العلل الخفية التي تحول دون الفتح والترقي في مقام القرب

إعداد الشيخ : محمد الألفى

 

مرة أخرى نقول أن الكثير من الناس يؤدون الطاعات والعبادات و لكنهم محجوبون عن الفتح الأعظم و الترقّي في مراقي القُرب ، والإجتماع بأرواح الأنبياء و المرسلين و الأقطاب و العارفين ، و مغلق عنهم باب الشهود ورؤية صور التجليات ، و مغلق عنهم باب العلوم اللدنية و المعارف القدسية ، ومغلق عنهم باب الوصل بالحبيب الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم

و السبب في ذلك “العلة الخفية” أو ما يسمى “دسائس النفس” أى أنهم لم يتطهروا الطهارة الكاملة التى يكون فيها العبد ظاهره مثل باطنه صافي صفاءً حقيقياً كالمرآة على الرغم أنه يؤدى العبادات كل ليلة و يزيد بالنوافل. لكن قلبه مسجون تحت رق الشهوات المتعددة مثل شهوة الجماع وشهوة الطعام والشراب و شهوة الكلام و شهوة الإختلاط للشهرة
فمثلاً إن كان رجلاً فإنه يطلق بصره في النساء وإن كانت إمرأة فإنها تطلق بصرها أيضاً فى الرجال
وشهوة الكلام و شهوة الإعجاب بالنفس و حب الظهور و أن يراه الناس شخصاً مؤمناً تقياً ورعاً

لكن ينبغى أن نُفرّق بين نوعين :

– الأول :

من يعرف علّته و لا يحاول أبداً أن يعالجها ، و هذا الشخص أبواب القرب و الوصال مغلقة أمامه

و كما قال سيدنا أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه : “حَكَم القدّوس ألا يدخل حضرته أصحاب النفوس” لأنهم رضوا بعللهم بل و تلذذوا بما يصدر عنها

و يقول الإمام أبو حامد الغزالي رضى الله عنه : “حضرة الله مُقدسة لا يدخلها إلا المُطهّرون” و الطهارة هنا طهارة الأنفس و القلوب

فمن رضي بعِلته كمن يأكل فى أرض القطيعة ، يرعى كل يوم فى مراعى البُعد و الغفلات ، يوطّن لنفسه مقعداً بمقاعد ضياع الأعمار

و قد تجد هذا النوع فى بعض المتصدرين بالعلم فتأخذهم آفة حب الظهور في وسائل الإعلام فيقعون فريسة سهلة للنفس و تمر عليهم الأيام و هم مع آفاتاهم فى إنسجامٍ تام ، يفرحون بشدة إذا أثنى الناس عليهم ، و ينزعجون بشدة أكثر إذا ذمّهم الناس أو ولوا عنهم ، و قد تراهم مجتهدين في عد الأذكار و يحصدون بالآلاف على السبحة

– جاء مريد إلى شيخه و أستاذه قال : إننى أقيم الفرائض و السنن و أردد أورادي كل ليلة
و لا أجد فتحاً و لا مدداً ، فما الأمر؟!!
فقال الشيخ :
فيك علة خفية في نفسك فاذهب و عالجها
فقال بغير صدق :
لا أعرفها .
فقال الشيخ :
{بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ*وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ}
.

– أمّا الثانى : فهو من يعرف علته و يجتهد كل يوم في معالجتها فتارة يغلب نفسه ، و تارة تغلبه.
فهذا مجتهد و لكل مجتهدٍ نصيب
قال تعالى : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} أى نهديهم طرق الوصول إلينا نظير مجاهدتهم .

فهذا يسارع في الدخول إلى أرض القبول يوطّن لنفسه بمقاعد العز الدائم و حضرة الأنوار لا يهمه ظهور و لا تحصيل علوم و شهادات و إجازات بل الذى يهمه هو المسارعة في رضا الله و رسوله لا يركن إلى رؤيا منامية و لا يغتر بثناء الناس عليه و لا بذمهم له ، لا يبالى بالناس إن أقبلوا إليه أو أدبروا عنه لأنه مشغول بنفسه يريد علاجها ليصح له الوصل ، لا يهمه تحصيل العدد من الأوراد اليومية
بل يهمه الفرار من أرض النفوس إلى حضرة القدوس

اترك تعليقاً