أمر الله تعالى بالصبر وأثنى على الصابرين، وأخبر أن لهم المنازل العظيمة؛ قال تعالى:
﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾(البقرة:٤٥)،
أيها الصائمون: إن الصبر على ترك المعاصي يحتاج إلى قوة وعزيمة، وأبرز مثال على ذلك صبر يوسف عليه السلام على مراودة امرأة العزيز له، ولقد كان الصبر ظهير يوسف في محنته التي ابتُلي بها، فصبر فكانت النجاة؛ قال تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾(يوسف: ٩٠)،

قال ابن القيم: سمعت شيخ الإسلام يقول: كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها- أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجب وبيعه وتفريقهم بينه وبين أبيه؛ فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره، لا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر، وأما صبره عن المعصية، فصبر اختيار، ورضا ومحاربة للنفس، ولا سيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة، فإنه كان شاباً، وداعية الشباب إليها قوية، وعزباً، ليس له ما يعوضه ويرد شهوته، وغريباً، والغريب لا يستحي في بلد غربته مما يستحي منه من بين أصحابه ومعارفه وأهله، ومملوكاً، والمملوك أيضاً ليس وازعه كوازع الحُرّ. والمرأة جميلة، وذات منصب، وهي سيدته، وقد غاب الرقيب، وهي الداعية له إلى نفسها، والحريصة على ذلك أشد الحرص، ومع ذلك توعدته إن لم يفعل بالسجن والصغار، ومع هذه الدواعي كلها، صبر اختياراً وإيثاراً لما عند الله، وأين هذا من صبره في الجُبّ على ما ليس من كسبه، ولكن ما الدافع إلى الصبر عن معصية الله؟!

وكذلك كان صبر إسماعيل الذبيح، وصبر أبيه إبراهيم عليهما السلام على تنفيذ أمر الله- أعظم من صبر يعقوب على فقد يوسف، وسبب آخر لكون الصبر على الطاعة أعظم من الصبر على البلاء، وهو أن من علامات كمال الصبر على البلاء وأمارات قبوله عند الله: فعل الطاعة بعده.

قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: الصبر إلى ثلاثة أنواع؛
١- صبر لله.
٢- صبر مع الله.
٣- صبر بالله.

فأما الصبر لله: فهو أن يكون لوجه الله، فإن بعض الناس قد يصبرون عن أشياء لكن ليس لوجه الله، -مثلاً- على فعل الصلاة رياء، فيجب أن يكون صبره لله، إنسان يصلي أمام الناس من أول الصلاة إلى آخر الصلاة وهو يصبر نفسه ويحبسها على أفعال الصلاة، ولكن ليس صبراً لله وإنما لمراءاة الناس، فهذا لا يكون صبراً لله.

وأما الصبر مع الله: أي: مع أوامر الله بحيث يدور الإنسان المسلم معها حيث ما دارت، فأينما توجهت به الأوامر توجه معها، فهذا الإنسان يكون صبره دائماً مع الله عز وجل، حيث ما كانت مرضاة الله فهو يصبر.

وأما الصبر الذي بالله: فإن الله إذا لم يصبرك لم تصبر، فلذلك يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾(النحل: ١٢٧)، لأن الله عز وجل إذا ما صبرك لا تصبر، لأن الصبر آتي من الله عز وجل؛ لأنه هو الذي يرزقك الصبر.

فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن النصر مع الصبر وأن الفرجمع الكرب وأن مع العسر يسراً، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على دربهم إلى يوم الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *