تحذيرٌ من الوقوع في سب دين من ليس على ملة الإسلام: خطرٌ عظيمٌ يهدد الإيمان والآخرة
8 فبراير، 2025
قضايا شرعية

بقلم : محمد نجيب نبهان ( كاتب وناقد و باحث تاريخي )
في ظل التغيرات العميقة التي يشهدها العالم الإسلامي اليوم، والانفتاح المتسارع على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، باتت هناك العديد من الظواهر التي تحتاج إلى معالجة فكرية ودينية، ومنها ظاهرة سب الدين. هذه الظاهرة أصبحت تجد لنفسها موطئ قدم في بعض الأوساط، خاصة حين يتعرض أحدهم لدين آخر، سواء كان دين الشيعة أو النصيرية أو غيرهما من الفرق التي تختلف مع الإسلام في بعض المبادئ العقائدية. وقد يظن بعض الناس أن سبهم لدين غيرهم من الطوائف أو الأديان لا يؤثر على دينهم أو إيمانهم، بل يُضعف من عقيدة الآخرين فقط. لكن في الحقيقة، ومن خلال التعمق في فقه الشريعة الإسلامية ودراسة أثر السب على الدين، نجد أن هذا السلوك يعرض مرتكبه لمخاطر عظيمة لا تقتصر على إلحاق الأذى بالآخرين، بل قد تؤدي إلى تقويض الإيمان الشخصي ذاته.
إن فهم هذه القضية يتطلب منا أولاً أن نتفق على أن الإسلام هو الدين الذي اختاره الله للبشرية، وهو الدين الذي ارتضاه لعباده، وكل ما سواه لا يُسمى دينًا في المعنى الصحيح لهذا اللفظ. ولذلك، فإن سب دين آخر، أيًا كان، لا يُعتبر مجرد هجوم على عقيدة معينة بل هو في جوهره تهجم على الدين الحق، وهو دين الفطرة، الذي لا يكون سوى الإسلام.
أولًا: الإسلام دين الفطرة الذي فطر الله الناس عليه
يجب أن نبدأ بالتمهيد لفهمٍ أساسي في الإسلام: الفطرة. فالإسلام ليس مجرد دين من الأديان التي أتى بها الأنبياء والرسل، بل هو الدين الذي فطر الله البشر عليه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ…” (رواه البخاري). هذا الحديث يوضح أن كل البشر يولدون على الفطرة، وهي الميل الفطري إلى الإيمان بالله وحده، وتوحيده، واتباع الدين الذي ارتضاه لهم. وبالتالي، فإن أي محاولة للانتقاص من هذا الدين أو السخرية منه تعدُّ انتقاصًا من الفطرة التي خلق الله الناس عليها.
إن من يعتقد أن سب دين الطائفة الفلانية أو العقيدة الفلانية من شأنه أن يؤثر فيهم، وأنهم بذلك ينتصرون لمعتقداتهم، هو في الحقيقة يجهل فحوى عقيدته ودين الفطرة الذي يرتبط به المسلم. فالإسلام لا يتجزأ، والاعتداء على أي طائفة أو معتقد، مهما كانت خلافاته مع الإسلام، لا يؤثر على عقيدتهم الخاصة، بل يؤثر في الإسلام نفسه باعتباره دين الفطرة الذي ارتضاه الله. لذلك، فإن سب دين أي طائفة كالنصيرية أو الشيعة أو غيرها، مهما كانت الخلافات الفكرية أو العقائدية، هو في الواقع سب للإسلام، لأنه دين الفطرة الذي يتضمن توحيد الله تعالى والإيمان برسله وكتبه.
ثانيًا: أثر سب الدين على الشخص نفسه وعلى دينه
إن السب لا يكون فقط كلمة عابرة تنتهي عند لحظة النطق بها، بل هو في الواقع فعل يحمل تبعات خطيرة على النفس والعقيدة. فالسب الذي يمس الدين لا يعد مجرد رد فعل ضد آخرين، بل هو بمثابة التجرؤ على الدين الذي ارتضاه الله لعباده، وبهذا الفعل يُظهر الشخص احتقارًا لما اختاره الله له ولغيره من خلقه.
من هنا، يجب أن نتوقف عند حقيقة أساسية في الإسلام وهي أن من يسب دينًا آخر سواء كان دينًا مختلفًا عن الإسلام كاليهودية أو النصرانية أو غيرها، أو حتى بين الطوائف الإسلامية المختلفة، فإنه في الحقيقة يسب دين الفطرة، وهو الإسلام. وسب الدين بهذا الشكل لا يعني فقط مهاجمة العقيدة بحد ذاتها، بل هو مساس بجوهر الإيمان الذي لا يعترف إلا بالإسلام دينًا حقًا. يقول الله تعالى في سورة آل عمران: “إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ” (آل عمران: 19). هذه الآية تُبين بوضوح أن الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده، وبالتالي فإن أي دين آخر لا يعدُّ في المفهوم الصحيح للدين الذي قبلته الفطرة.
ثالثًا: الرد على الاعتقاد الخاطئ بأن سب دين الشيعة أو النصيرية ينال من دينهم فقط
يميل بعض الناس إلى الاعتقاد بأن سب دين الشيعة أو النصيرية أو غيرهم من الطوائف يؤدي إلى تقويض معتقداتهم دون أن يؤثر على دين من يقوم بهذا السب. وهذه الفكرة في الحقيقة لا تمت إلى الحقيقة بصلة. فالسب الذي يمس دين الشيعة أو النصيرية لا ينال منهم بقدر ما ينال من دين الإسلام نفسه. يظن البعض أن من سب دين الطائفة الفلانية قد حقق انتصارًا لمعتقداته، لكن الحقيقة أن السب هو تجريح للإسلام نفسه باعتباره دين الحق والفطرة.
السب الذي يُوجه للطوائف المختلفة لا يحقق سوى مزيد من الفتن والفرقة، وهو في جوهره يضعف الأخلاق ويزعزع الاستقرار الاجتماعي. ولذلك فإن من السب الذي قد يظن البعض أنه ينال من غير المسلمين أو من المسلمين المختلفين عقائديًا هو في النهاية سب للدين الصحيح الذي ارتضاه الله – وهو الإسلام.
رابعًا: الدين الحق في الشريعة الإسلامية هو الإسلام
من المهم أن نركز على حقيقة شرعية أساسية في الإسلام، وهي أن الدين الحق هو الإسلام، وكل ما عدا ذلك من الأديان هو انحراف عن الفطرة. يقول الله سبحانه وتعالى: “وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مَنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ” (آل عمران: 85). هذه الآية الكريمة تبين أن كل من يختار دينًا غير الإسلام فلن يُقبل منه في الآخرة.
الاختلافات بين الطوائف الإسلامية والديانات الأخرى لا تنفي حقيقة أن الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده. وإن سب أي دين، سواء كان يخص المسلمين المختلفين عقائديًا أو الديانات الأخرى، هو في الحقيقة انتقاص من حقيقة الإسلام التي هي دين الفطرة.
خامسًا: العواقب الدنيوية والآخروية لسب الدين
السب لا يقتصر تأثيره على عالم الدنيا فقط، بل يمتد أثره إلى الآخرة، حيث يُحاسب المسلم عن كل كلمة قالها. وفي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا يهوي بها في النار سبعين خريفًا” (رواه الترمذي). هذه الكلمات النبوية تؤكد لنا أن حتى الكلمة الصغيرة قد تكون سببًا في دخول الإنسان إلى النار، إذا كانت هذه الكلمة تمس الدين أو تستهزئ به. فالسب هنا ليس مجرد رد فعل غاضب، بل هو فعل محرم قد يؤدي إلى الخروج عن دائرة الإسلام.
سادسًا: كيف نتجنب الوقوع في هذا المحظور؟
لتجنب الوقوع في محذور سب الدين، يجب على المسلم أن يتحلى بالتقوى والوعي الكامل بعواقب أفعاله وأقواله. يجب أن يتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت” (رواه البخاري ومسلم). يجب أن يحرص المسلم على استخدام اللغة الطيبة والبناءة، وعدم اللجوء إلى الشتائم أو السخرية التي قد تضر بالإيمان وتؤدي إلى الهلاك.
إن ظاهرة سب الدين لا تعدُّ مجرد ظاهرة كلامية عابرة، بل هي قضية خطيرة تؤثر في الشخص المؤمن نفسه وفي علاقاته بالآخرين. وفي النهاية، يجب أن نتذكر أن الإسلام هو دين الفطرة الذي لا يقتصر على عقيدة معينة أو طائفة معينة، بل هو دين لله تعالى، ودين الخلق أجمعين. إن سب الدين ليس مجرد هجوم على الآخرين، بل هو هجوم على الدين الحق ذاته. فلنتحفظ في كلماتنا، ولنتجنب كل ما يمكن أن يؤدي بنا إلى الوقوع في الفتنة أو الكفر، نسأل الله أن يوفقنا إلى الصواب، وأن يثبتنا على دينه الحق.