الهوى السلفى الوهابى اليهودى

بقلم الدكتور / احمد عبد الرحيم
الباحث فى التاريخ الاسلامى

المقال الخامس عشر من سلسلة (زمن الدجال)

 

لقد علا اليهود فى أنفسهم علواً كبيراً وغلوا فيها غلواً عظيماً حتى ظنوا أنفسهم بشراً فوق البشر ، وكذلك الوهابية علو وغلو وخرجوا عن جماعة المسلمين معلنيين كفرهم وشركهم وانهم مبتدعون ضالون ، وكان سبب ذلك الاعتقاد هو استعلاءهم واستطالتهم بظنهم أنهم هم الموحدون فقط وانهم هم المسلمون فقط وانهم هم المؤمنون والمنافحون عن التوحيد والمدافعون عن الشريعة وان غيرهم هم فى كفر وشرك وضلال.

ان السلفية والوهابية أصابهم ما أصاب من قبلهم من الامم وغرقوا فيما غرق فيه سلفهم من اليهود وهو اتباع الهوى وحب النفس الذين هما رأس كل خطيئة ، فلقد غلب الهوى بنو اسرائيل ثبت ذلك عنهم فى معظم تاريخهم المروى عنهم ونقله القرآن الكريم عنهم كان مبدأ ذلك عندما عصى الاسباط والدهم سيدنا يعقوب وحاولوا الفتك باخيهم نبى الله يوسف وكانت الاخطاء آنذاك هينة يسيرة الى ان صاروا مستضعفين فى مصر اذاقهم فرعون البؤس والهوان ، ومروراً بسيرتهم مع سيدنا موسى وعبادتهم للعجل واتباعهم للسامرى وبطرهم للمن والسلوى واشتهائهم الفوم وبالبصل والعدس ونكرانهم لله تعالى وطلبهم رؤيته وسماعه وحسدهم لقارون وتمنيهم ما لديه ، ثم رفضهم دخول الارض المقدسة وقتال القوم الظالمين ، ثم تباعد الفترة الزمنية فيما بينهم وبين نبيهم موسى بن عمران حتى اختلفوا وبدلوا وصاروا فرقاً واحزاباً متباينة يكفر بعضهم بعضاً.

لقد اتبعت كل فرقة منهم هواها واشربوا حب انفسهم، وصار اتباع الهوى علامة مميزة لهم ، وشاعت بين افرادهم رؤساء ومرؤوسين حتى ان الله تعالى نبه نبيه (داود) عليهم السلام من اتباع الهوى وحذره مغبة ذلك فقال تعالى ” يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ” سورة ص الاية 26 ، ثم عقب ان توفى سيدنا داود وتولى بعده سينا سليمان مقاليد الحكم لم يلبث اليهود عقب وفاته ان عدوه ساحراً ومارسوا السحر وبرعوا فيه ، ولم تزل الانبياء ترسل فيهم حتى قتلوا منهم العدد الكثر واخر من سلطوا عليه من انبياءهم هو نبى الله يحيى بن زكريا فقتلوه وقطعوا رأسه ثم كفروا برسالة سيدنا عيسى بن مريم اليهم ، وما زالوا فى غيهم وفسادهم واتباعهم لهواهم حتى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ، فحسدوه وحاولوا ان يفتنوا المسلمين عن دينهم قال تعالى “وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ” سورة المائدة الآية 49، قال ابن عباس رضي الله عنهما فى تفسير هذه الآية: قال كعب بن أسد وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس من رؤساء اليهود بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه، فأتوه فقالوا يا محمد قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم وأنا إن اتبعناك لم يخالفنا اليهود، وإن بيننا وبين الناس خصومات فنحاكمهم إليك فاقض لنا عليهم نؤمن بك، ويتبعنا غيرنا، ولم يكن قصدهم الإيمان، وإنما كان قصدهم التلبيس ودعوته إلى الميل في الحكم فأنزل الله عز وجل الآية ” تفسير البغوى.

وقال تعالى “قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ * لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ” سورة المائدة الايات 77 ـ 79.

وقوله تعالى” وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ”والأهواء جمع الهوى وهو ما تدعو إليه شهوة النفس “قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ” يعني: رؤساء الضلالة من فريقي اليهود والنصارى، والخطاب للذين في عصر النبي صلى الله عليه وسلم نهوا عن اتباع أسلافهم فيما ابتدعوه بأهوائهم “وَأَضَلُّوا كَثِيرًا” يعني: من اتبعهم” تفسير البغوى.

سردنا فيما مر كيف انقاد اليهود الى اهواءهم ولم ينقادوا الى حكم الله تعالى الذى انزله الله تعالى على سيدنا موسى وعلى انبياءهم حتى آخرهم سيدنا عيسى بن مريم ولكن غلبتهم نفوسهم وسول لهم شيطانهم الا الاعراض عن الحق.

لم يخرج الوهابية وكذا السلفية عن سيرة اليهود فى اتباعهم لهواهم مقدار شعرة ، فها هو ذو الخويصرة التميمى اذ يتعرض للنب صلى الله عليه وسلم وينكر عليه قسمة غنائم حنين وسصف النبى ﷺ بالجور والظلم وعدم العدل حتى غضب النبى ﷺ اشد الغضب

ـ روى عن أبي سعيد الخدري ـ رضى الله عنه ـ قال: بعث علي رضي الله عنه وهو باليمن بذهبة في تربتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر الأقرع بن حابس الحنظلي وعيينة بن بدر الفزاري وعلقمة بن علاثة العامري ثم أحد بني كلاب وزيد الخير الطائي ثم أحد بني نبهان قال فغضبت قريش فقالوا أتعطي صناديد نجد وتدعنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم فجاء رجل كث اللحية مشرف الوجنتين غائر العينين ناتئ الجبين محلوق الرأس فقال: اتق الله يا محمد قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن يطع الله إن عصيته أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني قال ثم أدبر الرجل فاستأذن رجل من القوم في قتله يرون أنه خالد بن الوليد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من ضئضئ هذا قوما يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد”.

وروى عن عبد الله بن عمر انه قال “إنه كائنٌ فيكم قومٌ يقرؤون القرآنَ لا يُجاوِزُ تَراقِيهم كلما طلعَ منهم قرنٌ قطع حتى ذكرَ عشرين مرةً وزيادةً حتى يكونَ آخرُهم يخرج مع الدَّجَّالِ” رواه الهيثمى فى مجمع الزوائد.

ومصداقاً للحديث النبوى الشريف خرج الخوارج فى عهد سيدنا عثمان بن عفان وحصروه فى داره ثم فى عهد خلافة سيدنا على بن ابى طالب وقاتلهم فى معركة النهروان وهزمهم ثم اغتالوا سيدنا عل فى صلاة الفجر وقتلوا بعضاً من اصحاب النبى ﷺ امثال الزبير بن العوام وظهروا ايضاً فى عهد الخلافة الاموية ثم خفت ذكرهم الى ان احياه ابن تيمية الحرانى رأس الخوارج ، فغير وبدل واتهم كثيراً ممن سبقوه بالخطأ والضلال وعقد اجماعاً للمسلمين فى كثير من المسائل بخلاف الحقيقة واخترع الفاظاً ومجملاً لم يزل الوهابية والسلفية يستعملونها الى الآن يستخدمونها فى التلبيس على القارئ والمستمع لهم مثل (ذكره غير واحد) و(لم اقف على مخالف) وغيره من الفاظهم الذين يستخدمونها فى تعضيد مذاهبهم وآرائهم.

لقد كان لابن تيمية بعض التلاميذ الذين لم يلبث ان خفت ذكرهم الى ان أحيا ذلك الفكر محمد بن عبد الوهاب بايعاز من وزارة المستعمرات البريطانية والتى سخرت لها الموارد فى سبيل نشر ذلك الفكر المنحرف وسهلت له الصعب وذللت له كل عسير.

لقد خالف الوهابية والسلفية جماعة المسلمين فى كثيرٍ من المسائل التى تبدأ بالمسائل الاعتقادية التى تتعلق بذات الله تبارك وتعالى وحتى مسألة وضع اليدين او ارخائهما فى الصلاة مأثرين فى ذلك اتباع هواهم وان شذوا عن جمهور المسلمين.

ثم ان طامة هؤلاء القوم ليس فى اختلافهم ـ وذلك عدا المسائل المتعلقة بالتشبيه والتجسيم ـ وانما الطامة الكبرى فى عدم قبولهم الرأى الآخر المخالف ورمى أصحاب الاراء التى تخالفهم بالشرك والكفر وما يرتبه ذلك من قتلهم واستحلال اعراضهم واموالهم وهذا ما لمسناه فى الاونة الاخيرة من استعمال الجماعات الارهابية السلفية العنف والقتل لكل مخالف لهم.

 

 

 

 

اترك تعليقاً