الاستعلاء الدينى عند السلفية الوهابية واليهود
8 فبراير، 2025
الماسونية والجمعيات الصهيونية

بقلم الدكتور / احمد عبد الرحيم
الباحث فى التاريخ الاسلامى
المقال الرابع عشر من سلسلة (زمن الدجال)
ذكرنا فى المقال السابق كيف تفرق الوهابية والسلفية الى فرقاً كثيرة ميتابية متعادية يكفر بعضها بعضاً ويقتل بعضها بعضاً فيا ترى ما هو ذلك السبب الذى ادى بهم الى كل هذا الكم من التفرق والتقتيل والتكفير؟
كما ذكرنا فى السابق ان سلفية هذا العصر ذهبوا مذهب اليهود ولم يتركوا منهم شئ الا فعلوه الذراع بالذراع والقذوة بالقذة ، والان نشير الى شئ استقر فى وجدان الوهابية واليهود على حد سواء وهو (الاستعلاء).
والاستعلاء المقصود لدينا هنا هو ذلك الذى ذمه رب العزة من خلق فرعون فقال تعالى “وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ” سورة الدخان 30 ـ 31 ، وذمه الله تعالى فى كل جبار فقال تعالى “تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ” سورة القصص الاية 83 .
فى البداية الى ان جوهر الاسلام هو ابتغاء وجه الله تعالى بأى عمل كان عبادة او معاملة او غيرها من اعمال القلوب حتى السكتات والسكنات ، قال تعالى “قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” سورة الانعام 162 ، وان اعمال الجوارح لا تصح الا اذا كان لها اساساَ من اعمال القلوب وهو الاخلاص ـ اخلاص العبادة لله تعالى ـ وان خفض الجناح والتذلل للمؤمنين وعدم الاستطالة بأى نعمة من نعم الله تعالى هى من لوازم صفات المؤمنين “وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ” سورة الحجر الاية 88، وقوله تعالى ” وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ” سورة الشعراء الاية 215 ، وقوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ” سورة المائدة الاية 54 .
ترى ما هو السر فى كل هذه الثقة التى يتمتع بها السلفيون والوهابيون فى ان يحكموا على غيرهم من المسلمين بالكفر والشرك والبدعة بمجرد الظن؟ وكيف لهم أن يحكموا بذلك على المسلمين وهم اقل الناس علماً وابعدهم من الاستنان بسنة النبى صلى الله عليه وسلم والتى لم تنقلها لنا الكتب فقط بل نقلتها لنا تلك الاجيال المتعاقبة من لدن النبى صلى الله عليه وسلموحتى الان وكان فى تلك الأجيال علماء ملئ السمع والبصر طبقت شهرتهم الافاق فى العلم والعمل والولاية والصلاح؟
ان ذلك النكير الذى اخذته الجماعات السلفية على عاتقها لما عليه جماعة المسلمين من مشارق الارض ومغاربها وصيحتهم فى المسلمين بأنهم مبتدعون ومشركون فسلوا على المسلمين سيف التكفير والتبديع سبقه اليهم اليهود فى اقوامهم؟ وكان منبع ذلك هو استعلاء اليهود على اقوامهم من بنى جلدتهم وعلى غيرهم من الشعوب!!
فهاهم السلفية يظنون أنهم على الحق والاسلام ثم يكفرون غيرهم من المسلمين ممن لا يحذون حذوهم ولا يعملون بعملهم فترى ذلك فى مصنفات قادتهم ومراجعهم كابن تيمية وابن عبد الوهاب وغيرهم ممن اخذوا عنهم التكفير؟
فهذا ابن تيمية ينكر على صحابة النبى صلى الله عليه وسلم وعلى الخلفاء الراشدين فتراه يخطئ سيدنا ابو بكر الصديق رضى الله عنه فقال عنه “انه اسلم شيخاً لا يدرى ما يقول ” ذكر ذلك ابن حجر العسقلانى فى الدرر الكامنة 153/1 وقال عن عثمان بن عفان ” انه كان يحب المال ” نقله عنه ابن حجر فى ذات المرجع السابق ، وقال عن على بن ابى طالب ” انه خالف نص الكتاب ـ يقصد القرآن الكريم ـ فى سبعة عشر موضع” الدرر الكامنة 114/1 ، ومنها أنه قال فى كتاب المنهاج 2-3 / 2 “وليس علينا أن نبايع عاجزاً عن العدل ولا تاركاً له، فائمة السنة يسلمون أنه ما كان القتال مأموراً به ولا واجباً ولا مستحباً” وغير ذلك الكثير ، ثم تراه يخوض فى سيدنا ابو بكر الصديق وسيدنا عمر بن الخطاب والسيدة فاطمة الزهراء وكذلك يخوض فى سيدنا الحسن بن على واخية الامام الحسين بن على رض الله عنهم اجمعين.
ونفس الامر تراه فى تلميذه المتخلف عنه بقرون (محمد بن عبد الوهاب) فترى ابن بشر يذكر كثيراً فى كتابه (عنوان المجد فى تاريخ نجد) بان محمد بن عبد الوهاب واتباعه هم المسلمون فقط دون غيرهم ، فلقد اسهب ابن بشر فى سرد سيرة محمد بن عبد الوهاب واصفاً ما يروجه شيخه ابن عبد الوهاب بأن تلامذته ومن أخذ عنه الفكر الوهابى هم المسلمين وغيرهم هم الكافرين ـ ويصدر الفتاوى الكثيرة فى وجوب جهاد الكفار والمشركين من جيرانهم فى نجد وغيرها من ديار الاسلام.
وننقل فيما يلى بعضاً مما ذكره ابن بشر فى كتابه (عنوان المجد فى تاريخ نجد) :
– يقول في سنة 1161 هـ (ثم غزا المسلمون ثادقاً فلم اقتربوا منها ليلاً غبأوا الجيوش و أعدوا الكمين فلما ظهر مقاتلة البلد عاجلهم الكمين فولوا هاربين و قتل منهم محمد بن سلامة وستة آخرون .. و أخذ المسلمون أغنامهم) – ص 102 –
– ويقول في ترجمة شيخه ابن عبد الوهاب (كان هو الذي يجهِّز الجيوش، ويبعث السرايا، ويكاتب أهل البلدان ويكاتبونه، والوفود إليه والضيوف عنده، والداخل والخارج من عنده) عنوان المجد، 1/91
– ثم يقول عثمان بن بشر النجدي (ثم أمر الشيخ بالجهاد وحضهم عليه فامتثلوا، فأول جيش غزا سبع ركايب، فلما ركبوها وأعجلت بهم النجائب في سيرها سقطوا من أكوارها لأنهم لم يعتادوا ركوبها، فأغاروا أظنه على بعض الأعراب فغنموا ورجعوا سالمين). عنوان المجد، ج1 ص 14-15
– جاء في الصفحة (97 تاريخ نجد) نقله الشيخ حسين بن غنام عن رسائل محمد بن عبد الوهاب.يقول محمد بن عبد الوهاب (إن عثمان بن معمَّر – حاكم بلد عيينة – مشركٌ كافر ، فلما تحقق المسلمون من ذلك تعاهدوا على قتله بعد انتهائه من صلاة الجمعة، وقتلناه وهو في مصلاه بالمسجد في رجب 1163 هـ). ويقول ابن بشر ايضاً(فلما سلَّم من الصلاة قام إليه من ذكرنا فقتلوه) عنوان المجد 1/23
وللعجب ترى من تخلف عنهم من السلفية والوهابية حذوا حذوهم وحرصوا على ذلك التقليد بل تراهم قد تشددوا عن اسلافهم وأكثروا التبديع والتكفير والتقتيل حتى أخربوا ديار الاسلام.
ولا عجب فى كل ما قد مر إذا تذكرت ان هؤلاء الاقوام يرون أنفسهم فوق غيرهم مستعلين عليهم بعقيدتهم التى يرون بها غيرهم كفاراً ومشركين حتى وان شهد غيرهم ان لا اله الا الله وان محمداص رسول الله وصلوا الى قبلتهم وصاموا صومهم وادوا زكاتهم وحجوا بيت الله الحرام ، كل ذلك لا يشفع لهؤلاء الناس عند الوهابية او السلفية ما داموا باينوهم فى المظهر وذكروا الله تعالى على غير طريقتهم او انهم زاروا ولياً لله تعالى او حتى اعتقدوا فى ولايته.
لقد اسكرت الامانى نفوس هؤلاء السفهاء حتى الثمالة فظنوا انفسهم الموحدون أحباب الله والقائمين على شئون التوحيد وان غيرهم مشركون وكفاراً.
ولا عجب ان ذكرنا ان السلفية والوهابية نحت منحى اليهود وسارت سيرهم ولم تخالفهم فى ذلك مقدار شعرة ، فلقد أخذ السلفية والوهابية ذلك الاستعلاء ولوازمه عن اليهود خلفاً عن سلف.
فاليهود لهم ذاتية تختلف عن غيرهم من الناس ، فانهم وان ضربت عليهم الذلة والمسكنة وظهر انكسارهم وذلهم للناس الا انهم يرون انفسهم جنساً آخر فوق البشر وعدوا انفسهم ابناءً للرب وخاصته وانهم شعب الله المختار دون غيرهم من الاجناس الاخرى فالاخرون مثلهم مثل الحيوانات لا يعيرونهم اهتماماً ولا وزناً ولقد اشار القرآن الكريم الى ذلك الطبع الذى جبلت نفوسهم عليه فقال تعالى “وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ” سورة المائدة الآية 18 ،
ويعتقد اليهود “أن أرواحهم من روح الله، وعنصرهم منعصره، ومن هنا كانوا أبناءه الأطهار الذين اصطفاهم، واختارهم فوق سائرالبشر بينما غيرهم من «الجوبيم» أرواح حيوانية أو شيطانية، ولكن الله خلقهمعلى صورة الإنسان لكي يتمكنوا من خدمة اليهود!!”.
وجاء فى سفر التثنية ٢/١٤: “لأَنَّكَ أَنْتَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ. إِيَّاكَ قَدِ اخْتَارَالرَّبُّ إِلهُكَ لِتَكُونَ لَهُ شَعْبَا أَخَصَّ مِنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ”.
وجاء فى التوارة فى سفر الخروج 6/6 : “أَنتُمْ رَأَيْتُمْ مَا صَنَعْتُبِالْمِصْرِيينَ. وَأَنَا حَمَلْتُكُمْ عَلَى أَجْنِحَةِ النُّسُورِ وَجِئْتُ بِكُمْ إِلَيَّ. فَالآنَ إِنْسَمِعْتُمْ لِصَوْتِي، وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي تَكُونُونَ لِي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ.فَإِنَّ لِي كُلَّ الأَرْضِ. وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ”.
وجاء فى التوراة فى سفر التثنية 7 / 5 ـ 8 النص التالى : “وَلكِنْ هكَذَا تَفْعَلُونَ بِهِمْ: تَهْدِمُونَ مَذَابِحَهُمْ،وَتُكَسِرُونَ أَنْصَابَهُمْ، وَتُقَطِعُونَ سَوَارِيَهُمْ، وَتُحْرِقُونَ تَمَاثِيلَهُمْ بِالنَّارِ، لأَنَّكَأَنْتَ شَعْبٌ مُقَدَّسَ لِلرَّبِّ إِلهِكَ. إِيَّاكَ قَدِ اخْتَارَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِتَكُونَ لَهُ شَعْبًاأَخَصَّ مِنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، لَيْسَ مِنْ كَوْنِكُمْ أَكْثَرَمِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ الْتَصَقَ الرَّبُّ بِكُمْ وَاخْتَارَكُمْ، لأَنَّكُمْ أَقَلُّ مِنْ سَائِرِالشُّعُوبِ. بَلْ مِنْ مَحَبَّةِ الرَّبِّ إِيَّاكُمْ، وَحِفْظِهِ الْقَسَمَ الَّذِي أَقْسَمَ لَآبَائِكُمْ،أَخْرَجَكُمُ الرَّبُّ بِيَدِ شَدِيدَةٍ وَفَدَاكُمْ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ مِنْ يَدِ فِرْعَوْنَ مَلِكِمصر”.
وجاء فى سفر اللاويين 2424/ 30: ” أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكُمُ الَّذِي مَيَّزَكُمْ مِنَ الشُّعُوبِ”.
وفيه ” إن الخارجين عن دين اليهود بمثابة خنازير نجسة تسكنالغابات”.
كما جاء في التلمود أيضاً: ” أيها اليهود إنكم من بني البشر لأنأرواحكم مصدرها روح الله، وأما باقي الأمم فليست كذلك لأن أرواحهممصدرها الروح النجسة”.
كان من لوزام ذلك الاستعلاء الذى يشعر به اليهود ان حكموا بتكفير غيرهم من المذاهب فى اليهودية وكذلك بتكفير غيرهم من الشعوب الذين كانوا بجوارهم أو عاشوا فيما بينهم بعد شتاتهم.