ذو القرنين

بقلم الشيخ / أحمد عزت

اسم لشخصيةٍ ذكرها القرآن الكريم حار العلماء في معرفة حقيقتها، واختلفوا حول اسمه الحقيقي، ولكن القاسم المشترك بين جمهورهم أنه كان ملكًا موحدًا من ملوك الأرض وعبدًا صالحًا مسلمًا، متبعًا للرسالات السماوية التوحيدية في عصره، طاف الأرض يدعو إلى الإسلام ويقاتل عليه من خالفه، فنشر الإسلام –الذي هو منهج جميع الأنبياء والرسل- وقمع الكفر وأهله وأعان المظلوم وأقام العدل.

وقد صح عن مجاهد أنه قال: “ملك الأرض مشرقها ومغربها أربعة نفر: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان: سليمان بن داود وذو القرنين، والكافران: بختنصر ونمرود بن كنعان، لم يملكها غيرهم” رواه الطبري في تفسيره (٥ /٤٣٣). وهذا ظاهر من خلال سياق القرآن، بل إن رسول الله ﷺ قال: “وما أدري ذا القرنين أنبيًا كان أم لا”. رواه الحاكم، وأبو داود، والبيهقي.
وورد عن على رضي الله عنه قال: “لم يكن نبيًّا ولا رسولًا ولا ملكًا، ولكن كان عبدًا صالحًا”

وقال ابن عباس: كان ذو القرنين ملكًا صالحًا رضي الله عمله وأثنى عليه في كتابه، وكان منصورًا، وكان الخضر وزيره، وذكر أن ذا القرنين أسلم على يدي إبراهيم الخليل!!!! وطاف معه بالكعبة المكرمة هو وإسماعيل، لعل هناك تناقضًا بين القولين! كيف يسلم على يد الخليل إبراهيم؟ وكيف يكون الخضر وزيره؟؟!! ومعلوم أن الخضر كان على أيام موسى عليه السلام، وبينه وبين سيدنا إبراهيم قرون عديدة!!!

أما ما يتوارد على ألسنة البعض أن ذا القرنين هو الإسكندر المقدوني باني الإسكندرية، الذي غزا الصين والهند وبلاد الترك، وقهر ملك الفرس واستولى على مملكته: فهو قول باطل مردود، وما ورد في حديث مرفوع: أن ذا القرنين هو الذي بنى الإسكندرية.لا يصح، فقد قال ابن كثير عن هذا الحديث: وفيه طول ونكارة، ورفعه لا يصح، وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل. وورد أن الله سخر لذي القرنين السحاب يحمله حيث أراد، وعلى كل حال فكل هذه أمور لا تعنينا، المهم هو ما ذكره الله تعالى عنه، وأثنى عليه بسببه؛ فوفق ما ذكره القُرْآن عنه فإن الله تعالى قد أثنى عليه بالعدل، وأنه بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وملك الأقاليم، وقهر أهلها، وسار فيهم سيرة حسنة، وأنه كان من الملوك العادلين.

وقد ذكر المفسرون أن سبب تلقيب ذي القرنين بهذا اللقب هو: أنه بلغ قرن الشمس من مطلعها، وقرنها من مغربها، فسمي لذلك ذا القرنين. وقيل: لأنه كان له ضفيرتان من شعر، والضفائر تسمى قرونًا. وقيل: كان له قرنان تحت عمامته، وقيل غير ذلك. ولا يخفى أن هذه التفسيرات لم يقم على واحد منها دليل يجب الأخذ به -فيما نعلم- وبالتالي فإن الأمر يظل أمرًا غيبيًا.

وقد اشتهر أمره عند أهل الكتاب، ما يرجح أنه كان شخصية تاريخية عظمى في المنطقة، باعتباره مَلَكَها، وخَلَّدَ فيها آثارًا كبيرة، غير أن سقوط دولته نتيجة عوامل الضعف والانحطاط التي لحقت بها -كأي دولة-، وتعاقب الدول، مع طول العهد وكثرة الأحداث، محى ذكره وغيَّب آثاره؛ ولهذا أراد أهل الكتاب تعجيز الرسول -ﷺ- بسؤاله عنه بصفته دون أن يذكروا اسمه أو مكانته، أو أيَّ خيط يشير إلى شخصيته؛ ولمـَّا كان رسول الله -ﷺ- من أُمَّةٍ أُميَّةٍ، لا تكتُبُ ولا تَقرَأ، وليس لها صلتها بتاريخ الأمم السابقة وثقافاتهم إلى الحد الذي يسعفه في الرد عن سؤالهم، كان الوحي هو المرشد والهادي.

الرحلة
انطلق “ذو القرنين” آخذا بأسباب القوة ووسائل التمكين، لتوسيع مملكته؛ وقيام الدول وتوسعها لا يكون خواءً من أمرين: العلم، والقوة.
فالعلم والقوة هما جناحا التمكين والتغلب لأي سلطة في الأرض، وهذا ما منحه الله لذي القرنين، وعمل ذو القرنين على التزود منهما (فأَتبَعَ سَبَبًا) فلمَّا تمكَّن من أسباب العلم والقوة توجه غربًا وشرقًا؛ لفتح الأرض وإقامة العدل فيها، وإيصال الإحسان لأهلها، ونشر الدين الحق

٢- رحلة ذو القرنين الأولى

انطلق “ذو القرنين” آخذا بأسباب القوة ووسائل التمكين، لتوسيع مملكته؛ وقيام الدول وتوسعها لا يكون خواءً من أمرين: العلم، والقوة.

فالعلم والقوة هما جناحا التمكين والتغلب لأي سلطة في الأرض، وهذا ما منحه الله لذي القرنين، وعمل ذو القرنين على التزود منهما (فأَتبَعَ سَبَبًا) فلمَّا تمكَّن من أسباب العلم والقوة توجه غربًا وشرقًا؛ لفتح الأرض وإقامة العدل فيها، وإيصال الإحسان لأهلها، ونشر الدين الحق.

قال الله تعالى: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا . فَأَتْبَعَ سَبَبًا﴾، لقد أعطاه الله قوة كبيرة بدنية في جسمه، وفكرًا مستنيرًا، وأمده بجيش قوي كبير، والتمكين في الأرض يعني بسط السيطرة والقوة والغلبة على العدو، وتسخير خيرات الأرض وما فيها لصالحه، وتذليل طرقاتها ومياهها وبحارها له، فلا يستعصي عليه شيء فيها، والسبب: بمعنى الطريق الموصل إلى الغاية المرجوة، ولقد أخذ في كل الأسباب التي سخرها الله له؛ لذلك طاف العالم فاتحًا ومرشدًا ومصلحًا،
(إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرضِ وَآتَيناهُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ سَبَبًا) فالتمكين: “بالقوة والرأي والتدبير والسعة في المال والاستظهار بالعدد وعظم الصيت وكبر الشهرة” وتعدد الأسباب، و”السبب ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة أو آلة”.

(فأتبَعَ سببا) أي: “وعمل بتلك الأسباب التي أعطاه الله إياها، أي: استعملها على وجهها، فليس كل من عنده شيء من الأسباب يسلكه، ولا كل أحد يكون قادرًا على السبب، فإذا اجتمع القدرة على السبب الحقيقي والعمل به، حصل المقصود، وإن عدما أو أحدهما لم يحصل.

وهذه الأسباب التي أعطاه الله إياها، لم يخبرنا الله ولا رسوله بها، ولم تتناقلها الأخبار على وجه يفيد العلم، فلهذا لا يسعنا غير السكوت عنها، وعدم الالتفات لما يذكره النقلة للإسرائيليات ونحوها، ولكننا نعلم بالجملة أنها أسباب قوية كثيرة، داخلية وخارجية، بها صار له جند عظيم، ذو عدد وعدد ونظام، وبه تمكن من قهر الأعداء، ومن تسهيل الوصول إلى مشارق الأرض ومغاربها، وأنحائها”.

فالإيمان والتوحيد والصلاح لا يغني عن الأسباب المادية والدنيوية، فهي وإن كانت منجية في الآخرة إلا أن إضاعة أسباب التمكن في الدنيا اتكالًا عليها خلل في التصور، ونقص في الإيمان، وقصور في مفهوم الصلاح. وإنما أوتي الكثير من هذا الباب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *