بقلم الدكتور : مصطفى عبد الله – الباحث في العلوم الإنسانية
في الظلام الحالك، حيث تسكن الرياح الهادئة التي لا تحمل إلا أصداء الذكريات البعيدة، تختبئ “قنابل موقوتة” في زوايا الشوارع الضيقة، حيث يتيه أطفال الشوارع في أفق لا يعرفون له نهاية.
أطفال الشوارع، هؤلاء الذين لا يمتلكون من الدنيا سوى خيباتها، يمشون بيننا كأنهم لا شيء، مع أنهم يحملون في داخلهم كل شيء.
يحملون الوجع الذي لم نتوقف عنده يوما، والأمل الذي تركه العالم خلفه.
هم القنابل الموقوتة التي تنتظر اللحظة المناسبة لتنفجر في وجه واقع مرير لا يرحم.
هؤلاء الأطفال هم مرآة لعيوب مجتمعنا، وهم الأسئلة التي نرفض أن نسمعها.
ليسوا ضحايا الحياة وحسب، بل هم ضحايا غفلتنا ورفضنا أن نمد لهم يد المساعدة.
إنهم يحترقون في صمت، لكنهم لا يرضون بالاستسلام، رغم أن كل خطوة يخطونها تزيد من المسافة بينهم وبين الأمل في عيونهم، تختبئ قصص لم نقرأها، وعواطف لم نلمسها، وأحلام لن نعرفها حتى ندرك متأخرين أننا تركناهم يتآكلون في الظلام.
متى بدأنا نرى فيهم مجرد أرقام؟
ومتى تخلينا عنهم إلى حد أن أصبحوا مجرد “قنابل موقوتة” لا نعبأ بها؟ أليست هذه القنابل تحمل في داخلها قلوبًا ترفرف بالأمل، ولكنها محاطة بحطام الحياة الذي أوقعها في هذا الحصار؟ أما آن لنا أن نستفيق ونرى أنهم ليسوا مجرد أطفال ضائعين، بل هم صوت المجتمع الذي أغفلته ضوضاء الحياة؟
في كل لحظة يمرون فيها بشوارعنا، يدق قلبهم بصوت منخفض، يصرخ فينا: “هل نحن جزء منكم؟ هل هناك مكان لنا في عالمكم؟” لكننا، للأسف، لا نسمع هذا الصوت، وكأننا نرفض أن نعلم أن القنابل التي نراها اليوم قد تتحول إلى حروب فردية في المستقبل، حروب لا نعلم متى ستبدأ، ولا كيف ستنتهي.
القنبلة لا تنفجر في لحظة، بل تنفجر عندما يضغط على الزر.
هؤلاء الأطفال هم الزر الذي ضغطنا عليه بإهمالنا وتجاهلنا، وهم الذين سيحددون مصيرنا في يوم ما.
هذه القنابل الموقوتة لا تأتي من السماء، بل من قلوبنا التي أطفأها العجز، من أفكارنا التي تركت طي النسيان، من أيدينا التي لم تمتد إليهم.
إذا استمررنا في تركهم يتساقطون في الظلام، فلن نجد في النهاية إلا ظلالنا، ونحن نتخبط في ركام من الأوجاع التي زرعناها بأيدينا.
فهل ننتظر حتى تنفجر تلك القنابل في وجوهنا؟ أم سنظل نرفض أن نسمع أصواتهم الصادقة، وهم يصرخون في كل لحظة، محملين بحلم لم نمنحهم فرصة لتحقيقه؟
لن تنفجر تلك القنابل في صمت، لكنها ستنفجر فينا في لحظةٍ ما، لحظة لن يكون أمامنا فيها سوى أن نواجه أنفسنا.