رمضان شهر الجود والكرم

بقلم فضيلة الشيخ الدكتور : أيمن حمدى الحداد

 

الدرس الثامن : رمضان شهر الجود والكرم

الحمد لله رب العالمين الجَوَاد الكريم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله خير من أعطى وجاد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين؛ أما بعد: فيا أيها الصائمون: إذا كان الجود والكرم من الصفات المحمودة فى الناس فإن سيدنا رسول الله ﷺ قد بلغ غايتها، فما سُئِلَ ﷺ على الإسلام شيئاً إلا أعطاه، فجاءَه رجلٌ فأعطاه غنَماً بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم، أسلِمُوا، فإنَّ محمداً يُعطِى عطاءَ مَن لا يخشى الفاقة.

– وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما؛ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ، كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ» رواه البخاري ومسلم.

وَهَذَا تَشْبِيهٌ بليغ، إِذْ شَبَّهَ جُودَ سيدنا رَسُولِ اللهِ ﷺ بِالرِّيحِ الْـمُرْسَلَةِ فِي عُمُومِهَا، وَفِي تَوَاتُرِهَا، وَفِي خَيْرِهَا.

عباد الله: إن شهر رمضان يتميز عن غيره من الشهور بأنه شهر الجود والكرم والبذل والسخاء، شهر التَّواصل والتَّكافل، شهرٌ تغمر فيه الرَّحمة قلوب المؤمنين، وتجود فيه بالعطاء أيدي المحسنين، وصدق القائل:
تَعَودَ بسْطَ الكفِّ حتى لوَ انَّهُ
ثناها لقبضٍ لم تُجبه أناملُهْ
تراه إذا ما جئته متهللاً
كأنك تعطيهِ الذي أنت سائله
هو البحر من أي النواحي أتيته
فلجته المعروف والجود ساحله
ولو لم يكن في كفه غير روحه
لجاد بها فليتق الله سائله

– إن ما ينفقه المسلم يجد ثوابه عند الله عز وجل؛
قال تعالى: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾(المزمل: ٢٠)،
– قال الشافعي رضي الله عنه: أُحبُّ للرجلِ الزيادةَ بالجودِ في شهر رمضان؛ اقتداءً برسول ﷺ.

– والجود فى أفقه الأعلى، وامتداده الواسع صفة الله عز وجل؛ قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ اللهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكُرَمَاءَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجَوَدَةَ، يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا»رواه الطبرانى.

ولقد ضرب الصالحون أروع الأمثلة فى الجود والبذل والعطاء من ذلك :

• عبدالله ابن عمر رضي لله تعالى عنهما كان يصوم، ولا يفطر إلاَّ مع المساكين، يأتي إلى المسجد فيصلي ثم يذهب إلى بيته ومعه مجموعة من المساكين، فإذا منعهم أهله عنه لم يتعشَّ تلك الليلة!!

قال تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(الحشر: ٩)

• ولقد بعث عبدالله بن الزبير إلى عائشة رضي الله عنها بمال في غرارتين – كيس من القماش- يكون مائة ألف، فدعت بطبق وهي يومئذ صائمة، فجعلت تقسم في الناس، قال: فلما أمست، قالت: يا جارية، هاتي فطري، فقالت: يا أم المؤمنين، أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحماً تفطرين عليه؟ فقالت: لا تعنفيني، لو كنت ذكرتيني لفعلتُ..الطبقات الكبرى لابن سعد.

• وطلحة بن عبيدالله رضي الله عنه يكفل الناس من ماله ولقد جُمع له أربعمائة ألف إلى خمسمائة ألف، ،فكان لا يدع أحداً من بني تيم عائلاً إلا كفاه مؤونته ومؤونة عياله، وزوَّج أَيَامَاهم – أي من لا زوج له – وأخدم عائلهم وقضى دين غارمهم، ولقد كان يرسل إلى عائشة رضي الله عنها إذا جاءت غلته كل سنة بعشرة آلاف، ولقد قضى طلحة بن عبيدالله عن صبيحة التيمي ثلاثين ألف درهم.. الطبقات الكبرى، لابن سعد.

• وأبو قتادة يضع الدين عن المدين إبتغاء وجه الله فعن عبدالله بن أبي قتادة: أن أبا قتادة رضي الله عنه طلب غريماً له، فتوارى عنه، ثم وجده، فقال: إني معسر، فقال: آلله؟ آلله؟ قال: فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة، فليُنفس عن معسر، أو يضع عنه» رواه مسلم.

• ولقد بلغ من كرم عبدالله بن جعفر أنه كان ليس له مال دون الناس، هو والناس في ماله شركاء، مَن سأله شيئاً أعطاه، ومن استمنحه شيئاً منحه إياه، لا يرى أنه يفتقر فيقتصر، ولا يرى أنه يحتاج فيدخر، قضاء الحوائج؛ لابن أبي الدنيا.

• وكان حماد بن أبي سليمان يُفطِّر في شهر رمضان خمسَ مائةِ إنسانٍ، – طيلة شهر رمضان هو مسئول عنهم وعن تفطيرهم – وإنه كان يعطيهم بعد العيد لكلِّ واحدٍ – منهم – مائة درهم.

قال رسول الله ﷺ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا» رواه الترمذي، وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ.

• وكان كثير من السلف يؤثر بفطوره وهو صائم منهم، داود الطائي ومالك بن دينار، وأحمد بن حنبل.

• وكان من السلف من يطعم إخوانه الطعام وهو صائم ويجلس يخدمهم ويروّحهم… منهم الحسن وابن المبارك.

قال تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً﴾(الإنسان: ٨-١٢)،

• قال أبو السوار العدوي: كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد، ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكل، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس وأكل الناس معه.

 أيها الصائمون: إن اليقين بأن الله عز وجل يتولى الإخلاف على المنفق من أهم دوافع البذل والعطاء، قال تعالى: ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾( الأنفال: ٦٠)، وعن أبي هُريرة رضي الله عنه: أَنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ عز وجل»رواه مسلم.

– والصدقة تقى صاحبها عذاب النار، قال رسول الله ﷺ: «من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل» رواه البخارى ومسلم.

وفى تفريج كربات الناس يقول النبى ﷺ: «من ستر مسلماً ستره الله فى الدنيا والآخرة ومن نجى مكروباً فك الله عنه كربة من كرب يوم القيامة» رواه البيهقى.
ويقول أيضاً: «أيما مؤمن اطعم مؤمناً على جوع اطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة وأيما مؤمن سقا مؤمناً على ظمأ سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم وأيما مؤمن كسا مؤمناً على عرى كساه الله من خضر الجنة» رواه الترمذى.

ويقول النبى ﷺ: «صنائع المعروف تقى مصارع السوء والصدقة خفية تطفىء غضب الرب» رواه الطبرانى.

– ولقد جعل الله عز وجل الجنة جزاءً لأهل المعروف؛ قال ﷺ: «من أدخل على أهل بيت من المسلمين سروراً لم يرضى الله له ثواباً دون الجنة» رواه الطبرانى.
فاتقوا الله عباد الله: وتكافلوا تأجروا واعلموا أن الله طيب لايقبل إلا طيباً؛ فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال رسول الله ﷺ: «ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربو فى كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربى أحدكم فلوه أو فصيله» متفق عليه.

اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على دربهم إلى يوم الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً