أساطير الأخرين

 

بقلم الشيخ : سيد الشاعر الشافعي الأزهري

إنَّ مِمَّا صَفَعَنِي به القدر صحبة هؤلاء ، الذين مُجَاورتهم كالسُّمِ القاتل ليس له مُضَادّ ، بُدِّلْتُّ بصحبة الأخيار أشراراً! ، وبالعُبَّاد الصالحين فُجَّاراً! ، وبالمهتدين المُتَمَلْمِلِين بالأسحار مُضِلِّين حيارى وسكارى.

   لله ما أقْسَى هذه الأَخْذَة ، وأنَّى يَسْتَبِيْنُ لك الحال بذكر هذه النُّبْذَة ، بل أكتفي بلهيب الكلمات يُجَابِهُك ، وبأزيز مَصْدُور يَلْفَحُ سمعك ، فاحْمِدِ اللهَ على أنَّك سمعتَ لا رأيتَ فلو رأيت لخُطِفَ بصرك ، أحوالٌ كالأهوال ، وأهوالٌ كالجبال شمٌّ شامخات ، إن أردت أن تعرف هؤلاء القوم معرفتي كصاحب ( وأعني بالمصاحبة الملازمة لهم على كرهٍ مني ) ، فهيئ نفسك للخوض في لُجَج المتاعب ، واسْتَمِع لحديثي استماع الحاضر الغائب .

     إنَّ هؤلاء القوم لو أردتُ أن أُجمل لك وصفهم ، فليس الله لهم على بال ، وهذا والله أعظم البلاء ، تنشق الأرض من هوله وتَخِرُّ له السماء ، بل وتَنْدَكُّ له الجبال ، هذا هو الإجمال! ، أما التفصيل فذاك صندوق العجائب اجتمعت فيه كل الرَّزَايَا ، وفي الزوايا خبايا ولم يبقى في الناس بقايا إلا من رحم الله تعالى.

   هؤلاء القوم قُدَّت قلوبهم من صَخْرٍ غير أن الصَّخْرَ أَلْيَن ، وإنْ لَانَ لك فاعلم أنه لحاجة إذا قضاها فلا يعرفك ، يَقْرِضُون السبَّ والأذى كما تَقْرِضُ العربُ الشِّعرَ ، أقطابٌ في باب الحِيَل يتنقل من حيلة لأُخرى ليستخرج منك ما أراد ، منشغلون بـتَفِه الأُمور وأدقِّها ، يجتمعون للسفاسف كما يجتمع للعظائم أهل الحلِّ والعقد ، ” ولله الأمر من قبل ومن بعد “.

    عالمٌ خاصّ من نوع فريد له قوانينه وأساليبه ومقوِّماته ليس هناك ما يسمى بالفرْح ، إلا رجلاً أُرِيْدَ به الخير فَنُودِيَ عليه بالفَرَج ، أما الضحك والتَّبَسُّم والسُّرور فضَرْبٌ من الخَيَال وليس عليَّ فيما قلتُ من حرج ، لكنه مَرْتَعٌ للفكر عجيب لو خالطه شيء من الصَّفَاء ، وكيف يصفو الفكر في هذا المَرَج ، فصَائحٌ يصيح ونائحٌ ينوح ، يحتاج المُصْلِحُ لتهذيبهم أن يَعَمَّر مثل ما عُمَّر نوح ، وسبٌّ وقذف ، وتنخم وتف ، وهائم على الأنغام راقص ، وشرذمة ( مفذلكة ) أخذوا في سرد النقائص ، الغيبة في هذا العالم مباحة ، لا وقت للإخاء وجلُّ حديثهم وصف الفاتنات من النساء ، وأغلب صياحهم هذيان يجلب الغثيان سمَّوْهُ زُورَاً طرباً وغناء.

    جُلُّ من قابلتهم عنترة ، في سردهم للبطولات والجرأة والشجاعة ، إذا حمي وطيس المُهَاتَرَة لم أجد ساعتها (شيبوبَ ) إلا أنا ، فما فتحتُ بطنَ أَحَدٍ أبداً اللهم إلا بطن كتاب ، وما قتلتُ إلا بحثاً أو بحثين ، ولا قطعت إلا وريقات ، ولا أسلت إلا حبر أقلامي ، فعلمت حينها أنني بحق ( شيبوب ) ، أين أنا في ساحات هُرَائِهم ، وأي ركب يبلغ شأو ركابهم ، كلماتهم ونصائحهم على جدران الخلاء مكتوبة! ، أقدامهم لرفع لوائها منصوبة ، لو بُحْتُ لك بهذه النصائح فلعلَّك تموت ضحكاً غير أني أخشى انعدام المثوبة .

  وإذا قابلتَ رجلاً عاقلاً يُخَيَّلُ إليك أنه أُوتِي جوامع الكلم ، فإذا دار الكلام واشتعلت نيران المناظرة استشعرت قول القائل :

” لقد استسمنت ذا ورم ونفخت في غير ضرم”.

تعليق واحد

  1. فى منتهى الروعة
    سرد جميل وأسلوب بديع
    خالص تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *