احذروا الفِيَلة في شهر رمضان

بقلم فضيلة الشيخ : أحمد عزت حسن
الباحث فى الشريعة الإسلامية

 

جلس الإمام مالك في المسجد النبوي كعادته يروي أحاديث رسول الله ﷺ والطلاب حوله يستمعون فصاح صائح: “جاء للمدينة فيل عظيم”! (ولم يكن أهل المدينة قد رأوا فيلا قبل ذلك فالمدينة ليست موطنًا للفيلة) فهرع الطلبة كلهم ليروْا الفيل وتركوا مالكًا إلَّا يحيى بن يحيى الليثي.

فقال له الإمام مالك: لِمَ لَمْ تخرج معهم هل رأيت الفيل من قبل؟

قال يحيى: إنَّما قدمت المدينة لأرى مالكًا لا لأرى الفيل. سير أعلام النبلاء للذهبي.

لو تأمَّلنا هذه القصة لوجدنا أنَّ واحداً فقط من الحضور هو من عَلِمَ لماذا أتى؟ وما هو هدفه؟

لذا لم يتشتت ولم يبدد طاقاته يمنة ويسرة، أما الآخرون فخرجوا يتفرجون فانظر لعِظَمْ الفرق بينهم

لذا نجد أنَّ من حدَّد الهدف واستعان بالله وصل .. فكانت رواية الإمام يحي بن يحي الليثي عن مالك هي المعتمد للموطأ، -مع أنه من صغار طلبته-، وهناك روايات أناس أكبر منه لم يكتب لها القبول أمَّا غيره من الطلبة المتفرجين فلم يذكرهم لنا التاريخ.

وهذا نظير ما حدث مع النبي ﷺ كما في حديث جابر -في الصحيحين-قال: قدمت عير المدينة ورسول الله -ﷺ- يخطب ، فخرج الناس وبقي اثنا عشر رجلا فنزلت الآية: “وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ۚ قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ۚ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ” (الجمعة: ١١).

وشهر رمضان شهر العبادة وليس شعر الملذات والسهرات فمنهم من يكون كيحي ومنهم من يكون كالطلبة الذين غادروا مجلس العلم

فالناس في رمضان صنفان:

صنف قد حدَّد هدفه فهو يعلم ماذا يريد من رمضان وما هي الثمرة التي يرجو تحصيلها؟

وصنف آخر غافل لها مفرِّط تستهويه أنواع الفيلة المختلفة. فالقنوات الفضائية والمسلسلات والأفلام والأغاني، وأنواع المحرمات فيلة هذا الزمان.

فاحذروا الفِيَلة وبريقها على أنفسكم؛ فإنها ستسلب منك أفضل أوقات العام؛ فإنها لصوص شهر رمضان هؤلاء اللصوص تعاونوا جميعًا بقصد أو بغير قصد لإفساد صيامك، وعدم انتفاعك برمضانك وتخرج منه كما دخلت وهم كثيرون وأخطرهم

التلفزيون:

لص خطير يفسد صيام الناس وينقص الأجر بسبب المسلسلات والبرامج التافهة والسهرات الماجنة، كيف وقد قامت نخبة من أبناء هذا الوطن المعطاء بل من سفها ء الإعلام همها إسعاد هذا المواطن وإدخال السرور على قلبه قامت بجهود جبارة سهرت على إعدادها الليل والنهار وأنفقت على إخراجها الملايين من قوت الفقراء والمساكين لا لشئ إلا ليعيش هذا المواطن المسكين الذي حرم نفسه من الطعام والشراب نهارًا في سعادة غامرة في الليل فأعدت له مجموعة من المسابقات المباشرة والمسلسلات الفارغة والأغاني الماجنة والأفلام الفاضحة. إنها نخبة تستحق المكافأة على هذه الجهود الجبارة؛ لأنها لم تدع وقتا لهذا المواطن يضيعه في صلاة التراويح أو تلاوة القرآن أو ذكر الملك الديان.

الأسواق: لص متخصص في إهدر المال والوقت بلا حساب للتغلب عليه حدد هدفك قبل الذهاب

تزدحم الأسواق ويكثر الهرج فيها -للأسف- في رمضان فانأ بنفسك واقضِ جميع حوائجك من مواد غذائية وملابس للعيد وغيرها بدءًا من شعبان.

نظم أعمالك بدءًا من شعبان بحيث يكون انشغالك عن العبادة أقل ما يكون في رمضان فرتب مواعيدك وما ترتبط به من أمور وحاول إنجاز الجزء الأكبر منهم في هذا الشهر.

راجع حفظك أو ابدء في حفظ بعض من السور في شعبان لكي تصلي بها في نوافل رمضان فكم هو سعيد من يصلي ويناجي ربه بآيات يحفظها في صدره.

السهر: سارق أغلى الأوقات يحرمك من التهجد و الاستغفار في الثلث الأخير
ابتعد عن السهر وجرب من الآن النوم مبكرا والاستيقاظ قبل الفجر بساعة أو أكثر تدربا على القيام ومناجاة السحر.

تدرب على تقليل ساعات النوم فإن كنت معتادًا على نوم ثمان ساعات فعود نفسك على ستَّ فأقل دونما إنهاك لصحتك وبدنك ولكن عوض ذلك بنوم ساعة القيلولة.

ابدء بتنظيم وقتك ومتابعته واجعل لك جدولا تقيم فيه متابعة أهدافك وعبادتك ليس ابتداعا ولكن لكي تجعل عباداتك

نصب عينيك والفوز بالجنة -بإذن الله- الهدف الأسمى لديك. ابتعد رويدًا رويدًا عن جلسات السمر وإضاعة الوقت واقطع التلفاز وجميع الملهيات -هذا فيما كان حلالا وأما الحرام فالواجب الابتعاد عنه كليًا والتوبة والإنابة وعدم الرجوع إليه

المطبخ: وخاصة النساء تقضين وقتا طويلا لتحضير أطباق كثيرة لا تكاد تختلف عن بعضها إلا لحظة مرورها بالفم وقد يلقى الكثير منها في القمامة.

الهاتف: طول المكالمات وما يترتب عليها من ذنوب :غيبة-نميمة -قيل وقال وإفشاء الأسرار

كثيرون للأسف هم من يقضون الساعات الطوال في استخدام الإنترنت، ويضيعون فرصا عظيمة في شهر مثل رمضان. فأين هم من الإمام مالك بن أنس الذي كان إذا دخل رمضان يفر من الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف؟!، فابدأ من الآن -إن كنت من مدمني النت- بتقليل ساعات جلوسك عليه، واعلم أن رمضان لن ينتظرك.

البخل: يحرمك أجر وثواب الصدقة التي تقي من النار وخاصة صدقة شهر رمضان
المجالس الخالية من ذكر الله: والتي تكون حسرة على أصحابها يوم القيامة

وسائل التواصل الاجتماعي إن لم تستغل فيما يرضي الله: والتي أصابت البعض بمرض الإدمان لدى بعض المستخدمين، فقد صاروا لا يقدرون على العيش بدونهما، ولا يطيب يومهم ولا ليلهم دون سجود طويل في محرابيهما، وتسبّبت في قطع الصلات بين الناس، فبدل أن تكونا وسيلتي اتصال صارتا سببي انفصال؛ لسوء التعامل، وجفاف المشاعر، فكم من أقارب بهما تباعدوا، وكم من أصدقاء بهما تعادوا، وكم من أحباب بهما تباغضوا. وأذهبت رونق الاجتماع الأسري، فالأسرة كانت من قبل إذا اجتمعت تبادل أفرادها حلوَ الكلام، ولكن ماذا يجري الآن؟!

تأملوا في المجالس التي تجمع الأقارب والأصدقاء! يصبح كل إنسان -ذكراً أو أنثى- غالبًا- ينظر إلى عالمه الصغير، ورفيقه الحبيب إلى جواله الذي يجول معه متناسيًا ما حوله، حتى يغدو المجتمعون كما قال الله -تعالى-: “فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ”،

وأثفية الأثافي حينما ينشغل الولد-ابنًا أو بنتًا- بجواله عن والديه، فقد يزورهما أو يزورانه، ليرياه ويسمعا منه، لكنه يعطيهما هامة رأسه ساجداً على صفحة جواله متخذاً له أبًا بدل أبيه، وأمًا بدل أمه!!؛ لأنه هائم بمعشوقيه: الفيس بوك والواتساب.. فالاجتهاد الاجتهاد والهمة الهمة، فما هي إلا أيام معدودات

اللهم إنا نسألك أن تعيننا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اجعله شهر مغفرة وعتق من النار لنا أجمعين يا رب العالمين، اللهم لا تجعل فينا شقياً في رمضان ولا في غيره يا رب العالمين، واغفر لنا ذنوبنا وكفر عن سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار. فيا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *