
بقلم فضيلة الشيخ : أحمد عزت حسن
الباحث فى الشريعة الإسلامية
كيف نستقبل رمضان؟
ما هي الطرق السليمة لاستقبال هذا الشهر الكريم استقبالًا يليق به؟
اعلم أخي الحبيب أنه ينبغي للمسلم أن لا يفرط في مواسم الطاعات، وأن يكون من السابقين إليها ومن المتنافسين فيها، قال الله تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (المطففين: ٢٦).
وهناك طرق عدة لاستقبال رمضان فاحرص أخي المسلم على استقبال رمضان بالطرق السليمة التالية:
• عليك بالدعاء الصادق بأن يبلغك الله رمضان وأن يعينك فيه على الصيام والقيام وكافة الطاعات وأن يتقبلها منك وأنت في صحة وعافية؛ حتى تنشط في عبادة الله تعالى -من صيام وقيام وذكر- فقد روي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال كان النبي ﷺ إذا دخل رجب قال: “اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان” رواه أحمد والطبراني. لطائف المعارف
* فإذا أهل هلال رمضان فادع الله وقل: “الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى ربي وربك الله” [رواه الترمذي والدارمي وصححه ابن حيان]
* كذلك علينا استشعار أهمية رمضان وأن أمامنا موسمًا عظيمًا؛ فاغتنامه يغير حياتك ويثقل موازينك ويغفر ذنوبك والتفريط فيه حرمان، وإضاعته مصيبة.
• الفرح والابتهاج،
فقد ثبت عن رسول الله ﷺ أنه كان يبشر أصحابه بمجئ شهر رمضان فيقول: (جاءكم شهر رمضان شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم … [الحديث أخرجه أحمد]
وقد كان سلفنا الصالح من صحابة رسول الله ﷺ والتابعين لهم بإحسان يهتمون بشهر رمضان، ويفرحون بقدومه، وأي فرح أعظم من الإخبار بقرب رمضان موسم الخيرات، وتنزل الرحمات .
– استعداد رسول الله ﷺ وأصحابه والسلف الصالح لرمضان
فكيف كان يستعد النبي -ﷺ- وأصحابه والسلف الصالح من الأمة -ونحن مأمورون باتباعهم- بقدوم رمضان؟ فمن اللهف للشهر والتعلق به خدمة العبّاد فيه، وخدمة العباد مذهب إبراهيم الخليل، “طَهِّرَا بَيْتِيَ” البقرة: ١٢٥ وهكذا للطائفين والصائمين والقائمين والعاكفين والركع السجود، هؤلاء تُجهز لهم بيوت العبادة، وهذه من الطاعات، هكذا أُمر الخليل طَهِّرَا بَيْتِيَ الطهارة الحسية، والطهارة المعنوية، فيطهر من الأرجاس والأنجاس.
وهكذا كان ﷺ يفعل؛ يُشوّق أصحابه إلى رمضان، وكما قال الله له: “حرِّض المؤمنين على القتال” الأنفال
* كذلك كان يُشوّق المؤمنين إلى مواسم الطاعة، فيقول: “أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله صيامه”، ثم بيّن ميزاته فقال: “تُفتح فيه أبواب السماء، تُغلق فيه أبواب الجحيم، تُغلّ فيه مردة الشياطين”
وتصفيد المردة؛ لأجل تمكين الناس من الإقبال، والإعانة على العبادة فإن المردة يحولون بينهم وبين الطاعة، والله قد هيأ لنا الأسباب بقي العمل منا، “لله فيه ليلة خير من ألف شهر”؛ لتشتاق النفوس للعمل، ولتتهيأ وتزداد في مضاعفة الجهد.
ولقد كان رسول الله -ﷺ- إذا جاء رمضان استعد لله، لا بالمأكل ولا بالمشرب، ولا بالزينة.. فقط، بل بالطاعة والعبادة والجود والسخاء، فإذا هو مع الله العبد الطائع، ومع الناس الرسول الجائع، ومع إخوانه وجيرانه البار الجواد حتى لقد وصفه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: “كان رسول الله -ﷺ- أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل. وكان يلقاه جبريلُ في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فَلَرَسولُ الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة”. (متفق عليه)
● وكان سيدنا عمر بن الخطاب يستعد بإنارة المساجد بالأنوار والقرآن: وهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يستعد لرمضان فأنار المساجد بالقناديل، فكان أول من أدخل إنارة المساجد، وجمع الناس على صلاة التراويح، فكان أول من جمع الناس على صلاة التراويح في رمضان ،فأنارها بالأنوار وبتلاوة القرآن؛ حتى دعا له الإمام علي -رضي الله عنه- بسبب ذلك.
فعن أبى إسحاق الهمداني قال: خرج على بن أبى طالب في أول ليلة من رمضان والقناديل تزهر وكتاب الله يتلى في المساجد، فقال: “نوّر الله لك يا ابن الخطاب في قبرك كما نورت مساجد الله بالقرآن”. (محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب)
● اجتهاد الصحابة الكرام والسلف الصالح في الطاعة في هذا الشهر الكريم:
لقد أدرك الصحابة الأبرار فضل شهر رمضان عند الله تعالى فاجتهدوا في العبادة، فكانوا يحيون لياليه بالقيام وتلاوة القرآن، وكانوا يتعاهدون فيه الفقراء والمساكين بالصدقة والإحسان، وإطعام الطعام وتفطير الصوام، وكانوا يجاهدون فيه أنفسهم بطاعة الله، ويجاهدون أعداء الله في سبيل الله لتكون كلمة اله هي العليا ويكون الدين كله لله.
● استعداد السلف لشهر رمضان
وكذلك كان صحابته يفعلون، والسلف الصالح من بعده يتصفون، وبذلك كان رمضان عندهم موسما تتنسم فيه أرواحهم روائح الجنة، وتطير فيه أفئدة المؤمنين إلى السماوات العلى، وترتفع فيه جباه المصلين على رؤوس الطغاة الظالمين.
● بل الكون يستعد لاستقبال رمضان فهذه السماء لقدوم رمضان:
فعن أبى هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -ﷺ قال: “إذا كان أَوَّلُ ليلة من شهر رمضان صُفِّدَتِ الشياطينُ وَمَرَدَةُ الجنِّ وَغُلِّقَتْ أبوابُ النارِ فلم يُفْتَحْ منها بابٌ وَفُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ فلم يُغْلَقْ منها بابٌ وَيُنَادِى مُنَادٍ كلَّ ليلةٍ يا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ ويا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وللهِ عُتَقَاءُ من النارِ وذلك كلَّ ليلةٍ”.
فهل يا ترى أن الله فتح لك أبواب الجنة وهو يريد أن يحرمك منها، وأغلق أبواب النار دونك ويريد أن يعذبك فيها، وصفّد الشياطين إلا لتقبل عليه، فانظر إليه كيف يعاملك وكيف تعامله!! كيف يطلبك وأنت تهرب منه! كيف يدعوك إلى نجاتك وتتوانى!!
ولقد اعتاد المصريون أن يهنئ بعضهم بعضا بقدوم شهر رمضان بنحو قولهم: (رمضان كريم)، وهي عبارة تحمل الكثير من المعاني الحقيقية والمجازية، -كما يقول الدكتور محمد إبراهيم العشماوي- “فهو كريم على الله، كريم على الناس، أي له منزلة كريمة عندهم، فهو شهر مكرم -اسم مفعول-؛ لما حواه من المكارم العظيمة والفضائل الجسيمة التي منها نعمة نزول القرآن، أو ابتداء نزوله -وهو سبب جميع النعم- ولما فيه من نعمة الصيام التي هي أحد أركان الإسلام، ونعمة القيام، ونعمة ليلة القدر، ولما جعله الله فيه من البركة في الأرزاق، والسعة في الأخلاق!
وهو أيضا كريم مع الناس، أي مُكرِم لهم -اسم فاعل- فلو افترضنا شهر رمضان رجلا؛ لكان أكرم الناس يدًا، وأسخاهم عطاء، فالحسنة فيه مضاعفة، والنافلة فيه بفريضة، والفريضة فيه بسبعين فريضة فيما سواه، وقيام ليلة فيه خير من ألف شهر، ويزيد فيه رزق المؤمن، ويتواسى فيه الناس، فيعطي الغني الفقير، ويواسي المحروم، ويطعم الجائع، وتمد فيه الموائد، ويتسابق الناس فيه إلى الخيرات.