جمع وترتيب فضيلة الشيخ : احمد ابو اسلام امام وخطيب بالأوقاف المصرية
(بتاريخ24/رجب 1446هـ ، الموافق24/يناير2025م )
عناصر الخطبة
١-نعمة الأمن مقدمة على باقي النعم
٢- الأمن منةٌ من الله على عباده
٣ـ وعد الله المؤمنين بالأمن
٤- أسباب جلب الأمن
المقدمة
الحمد لله على نعمه التي لا تُحصَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الآخرة والأولى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسوله النبي المُصطفى، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وأصحابه الأتقياء، أما بعد:
نعمة الأمن مقدمة على باقي النعم
فيا أيها المسلمون، أقف وإياكم في هذه الجمعة المباركة لأذكِّر نفسي وإياكم بنعمة جليلة ومِنَّة كبيرة، هي مَطلَب كل أمة، وغاية كل دولة، من أجلها جُنِّدت الجنود، ورُصِدت الأموال، وفي سبيلها قامت الصراعات والحروب؛ إنها نعمة الأمن، وما أدراكم ما نعمة الأمن؟! الهدف النبيل الذي تنشده المجتمعاتُ، وتتسابق إلى تحقيقه الشعوبُ، ولأهميته وعظيم مكانته دعا الخليلُ إبراهيمُ عليه السلام لأهل مكة فقال: ﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [البقرة: 126]،أكانت مصادفة أن يقدم نبي الله إبراهيم -عليه السلام- الأمن مرة على الرزق ومرة على العقيدة؟! فأما المرة الأولى ففي سورة البقرة عندما قال الله -تعالى- على لسان إبراهيم: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ)[البقرة: 126]، فقد قدَّم طلب الأمن على طلب الرزق، وأما الثانية ففي سورة إبراهيم، وتقول: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)[إبراهيم: 35] فقد دعا بالأمن قبل أن يدعو بتجنيبه الإشراك؟!
وأجيب بملء فمي: كلا، لم تكن أبدًا مصادفة، وكيف تكون مصادفة وقد عاد الجليل -جل وعلا- نفسه ليقدم نعمة الأمن على نعمة الهداية عندما قال -عز من قائل-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)[الأنعام: 82]، كيف ولما عرَّف رسولنا -صلى الله عليه وسلم- المؤمن عرَّفه بأنه من يقدم الأمان للناس، قائلًا: “المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم”(ابن ماجه)!
فالآن قد أتضح أن الخليل إبراهيم كان يعي ويقصد أن يقدم نعمة الأمن على ما سواها
فلنصحح السؤال إذن فنقول: لماذا قدَّم إبراهيم -عليه السلام- الأمن على العقيدة والرزق؟ ونجيب: لأنه إذا انعدم الأمن انعدمت -تبعًا له- أسباب الرزق؛ فتوقفت التجارة والصناعة والزراعة ولم يجد الناس عملًا يتقوتون منه، وإذا انعدم الأمن لم يأمن الإنسان أن يذهب إلى مسجده ليعبد ربه -عز وجل-، بل انشغل الناس بالفرار مما يخافون عن القيام خاشعين أمام من يعبدون!
ومن الملفت للنظر أيضًا أن الله -عز وجل- لما قرر حقيقة أنه لا بد من ابتلاء المؤمن ليُعلم قوة إيمانه، جعل أول ابتلاء قد يناله هو الخوف -وهو أصعب الابتلاءات وأشدها-، فقال الله -تعالى-:(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ)[البقرة: 155]، فقدَّم الابتلاء بالخوف على الابتلاء بالجوع والفقر…
ولا عجب؛ فإن الخوف قد يعرقل دعوة الدعاة إلى الله، قال الله سبحانه: ﴿ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ ﴾ [يونس: 83]، وتعاق سبل الدعوة، وينضب وصول الخير إلى الآخرين
وقد أشار موسى -عليه السلام- لهذا، فعندما أمره ربه -عز وجل- بالذهاب إلى فرعون وملائه قال: (رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ)[القصص: 33-34]، فأمَّنه الله -جل وعلا- من ذلك ليستطيع أداء رسالته قائلًا: (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ)[القصص: 35].
إن بانعدام الأمن ينقطع تحصيل العلم، وملازمة العلماء، ولا تُوصَل الأرحام، ويئن المريض، فلا دواء ولا طبيب، وتختل المعايش، وتهجر الديار، وتفارق الأوطان، وتتفرق الأسر، وتنقض عهود ومواثيق، وتبور التجارة، ويتعسر طلب الرزق، وتتبدل طباع الخلق؛ فيظهر الكذب، ويلقى الشح، ويبادر إلى تصديق الخبر المخوف، وتكذيب خبر الأمن.
وقد ظلت دعوة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- مختبئة سرية سنوات عدة خوفًا من أن يجتثها كفار قريش في مهدها، وقد كاد أن يحدث ذلك يوم أن أحاطوا ببيت النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة الهجرة، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تاركًا دار الخوف إلى دار الأمان في المدينة المنورة حيث كانت الانفتاحة الكبرى وأُسست للمسلمين دولة قد توافر لها حد مناسب من الأمن والاستقرار…
• ووعد الله نبيَّه محمدًا وأصحابه بأداء النسك على صفةٍ تتشوَّف إليها نفوسهم؛ وهي الأمن والاطمئنان، قال الله جل وعلا: ﴿ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ﴾ [الفتح: 27].
لذلك استنبط العلماء من هذه الآية أن من شروط وجوب الحج: الأمن، فإذا وجد الإنسان نفقة الحج ولم يكن الطريق إليه آمناً فلا يجب عليه الحج قولاً واحداً، قال الله تعالى: } فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ { (البقرة: 196). ولما أخبر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم بأنهم سيدخلون البيت الحرام ويؤدون نسكهم بعدما صدهم المشركون عنه قرن ذلك بالأمن .
وانظروا كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى الحديبية كان معه خمسمائة وألف من أصحابه، فلمَّا انعقد الصُّلح وكان من بنوده: وقف الحرب عشر سنوات يأمن فيها الناس، دخل كثير منهم في دين الله، فبعد عامين وبضعة أشهر خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم لفتح مكة عشرة آلاف من المسلمين.
ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح منح أهل مكة أعظم ما تتوق إليه نفوسهم، فأعطى الأمان لهم، وقال: “مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ”؛ رواه مسلم.
الأمن منةٌ من الله على عباده
•الأمن منةٌ من الله على عباده لذلك امتنَّ اللهُ على ثمود قوم صالح نَحْتَهُم بيوتهم من غير خوف ولا فزع، فقال عنهم: ﴿ وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ ﴾ [الحجر: 82].
• ويوسف عليه السلام يخاطب والديه وأهله ممتنًّا بنعمة الله عليهم بدخولهم بلدًا آمنًا مستقرًّا تطمئن فيه نفوسهم: ﴿ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ﴾ [يوسف: 99]،
ويقول سبحانه ممتَنًّا على قريش بنعمة الأمن: ﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 4].
والعرب قبل الإسلام كانت تعيش حالة من التمزُّق والفوضى والضياع، تدور بينهم حروبٌ طاحنةٌ، ومعارك ضارية، وعلت مكانة قريش من بينهم؛ لاحتضانها بلدًا آمنًا؛ قال الله جل وعلا: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ﴾ [العنكبوت: 67]؛ بل وأقسم الله بذلك البلد المستقر الآمن فقال: ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ﴾ [التين: 1 – 3].
وحبس الله عن مكة الفيل، وجعل كيد أصحاب الفيل في تضليل؛ لتبقى الكعبة البيت الحرام صرحًا آمنًا عبر التاريخ، وفضَّل البيت الحرام بما أحلَّ فيه من الأمن والاستقرار، فقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ﴾ [آل عمران: 97]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا ﴾ [البقرة: 125].
-. ومما اختصَّت به مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمنها حين تفزع القرى من الدَّجَّالِ، لَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ”؛ رواه البخاري.
وعد الله المؤمنين بالأمن
• ولأهمية الأمن كذلك فإن الله تعالى وعَد المؤمنينَ بأن يجعل لهم بدلًا من الخوف الذي يعيشون فيه أمنًا واطمئنانًا، وراحةً في البال، وهدوءًا في الحال، إذا عبدوه وحدَه واستقاموا على طاعته، ولم يشركوا معه شيئًا، قال الله تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55].
ومن نعيم أهل الجنة في الجنة أمن المكان لا خوف ولا فزع ولا تحول، قال الله تعالى: ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ ﴾ [الحجر: 46]، وقال سبحانه: ﴿ وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾ [سبأ: 37]، وقال جل وعلا: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ﴾ [الدخان: 51].
وممَّا يدلُّ على حاجة المرء للأمن أنه كان أحد المسائل التي سألها النبيُّ صلى الله عليه وسلم ربَّه، فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: “اللهم أَهِلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لِمَا تُحِبُّ وترضى، ربُّنا وربُّكَ اللهُ”؛ رواه ابن حبان؛ والمعنى: اجعل رؤيتَنا للهلال مقترنةً بالأمن من الآفات والمصائب، وبثبات الإيمان فيه، والسلامة من آفات الدنيا والدين.
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: “اللهم اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وآمِنْ رَوْعَاتِي”؛ رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه.
أسباب جلب الأمن
عباد الله، حق على كل مسلم أن يعمل جاهدًا على استتباب الأمن والأمان، وأن يكافح من أجل تحقيقه، وأن يقوم على توفير “
وفي سبب نزول هذه الآية يقول أبو العالية: “مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين بعد ما أُوحي إليه خائفًا هو وأصحابه، يدعون إلى الله سرًّا وجهرًا، ثم أمر بالهجرة إلى المدينة، وكانوا فيها خائفين يصبحون ويمسون في السلاح، فقال رجل: يا رسول الله، أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح؟ فقال عليه السلام: “لا تلبثون إلا يسيرًا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيًا ليس عليه حديدة”، ونزلت هذه الآية، وأظهر الله نبيَّه على جزيرة العرب، فوضعوا السلاح وأمنوا”؛ (تفسير القرطبي)، وما زال هذا الوعد ساريًا في حق كل من استتم شروطه.
ثانيًا: شكر نِعَم الله تعالى، ومن أجلها نعمة الأمن، فإنه بالشكر تدوم النعم وتزداد، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]، والعكس بالعكس؛ فبكفر النعم تزول، ويحل محلها العذاب بالخوف.
أيها الإخوة المؤمنون: كيف نشكر هذه النعم ومن أبرزها نعمة الأمن والطمأنينة إذا رجعنا إلى المرحلة الأولى من الدعوة الإسلامية من خلال القرآن الكريم فنجد أن الله تعالى يذكر المؤمنين من الرعيل الأول بعد هجرتهم إلى المدينة المنورة ((واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيّدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون)) [الأنفال:26] حيث كانوا قليلين فكثّرهم، ومستضعفين خائفين فقواهم ونصرهم ، وفقراء عالة فرزقهم من الطيبات واستشكرهم فأطاعوه وامتثلوا جميع ما أمرهم به هذا هو حال المؤمنين بمكة مع إسقاط ذلك على أحوال المؤمنين .
ثالثًا: المودة والتآلف وإصلاح ذات البين: فالأمان والطمأنينة تبع ونتيجة لانتشار الحب والإخاء بين المسلمين، وقد حثنا رسولنا صلى الله عليه وسلم على الصلح بين المتخاصمين؛ فإن الخصومة هي بذر للخوف، وتبديد للأمن في المجتمع، فعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟”، قالوا: بلى، قال: “صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة”، ويُروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين”؛ الترمذي.
رابعًا: عمل الحسنات واجتناب السيئات، فإن الذنوب والمعاصي نذير الشؤم، ومجلبة الشر، وحلول الخوف محل الأمن، وإن فعل الحسنات والقربات والصالحات أمان من كل خوف وفزع في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ﴾ [النمل: 89].
خامسا : الخوف من الله عز وجل فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما يرويه عن ربه جل وعلا أنه قال : ( وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين ، إذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة ، وإذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ) أخرجه ابن حبان في صحيحه
أمر الله عباده بالخوف منه ، والإكثار من الحسنات وتجنب السيئات وجعل هذا شرطاً للإيمان به سبحانه فقال :{ إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين } (آل عمران: 175) ، ومدح أهله في كتابه وأثنى عليهم بقوله : { إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون } إلى أن قال : { أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون } (المؤمنون: 57-61) ، وبين سبحانه ما أعده الله للخائفين في الآخرة فقال : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } (الرحمن: 46) ، وهذا الحديث العظيم يبين منزلة الخوف من الله وأهميتها ، وأنها من أجل المنازل وأنفعها للعبد ، ومن أعظم أسباب الأمن يوم الفزع الأكبر .
سادسا: الدعاء بدوام الأمن والاستقرار، فقد سمعنا الخليل إبراهيم عليه السلام وهو يدعو فيقول: ﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا ﴾ [البقرة: 126]، ومرة قال: ﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا ﴾ [إبراهيم: 35]، فلندْعُ إذن لأوطاننا ولأهلينا ولبيوتنا ولطرقاتنا ولقلوبنا ولنفوسنا أن يرفرف عليها الأمن والأمان والطُّمَأْنينة والوئام والسلامة والإسلام، وأقِمِ الصلاة.