هل جربت مرة أن تترك نفسك ولو للحظات معدودة للعيش فى سهو سعيد أو مريح اسمه سهو الفناء؟! .
ما هو العيش فى سهو الفناء ؟! .
أسمعك تقول هو الدواء الشافى لخوفنا وقلقنا وأحزاننا وكآبتنا وبغضنا لبعضنا البعض ،وتفكيرنا الأحمق فى الدنيا والناس .
هو أن نبصر أنفسنا ومن حوالينا ، ومن سيأتون بعدنا فى مستقبل الأيام ، ومن مروا من هنا من مئات وألوف السنين __عظام و رفات صماء بكماء كالجماد لا حياة فيها ولا رجاء ، متروكة مهملة منسية بين ملايين الترب المختلطة فى خفاء وراء خفاء وراء خفاء! .
يا الهى من هؤلاء ومن نحن ؟! .
هذا هو العيش فى سهو الفناء يا صديقى ، فمن أين بعد هذا يأتيك الهم ، وكيف للمتكبر بعد هذا أن يستأنف كبره ؟! .
وإنى والله لأستشعر راحة واطمئنان عظيمين من هموم الدنيا ومتاعبها كلما أبصرت أنى وغيرى والكل سنصير ترابا وعظاما .
هذا الشعور يكبر كبيرا فى ضوء شعورى بالسالفين الذين صاروا ترابا وعظاما .
من سأكون يا ترى وقتها ، ومن يكونون الآن الذين صاروا عظاما وترابا قبلى .
يكاد كيانى كله يتحول إلى دهشة كبيرة جدا تجاه هذا الشعور الجبار العاصف بكل شيء غيره من مشاعر وأفكار .
هذا الشعور الذى يدفعنى دفعا إلى التعجب المبكى والمفرح فى آن ؛ كلما وقفت على مقبرة متهدمة عتيقة كانت قد ابتلعت كثيرا من الموتى :
ما هذه العظام الكثيرة المختلطة بالتراب الكثيف والذى يغطي معظمها ؟! .
من هؤلاء أصحاب هذه العظام والرفات ومن أعداؤهم ومن محبيهم ، وأين جلساتهم وحكاويهم ، وفتنتهم وأحزانهم وأتراحهم ، والمسائل التى كانوا يناقشون ؟! .
هذه الجمجمة الفارغة الساكنة الجامده : على ماذا كانت تظلم أو تتعالى أو حتى تحزن أو تفرح! .
فاللهم يا ربنا رحمتك يا ربنا حين يغور عهدنا ويبتلعه المحيط العظيم الذى إسمه الزمن .
اللهم عنايتك حين تنسى أسمائنا وأحاديثنا ولقاءاتنا وأسمارانا وينتهى ذكرنا من هذا الوجود .
اللهم ودك بعد تعاقب الأجيال العديدة علينا وحدوث المحو .
اللهم عفوك حين لا يكون لنا إلا أنت حقا .. حين نؤول محض رفات بالية فى الترب القديمة التى يمر عليها العابر ولا يأبه .