منهج الإمام أحمد الرفاعي رضي الله تعالى عنه

بقلم فضيلة الشيخ الدكتور : فواز الطباع الحسني
عميد رواق ودار الإمام أحمد الرفاعي رضي الله عنه الاردن

 

 

كان منهج الإمام أحمد الرفاعي رضي الله تعالى عنه  نموذج الأوصياء ، المتصدر في منصة المعالي فوق قمة المجد الباهر ، سيدي الإمام  أحمد الرفاعي الكبير رضي الله تعالى عنه ، على ما كان عليه جده المصطفى عليه الصلاة والسلام فقد كان منهاجه :                                                                                  

 الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

فقد كان أميراً في ثوب مسكين ، جبلاً راسخاً في الاتباع المحمدي ، لم يلتفت للغير  فلم تأخذه غياهب الدعاوي .

كان يحترم الكبير والصغير ؛ فلا يخاطب الصغير إلا بسيدي .

كثير الذكر والصلاة .و كثير الافتقار إلى الله ، حتى نال بالله الغنى والعز .

تجرد لخدمة الشريعة عن كل شيء فكان كالعصب المهند ، فشدَّ بالطريق فخاره ، وجدد بهمته آثارها .

وكان للحقيقة البيضاء والطريقة السمحاء الحصن الحصين .

يجبر المنكسر ، ويعالج المريض ، ويصل الرحم .

رنت له نوبة التجديد في كل قطر قريب وبعيد ، وغنت له بلابل التغريد ، بصنوف دقائق التمجيد في كل صعيد ، وحفلت به كابر الحظائر من أولي الباطن والظاهر ، فاستفاض منه قروم الدوائر ، من كل غائب وحاضر ،  فافاض على الكل من فيض فضل الله وأتحف جماهيرهم من سحاح كرم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فكان في بيت النبوة قرة عين ، وفي عقود الحسبين يتيمة السلكين .

وعرج بهمته عن كل ما يخالف السنن ، وقطع بهمته حبال القواطع التي تطرأ على السالكين  من زفرة نفس أو ثورة غرور ، وأخرج عوائق هممهم بقوة شرع الرسول صلى الله عليه وسلم صاحب النور ، فطاب السير للسالكين على طريقه ، فكتبت يد العناية على مريديه ومحبيه ( إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ) .

كان كلما ازداد حصة من شرب حضرة القرب ازداد كمالاً ، و كمل حاله على مقامه واتسعت في ميدان التمكن مجاله ، فزداد تواضعاً لله والخلق . 

كانت نفسه في منازل الخدمة سيارة ، وروحه في فضاء القرب طيارة ، لذلك كان مذهبه في الأرض مشهور ، وعلمه في أقطار الأرض منشور .

نال بعلمه وأخلاقه رتبة الدعوة ، فجعله الله للمتقين قدوة ، فلا يزال في التلاميذ والسالكين تظهر كرماته وأخلاقه ، وتزهر في الآفاق أنواره .

من اقتدى به اهتدى ، ومن أنكر عليه ظلمَ واعتدى .

كان إماماً عالماً كاملاً مرشداً ، عارفاً بالله تعالى ؛ فإن ذكرته مع المحققينَ كان تاجهم ، وإن ذكرته مع العارفين كان أميرهم  .

تولَّ الفقراء وعلم التلاميذ وإرشد المريدين ، بإقوى قواعد التمكين ، ففتح الله به أقفال غوامض إشارات المحققين .

نور ببصيرته قلوب السالكين ، وأطلعهم على الأسرار ، وصانهم عن الأغيار ، وسترهم عن أعين الفجار .

أفردته العناية الربانبة بالمزايا الجلية ؛ فنال الهمة الفعالة ، والروح الجوالة ، والعين البصيرة ، والنخوة والغيرة .

من أقوال الإمام الكبير أحمد الرفاعي رضي الله تعالى عنه :

قال لابن بنته السيد إبراهيم الأعزب قدس الله سره : ما أخذ جدك طريقاً لله إلا اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن من صحت صحبته مع سر رسول الله صلى الله عليه وسلم اتبع آدابهُ وأخلاقهُ وشريعتهُ وسنتهُ ، ومن سقط من هذه الوجوه ، فقد سلك سبيل الهالكين .

وكان كثيراً ما يوصي المريدين باتباع السنة المطهرة  نذكر بعضاً من وصاياه :

السنة المحمدية روح العارف ، بها يقوم وبها يقعد ، وهي منار الباب العارفين ، فإن مشيد أركانها ، ورافع بنيانها ، عليه الصلاة والسلام لم ينطق عن الهوى ، بل هوى جلجلة ( ما زاغ البصر وما طغى ) .

وكان رضي الله تعالى عنه يقول :

أخذ الله العهد على روح أحيمد العبد الاش ، أن لا تقف عند سفاسف الأمور ، إلا من علت في الله همته ؛ علت عند الله مرتبته ، ومن وقف مع غرضه ما عوفي من مرضه ، ومن لم يصرع صنوف الحادثات بكف الطرف عنها ارتياحاً لموجودها ، وانبساطاً به فهو عن حلاوة الإيمان ، وعن مذاق شراب الهمة بمعزل ، ولا يخطفنك حثى لك على علو الهمة أن تهمل العلم بحال الضعاف والفقراء وحرفهم وصنائعهم ، وما هم عليه من عاداتهم وأمور معاشهم ، فإن العلم بذلك والعمل به ، والتحقق بكله ، والوقوف على سره والترقي إلى ما غاية له إلا الشرع ؛ إنما هو من علو الهمة ، ومن بوارق أسرار النبوة هؤلاء الأنبياء العظام عليهم الصلاة والسلام كلهم رعوا الغنم ، ومنهم نبينا عليه الصلاة والسلام سيد العرب والعجم ؛ لتطرق طرائق الأمم والعلم بأحوال طوائفهم ، وللأدار على سياسة عوالمهم ، وللتدرب بالرفق ومسالكه ، حتى بشأن الحيوانات الغير ناطقة ، بل وللتسلق إلى نسج خدر الهمة بالرفق العام في حق كل بارزٍ وطامس ٍ عيني وغيبي ؛ ليكون ذلك السيد رحمة عامة على خلق الله ، وبحراً فياضاً هنياً مريئاً ، يسح على ملك الله ، وهذا طريق الوارثين الذين أثابهم الله الفتح ، وأوصلهم بحبال الرسل ، وجعلهم نواباً عنهم ، وجمع عليهم أمرهم ، وحققهم بالتخلق بأخلاق درة قلادة المرسلين وأكرمهم على رب العالمين سيدنا محمد النبي الامين عليه الصلاة والسلام ، الملك البر المعين .

ولقد وضع الإمام أحمد الرفاعي رضي الله تعالى عنه منهاج الخليفة الذي ينوب عنه قال الله تعالى  (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً ) فقال :

 ( أي حبيبي تظن أن هذه الطريقة تورث من أبيك ، تتسلسل من جدك ، تأتيك باسم بكر وعمرو ، تصرُ لك في وثيقة حسبك تنقش لك على جيب خرقتك على طرف تاجك ، حسبت هذه البضاعة ثوب شعر ؟ وتاجاً وعكازاً ودقناً وعمامةً كبيرة ؟ وزياً صالحاً ، لا والله أن الله لا ينظر إلى كل هذا ينظر إلى قلبك كيف يفرغ في سره وبركة قربه . وهو غافل عنه بحجاب التاج بحجاب الخرقة بحجاب السبحة بحجاب العصا بحجاب المسوح . ايش هذا العقل الخالي من نور المعرفة . ايش هذا الرأس الخالي من جوهر العقل ، ما عملت بأعمال الطائفة وتلبس لباسهم يا مسكين ).            

فكان من ثمرة منهاج الإمام أحمد الرفاعي رضي الله تعالى عنه أن تخرج من رواقه ورباطه كبار علماء وأولياء زمانهم فمنهم :

الإمام أبو شجاع صاحب المتن المشهور في الفقه الشافعي ،  والإمام محمد بن عبد السميع الهاشمي الواسطي ، والإمام الحجة  عمر أبو الفرج عز الدين الفاروثي الواسطي ، والإمام أبو زكريا يحيى العسقلاني الحنبلي ، والإمام أبو الفتح الواسطي ، والشيخ حسن الراعي ، والإمام جمال الدين الخطيب ، والولي الكبير إبراهيم الأعزب ، والشيخ يعقوب الواسطي ، والإمام حياة بن قيس الحراني ، والإمام عدي بن مسافر ، والإمام عماد الزنجي ، والإمام الفقيه عبد المحسن الواسطي ، والإمام تقي الدين الواسطي ، والشيخ صالح بن بكران ، والشيخ جعفر الخزاعي المغربي ، والشيخ سعد البرزباني ، والشيخ عمر الهروي ، والشيخ علي بن نعيم ، وغيرهم الخلق الكثير.

* فمن الله على طريقة سيدي الإمام أحمد الرفاعي رضي الله تعالى عنه أنها باقية إلى الآن .

قال الإمام الرواس رضي الله تعالى عنه في قصيدته التي سماها ( أسرار حقيقتنا وأحكام طريقتنا ) : 

طريقتنا        للخارقات    وسيلة      وللكف عن كل الوجودات  سلم

طريقتنا من أخلص القلب ضمنها       غد بضمان الله يحبى    ويكرم

طريقتنا من راح يحكم   حكمها         بصدق على أهل القلوب يحكم

طريقتنا تنجي الفؤاد من  الغوى       وتحفظه من       زيغه   وتسلم

طريقتنا مأمونة    الحال    سنة       ومضمونها في كل نقل    مسلم

طريقتنا حال   النبي    وطوره        وعن سره   للعارفين    تترجم

طريقتنا صدق وزهد     ورأفة        وذل إلى المولى ونهج    مقوم

طريقتنا أن لا يرى المرء نفسه        وفيها أخير الركب فهو  المقدم

طريقتنا أن تصلح العبد صحبة        فنحن  سكوت  والهوى   يتكلم

طريقتنا أن يجعل الشرع سلما        أجل وبه السلاك ترقى  وتعظم

طريقتنا   قلب   سليم     ونية        مطهرة أنف    المآمل    ترغم

طريقتنا ذكر  بلا  عدد    على       موارد أنفاس      تمر   وتنظم

طريقتنا أن لا نرى الغير فاعلا       سوى أنه الرحمن يعطي ويحرم

طريقتنا أن نشهد الله    حاكما        له الأمر في الأمرين يقصي ويرحم

طريقتنا   حب    النبي   وآله        وأصحابه والذكر   للخير  عنهم

طريقتنا إعظام    كل   مقرب       من القوم لكن شيخنا الفرد أعظم

طريقتنا    نهج  الجنيد  تحققا       بمشربه إذ ناكث   العهد   يقصم

طريقتنا  ذوق وشوق  وعبرة       وعبرةُ   عين      دمعها كله دم

طريقتنا جد   وجهد    ولوعة        وخلوة   صدق    خالص وتكتم

طريقتنا أن لا نرى الشق للعصا         فإن موالاة   الجماعة      ألزم

طريقتنا ود   لكل       موحد        وأن نسدي إحسانا لمن هو مسلم

طريقتنا    بالآدميين   رحمة        كما أمر الهادي الرسول المكرم

طريقتنا أن نشهد الخلق كلهم        بخير وأن نزوي   الأذية  عنهم

طريقتنا محو الرياء وطرحه        فإن سؤال الحشر بالصون ملزم

طريقتنا أن نجذب القلب دائما        إلى الله   بل    في ذكره نترنم

طريقتنا     أنا   نمر  زماننا        ونحن   على   مهد   التكتم قوم

طريقتنا أن نجعل السر رقعة        وفيها سطور الصدق  لله  نرقم

طريقتنا دوم     الهيام   تولها      وهل مرتضى المحبوب إلا المهيم

طريقتنا وجه مع الناس حاضر     وقلب   بذكر    الله     لا يتلعثم

طريقتنا إعظام  شأن    محمد       كما هو فهو    الهاشمي المعظم

طريقتنا   أنا  على كل رمشة       نصلي   عليه    نية       ونسلم

طريقتنا نهج الرفاعي  أحمد        فمنهاجه   من   جملة القوم أقوم

طريقتنا أن نملأ العين  دمعة       إذ الناس   في  فرش البطالة نوم

طريقتنا أن نبدأ في  الله شدة        ونبغض فيه   من به الزيغ يرسم

طريقتنا نصر المحق وغوثه       وإذلال من الناس  يؤذي   ويظلم

طريقتنا   إكرام   شيخ  لسنة      ورحمة    طفل إنما الطفل يرحم

طريقتنا الإيثار والبذل  دائما       بلا   ريبة    والله   أغنى وأكرم

طريقتنا هجر الكذوب وتركه       وحب صدوق هكذا القوم ألزموا

طريقتنا غسل الفؤاد من الهوى     ومن   بعده    وفقاً له     نتوسم

طريقتنا رد   الفراسة   للذي       به الشرع يقضي في الأمور ويبرم

طريقتنا إن جاء بالصدق واردٌ        نحكمه   في    أمرنا   ونسلم

طريقتنا التحكيم للنص  بالذي        به في الإشارات الغوامض نلهم

طريقتنا  من ربنا الأخذ بالرضا        يؤخر   منا   أمرنا أو     يقدم

طريقتنا التسليم للمرشد  الذي       لأحكامه  التسليم  في السير أسلم

طريقتنا إعزاز من شاد  سنة        بها  ركن    زيغ في البرية يهدم

طريقتنا أن لا  نقول   بوحدة        ولا   بحلول     والمصيبة أعظم

طريقتنا أن نحفظ الشرع ظاهراً        وهذا هو السر  الخفي  المطلسم

طريقتنا  رد الشطوحات  كلها        إذا لم  يكن  منها   المؤول يفهم

طريقتنا أن يأخذ القلب  عبرة        ولو من هبوب الريح    إذ يتنسم

طريقتنا أن نتبع النص خضعاً        وإن  جاء    طيشاً غيره لا نسلم

طريقتنا أن الكرامات  لم تزل        بأيدي   رجال   الله  تبدو وتنظم

طريقتنا أن الخوارق   سهمهم       لمن   كان   حياً والذي مات منهم

طريقتنا أن      المؤيد   واحد       ويفعل   دهراً    ما يريد  ويحكم

طريقتنا  أن   البدايات   كلها        بتصريف  أمر  الله   تبدو وتختم .

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *