بقلم المؤرخ الداعية : عمر عبد الناصر الأزهرى
انقسم العلماء والمؤرخون حول نسب الدولة الفاطمية ، وهل المهدي ينتسب فعلاً إلي السيدة فاطمة الزهراء وإبنها الحسين أم لا وهم فى ذلك طائفتين
الأولي أنكرت هذا النسب وهم غالبية علماء السنة وبعض الشيعة أيضاً وذكروا أنه أي المهدي ينتسب إلي عبدالله بن ميمون القداح الفارسي الذي كان أحد دعاة الشيعة في عهد الأئمة المستورين ثم أغتصب هذا الأمر لنفسه وأولاده من بعده وأتي هؤلاء العلماء بالكثير من الأدلة المؤيدة لرأيهم لا يسع المجال هنا لذكرها ومن أهم هؤلاء العلماء والمؤرخين أبوبكر الباقلاني وابن خلكان وابن واصل وابن عذاري والذهبي،
أما الطائفة الثانية وغالبيتها من الشيعة وبعض المؤرخين السنة وهم ابن الأثير وابن خلدون والمقريزي وبعض علماء الشيعة مثل القاضي النعمان فقد اثبتوا صحة هذا النسب وأيدهم فى ذلك بعض المؤرخين المحدثين مثل الدكتور حسن إبراهيم حسن والدكتور سعيد عاشور والدكتور فرحات الدشراوي وغيرهم
ونحن نري أن الطائفة الثانية أخطأت في رأيها بالتأكيد علي أنه من نسب الفاطميين لعدة أسباب أولها أن الأئمة منذ عهد الإمام محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق كانوا مستورين وأن الذي نظم موضوع استثار الأمام وحمايته هو ميمون القداح بحيث لا يراه ولا يتصل به ولا يعرف مكانه إلا كبير الدعاة الذي لقب بالقيم أو الوصي وكان ميمون هو القيم وخلفه أبناؤه من بعده فى هذا المنصب فمن أين علم هؤلاء بصحة النسب ولم يكن يعرف الأئمة وذريتهم سوي هذا القيم أو كبير الدعاة
ثانياً ذكر المؤرخ ابن الأثير وهو من المؤرخين الذين يستند إليهم مؤيدي صحة النسب أن ميمون القداح كبير دعاة الإسماعيلية تعلم فى أصبهان علي رجل يعرف بمحمد بن الحسين الملقب بدندان وكان يبغض العرب ويجمع مساويهم وعلم ميمون ذلك وأشار عليه أن لا يظهر ما فى نفسه إنما يكتمه ويظهر التشيع والطعن علي الصحابة فإن الطعن فيهم طعن في الشريعة فاستحسن القداح قوله وأعطاه دندان مالاً عظيماً ينفقه علي الدعاة إلي هذا المذهب وتنقل القداح بين الأهواز والبصرة والكوفة وغيرهم وخلفه أبناؤه من بعده فكيف يؤتمن مثل هذا الرجل وأبنائه علي الأئمة من أهل البيت وذريتهم وهم بهذا الحقد على العرب والصحابة بل والإسلام أيضاً وما الذي يمنعهم من قتل الإمام ونقل الإمامة إلي أحد أبنائهم وهم واثقون أنه لن يعلم أحد بذلك غيرهم،
ثالثاً لقد حقق الدعاة فى بعض البلاد نجاحاً فى جذب أنصار جدد للمذهب الإسماعيلي فما الذي يحدث إن لم ينجب أحد الأئمة أولاداً وهذا أمر وارد فهل يترك داعي الدعاة هذا النجاح ويعلن عدم وجود إمام يدعو له أم سيأتي بغلام ولو من فرع آخر من آل البيت أو من أولاده ويعلن أنه الإمام حتي لا تضيع جهود دعاته سدي،
رابعاً أهمل المؤيدون للنسب والمنكرون له رأي مؤرخ كبير له قدره الكبير بين المؤرخين وربما كان أفضل من نرجع إليه فى هذا الأمر لأنه عاصر قيام الدولة الفاطمية ورواياته مؤثقة علي طريقة أهل الحديث وهو الشيخ الطبري الذي أتهمه الحنابلة بالتشيع والرفض وقد وصفه ابن كثير والذهبي وغيرهم بأنه لا تأخذه فى لومة لائم فقد ذكر الطبري الخليفه المهدي بأسم ابن البصري فى أكثر من موقع ولم يذكر أنه المهدي ولا فاطمي وربما اختار هذا الاسم لأن ميمون القداح عاش فى البصرة عدة سنوات،
خامساً ورد فى المصادر وعلي رأسها الطبري خروج ثائر علي الخلافة العباسية سنة ٢٨٩هجري ٩٠٢ميلادي بالشام وادعي أنه أبو عبيدالله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر ولكن جيوش الخلافة العباسية قضت عليه وقتلته فماذا كان يحدث لو أن هذه الثورة نجحت وقامت دولة فاطمية فى بلاد الشام حينذاك كنا سنجد من العلماء من يثبت صحة نسبهم وخاصة علماء الشيعة نكاية فى العباسيين ومن سيكون صادقاً فى هذا الوقت فاطميي المغرب أم الشام وخاصة أن الأسم الذي ادعي الإمامة هنا وهناك متشابها،
سادساً قام أخو داعي الشام ويسمي الحسين بن زكرويه بغزو بعض مدن الشام مع أنصاره وخاصة مدينة سلمية سنة ٢٩٠هجرية/ ٩٠٣ملادية التي كان بها أئمة الإسماعيلية فقتل كل من وجده من بني هاشم بل وأهل المدينة بكاملها حتي خرج منها وليس بها عين تطرف فكيف بقي المهدي حياً وذكرت بعض المصادر أنه خرج منها سنة٢٩٢هجرية/٩٠٥ميلادية وإذا كان قد خرج قبل ذلك كما ورد فى بعض المصادر الأخرى فمن يشهد بصحة نسبه وقد قتل جميع بني هاشم الذين كانوا يعيشون معه فى سلمية،
سابعاً أختلف علماء الشيعة أنفسهم حول نسب المهدي وهل كان من العلويين أم لا وكثير منهم يري أنه إمام مستودع أي وصي علي الإمام المستقر وهو أبوه القاسم الذي تولي الخلافة الفاطمية بعده وهو الذي ينتسب إلي العلويين أما المهدي فمن أسرة ميمون القداح ويستندون فى ذلك إلي رواية إحدي نساء المهدي التي قالت لولد المهدي ونسائه بعد وفاته والله لقد خرج هذا الأمر من هذا القصر تعني قصر المهدي فلا يعود إليه أبداً وصار إلي ذلك القصر تعني قصر القائم فلا يزال فى ذرية صاحبة ما بقيت الدنيا فلو كان أبناء القائم من ذرية المهدي لما عبرت هذه السيدة بذلك لأنه يدل علي أن ذرية المهدي غير ذرية القائم أبو القاسم ولو صدقت هذه الرواية التي رواها الشيعة لتبين كذب المهدي الذي أدعي أن القائم ابنه فكيف نصدقه فى أن الغلام الذي كان معه من أسرة العلويين،
ثامناً ألتزم الأئمة من آل البيت فى الدولة التي أسسوها بسنة جدهم سيدنا محمد صل الله عليه وسلم مثل دولة الأدارسة فى المغرب لأنهم ليسوا شيعة وإنما الشيعة هم أنصارهم بينما طبق المهدي ومن بعده مبادئ الشيعة وحادوا عن مذهب أهل السنة وأدخلوا الكثير من البدع فى الدين وبدأ بذلك المهدي الذي ساوي فى الميراث بين المرأة والرجل ووصل الأمر ذروته فى عصر الحاكم الذي أدعي الألوهية والعياذ بالله،فهل إلي آل البيت ينتسب هؤلاء؟
تاسعاً يستند المسبحي فى الرواية التي نقلها عنه المقريزي ويؤكد بها صحة نسب الفاطميين علي بعض الأحداث التي رواها حفيد أبي عبدالله الشيعي كبير دعاة المهدي ومؤسس دولته فهل شهادة حفيد الداعي الذي أفني حياته فى خدمة الفاطميين تكفي دليلاً لصحة نسبهم وهل ينتظر منه أن يشهد بأن جده أفني حياته لدعي أنتسب إلي العلويين ولم يكن صادقاً فى دعوته لذلك نري بعدما عرضناه من أدلة أن الفاطميين ليسوا من آل البيت أو علي الأقل مشكوك فى نسبهم وليس باستطاعة أي مؤرخ فى ظل الظروف التي نشأوا فيها أن يؤكد صحة نسبهم لان آل البيت أنفسهم لم يتأكدوا من ذلك وبعضهم أنكره علناً ممن كان معاصراً لهم ويذكر المؤرخ ابن الأثير أن بعض العلويين فى عصره القرن السابع الهجري أكد صحة النسب فكيف عرفوا ذلك بعد أكثر من ثلاثة قرون بينما لم يعرفه من كان فى عصرهم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
المصادر والمراجع :
الدكتور حسين مؤنس تاريخ المغرب.
الكامل فى التاريخ للإمام ابن الأثير.
تاريخ الأمم والملوك للإمام الطبري.
الدكتور طه أحمد شرف.