خولة بنت الأزور: البطلة الإسلامية التي أسقطتها الأيديولوجيات من مناهج التعليم السورية

بقلم : محمد نجيب نبهان ( كاتب وناقد و باحث تاريخي )

 

خولة بنت الأزور: البطلة الإسلامية التي أسقطتها الأيديولوجيات من مناهج التعليم السورية

التاريخ ليس مجرد وقائع مسجلة، بل هو مرآة تعكس هوية الأمم، وقيمها، وصراعاتها الفكرية. وعندما يتم حذف شخصية مثل خولة بنت الأزور من مناهج التعليم في سورية، فإن الأمر لا يتعلق بمجرد تعديل أكاديمي، بل هو إعادة توجيه مدروسة للسردية التاريخية، بما يخدم رؤية أيديولوجية معينة تسعى إلى طمس الرموز النسائية القوية التي لا تتناسب مع تصورها الضيق عن دور المرأة والمقاومة والجهاد.

تحت ذريعة أنها “شخصية وهمية”، اختفى اسم خولة بنت الأزور من كتب التربية الإسلامية، لكن خلف هذه الحجة يقف مشروع فكري يسعى إلى إعادة هندسة الذاكرة التاريخية للأجيال القادمة، عبر انتقاء ما يبقى وما يُمحى، وفق اعتبارات لا تخضع للعلم والتاريخ، بل لنظرة أحادية تريد أن تفرض قراءتها الخاصة للتاريخ الإسلامي.

ولكن، من هي خولة بنت الأزور؟
ولماذا أصبحت “شخصية مزعجة” لدرجة حذفها من المناهج؟
وهل هذه الخطوة انعكاسٌ لمحاولات أوسع لإعادة تشكيل الهوية الإسلامية؟

خولة بنت الأزور: الفارسة التي تحدت التقاليد

برزت في صفحات التاريخ الإسلامي أسماء كثيرة من الفرسان والمجاهدين الذين حملوا السيف دفاعًا عن الإسلام، لكن الأسماء النسائية في هذا السياق قليلة جدًا، ما يجعل كل واحدة منها ذات دلالة خاصة.

وخولة بنت الأزور لم تكن مجرد امرأة شاركت في الحروب، بل كانت قائدة محنكة، ومحاربة لا تقل شجاعة عن الرجال.

النشأة والانتماء القبلي

تنتمي خولة بنت الأزور إلى قبيلة بني أسد، وهي أخت القائد الإسلامي الشهير ضرار بن الأزور، الذي عُرف بشجاعته في معارك الفتح الإسلامي، وبرز اسمه في معارك اليرموك وأجنادين ضد الروم.

وكحال أخيها، نشأت خولة في بيئة تحترم الفروسية والشجاعة، وتدربت على القتال بالسيف والرمح وركوب الخيل، حتى أصبحت فارسة لا يُستهان بها.

كانت خولة تتمتع بمهارات قتالية عالية، وكانت مقاتلة جسورة تقاتل وسط الرجال دون أن تهاب شيئًا. وعلى خلاف الصورة النمطية للمرأة في ذلك العصر، لم تكن خولة مجرد داعمة للمحاربين، بل كانت تقود الهجمات، وتقاتل في الخطوط الأمامية، بل وتتخفى في زي الرجال أحيانًا كي لا يتم استبعادها عن القتال.

معركة أجنادين: حينما قلبت الموازين

أبرز ما ارتبط باسم خولة بنت الأزور هو معركة أجنادين عام 634م، حيث وقع أخوها ضرار بن الأزور في الأسر بعد مواجهة عنيفة مع جيش الروم. وعندما وصل الخبر إلى خولة، لم تنتظر تحرك أحد، بل ارتدت درعًا، وغطّت وجهها بلثام، وامتطت حصانها، واندفعت إلى قلب المعركة، تضرب بسيفها بلا هوادة، حتى تراجع فرسان الروم أمامها، ظانين أنهم يواجهون أحد أمهر فرسان المسلمين.

شجاعة خولة في المعركة لفتت انتباه القائد خالد بن الوليد، الذي أمر باستدعاء هذا الفارس المجهول، وعندما كشفت عن وجهها، صُدم الجميع بأن هذا الفارس الشجاع لم يكن سوى امرأة!

هذا المشهد، الذي ورد في كتاب “فتوح الشام” للواقدي، يعكس مدى شجاعتها وقدرتها على تجاوز الأدوار النمطية التي كانت تُفرض على النساء في بعض المجتمعات.

تحرير الأسيرات من سجون الروم

لم يكن دور خولة مقتصرًا على ساحة المعركة فقط، بل امتد ليشمل قيادة انتفاضات داخل معسكرات الأسرى. ففي إحدى المواجهات، وقعت خولة نفسها في الأسر مع مجموعة من النساء المسلمات، لكن بدلاً من الاستسلام، حرضت النساء على التمرد، ونجحن في الاستيلاء على أسلحة الحراس، وقتلن بعضهم، وهربن إلى جيش المسلمين.
هذه الرواية، التي أوردها المؤرخ ابن الأثير في “الكامل في التاريخ”، تؤكد أن خولة لم تكن مجرد محاربة، بل كانت أيضًا زعيمة قادرة على قلب الموازين حتى في أصعب اللحظات.

هل خولة بنت الأزور شخصية حقيقية أم مجرد أسطورة؟

أثار حذف خولة من المناهج جدلًا حول حقيقة وجودها. زعم البعض أنها شخصية مختلقة، لكن هذا التشكيك لا يستند إلى منهجية علمية دقيقة، لأن المصادر التي تتحدث عنها هي ذاتها التي تحدثت عن ضرار بن الأزور، ومع ذلك لم يتم التشكيك فيه!
هناك دوافع أيديولوجية خلف هذا التشكيك، فالبعض يرى أن إبراز نموذج المرأة المحاربة يتعارض مع رؤية متشددة لدور المرأة في الإسلام، ولهذا السبب تمت محاولات تقليل شأنها أو حتى إنكار وجودها بالكامل.

ولكن، حتى لو افترضنا جدلًا أنها شخصية غير موثقة بالكامل، فهذا لا يعني أن يتم حذفها من المناهج! لأن التاريخ ليس مجرد وقائع مثبتة بدقة مطلقة، بل هو أيضًا روايات تشكل الهوية الثقافية للأمة. وإذا تم تطبيق هذا المنهج الصارم، فإن شخصيات كثيرة ستُمحى من الكتب التاريخية، وليس فقط خولة بنت الأزور.

لماذا حُذفت خولة من المناهج السورية؟

لم يكن حذف خولة بنت الأزور من المناهج حدثًا عابرًا، بل هو جزء من مشروع أوسع لإعادة تشكيل الهوية التاريخية.

يبدو أن هناك تيارات فكرية ترى أن إبراز دور المرأة في الجهاد والتاريخ العسكري الإسلامي يتعارض مع رؤيتها المحافظة، ولهذا يتم التقليل من شأن النساء القائدات، وإخفاء النماذج التي لا تتناسب مع هذه النظرة الضيقة.

أيضًا، هناك رغبة في تقليص رمزية الجهاد في المناهج، إذ باتت بعض الجهات تفضل تقديم صورة أكثر هدوءًا للإسلام، تركز على الجانب الروحي والاجتماعي فقط، مع تجاهل البعد العسكري والجهادي الذي كان جزءًا لا يتجزأ من بدايات الإسلام.

خولة بنت الأزور: رمزٌ لا يُمحى

حتى لو حُذفت خولة من الكتب المدرسية، فإن ذاكرة الأمة لا تُمحى بقرار إداري. فالتاريخ الإسلامي ليس ملكًا لجهة معينة، ولا يمكن إعادة تشكيله وفق أهواء أيديولوجية محددة.

إن خولة بنت الأزور ليست مجرد شخصية تاريخية، بل هي رمزٌ للمرأة المسلمة القوية، القادرة على كسر القيود، والمشاركة في صنع التاريخ، لا مجرد مشاهدته من بعيد.

ويبقى السؤال الأهم: إذا كانت خولة قد حُذفت بهذه السهولة، فكم من الشخصيات العظيمة طُمست دون أن نعلم؟

اترك تعليقاً