ما حقيقة أهل الخطوة؟
26 ديسمبر، 2024
شبهات حول قضايا التصوف

بقلم : محمد نجيب نبهان ( كاتب وناقد و باحث تاريخي )
تعتبر ظاهرة “أهل الخطوة” من المواضيع التي يثيرها الحديث عن الكرامات والقدرات الخارقة التي يمنحها الله عز وجل لأوليائه الصالحين.
هذه الظاهرة ليست مجرد حكايات شعبية أو خرافات، بل لها جذور عميقة في الثقافة الإسلامية ، وهي مرتبطة بفهمنا للكرامات التي يمكن أن تظهر على يد بعض الأشخاص الذين يعيشون وفقًا لشرع الله ويتبعون طريق الصلاح والتقوى.
ولعل فكرة “أهل الخطوة” من أفكار صوفية تبرز في سياقات مختلفة كعلامة على فضل الله ورحمته على عباده الصالحين.
في هذا المقال، سنغوص في حقيقة هذه الظاهرة من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية، بالإضافة إلى تناول آراء الفقهاء والعلماء بشأنها.
ما هي ظاهرة “أهل الخطوة”؟
تعد “أهل الخطوة” مصطلحًا شعبيًا يُطلق على أولئك الذين يمتلكون القدرة على قطع المسافات الشاسعة في لحظة واحدة أو خطوة واحدة، وهو ما يُسمى بـ”القدرة الخارقة”.
تتسم هذه القدرة بكونها ظاهرة غير طبيعية، حيث يُقال إن الشخص الذي يمتلك هذه الكرامة يستطيع الانتقال من مكان إلى آخر بسرعة فائقة جدًا، بحيث لا يعوقه عائق طبيعي كالجبل أو البحر.
وقد ارتبط هذا المفهوم بعلماء وأولياء كبار في التاريخ الإسلامي، وقد سُجلت عنهم العديد من الحكايات والكرامات التي تؤكد امتلاكهم لهذه القدرة.
أما البُعد الآخر الذي يتعلق بـ”أهل الخطوة” فهو القدرة على الظهور في أماكن متعددة في نفس الوقت. يُقال إن هؤلاء الأشخاص يمتلكون قدرة روحية خاصة على التواجد في أكثر من مكان في نفس اللحظة، وتُعتبر هذه الميزة من أعظم ما يُنسب إليهم. هذه الظاهرة تُعتبر نوعًا من الكرامات التي يظهرها الله تعالى على أيدي أوليائه الصالحين، وهي ليست مقتصرة على الأنبياء، بل يمكن أن تظهر في أتباعهم من أولياء الله الذين يتحلون بالصلاح والتقوى.
من هم “أهل الخطوة” في التاريخ الإسلامي؟
ترتبط ظاهرة “أهل الخطوة” بعدد من الأولياء المشهورين في العالم الإسلامي، الذين عُرفوا بكراماتهم الخارقة، ومن أبرز هؤلاء الأقطاب الذين يُعتبرون من “أهل الخطوة” هم:
أحمد الرفاعي من الشام
عبد القادر الجيلاني من العراق
أحمد البدوي من المغرب
إبراهيم الدسوقي من مصر
هؤلاء الأقطاب الأربعة يُعتبرون من كبار الأولياء الذين اتصفوا بقدرات خارقة، منها القدرة على قطع المسافات بسرعة فائقة، وكانوا يلقبون “بأهل الخطوة” لأنهم كانوا قادرين على الانتقال من مكان إلى آخر في لمح البصر. ويُقال إن هؤلاء الأقطاب كانوا يتمتعون بكرامات عظيمة، وكانت من ضمنها القدرة على التواجد في أكثر من مكان في نفس الوقت، مما جعلهم محط إعجاب واحترام من قبل أتباعهم.
هذه الكرامات، حسب المفهوم الصوفي، ليست دليلاً على الولاية فقط، بل هي منحة من الله عز وجل للعباد المخلصين.
الكرامة هي أمر خارق للعادة، ويظهره الله على يد رجل صالح، وهي ليست مظهراً للغنى أو الفخر، بل هي نعمة من الله يمتحن بها عباده ليعلم هل يشكرون أم يكفرون.
الكرامات في القرآن الكريم والسنة النبوية
من أجل فهم حقيقة ظاهرة “أهل الخطوة” يجب أن نبحث في القرآن الكريم والسنة النبوية، حيث يُذكر أن هناك العديد من الآيات التي تتحدث عن الكرامات التي يظهرها الله على يد أوليائه الصالحين. وتعتبر الكرامات أحد جوانب البركة التي يمنحها الله للمخلصين من عباده، ولذلك فإن هذه الظاهرة تتوافق مع تعاليم الإسلام، ولا تُعتبر خرافة كما يظن البعض.
دلالة القرآن الكريم على الكرامات
في القرآن الكريم، نجد العديد من الإشارات إلى أن الله قد منح بعض عباده القدرة على إنجاز أمور خارقة للطبيعة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك هو ما ورد في قصة سيدنا سليمان عليه السلام. في الآيات 38-40 من سورة النمل، نجد أن الله قد أظهر قدرة استثنائية لأحد رجال سيدنا سليمان، الذي كان يمتلك علمًا من الكتاب:
{قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}.
في هذه القصة، نجد أن شخصًا كان يمتلك علمًا من الكتاب استطاع إحضار عرش ملكة سبأ في لحظة واحدة، وهو ما يمكن أن يُعتبر نوعًا من “الخطوة” أو الانتقال المكاني الفائق. هذا يشير إلى أن هذه القدرة لا تقتصر على الجن فقط، بل يمكن أن تكون من نصيب البشر الذين يمتلكون العلم والتقوى، ويُظهرون كرامات غير عادية.
رأي الفقهاء والعلماء في الكرامات
الفقهاء والعلماء المسلمون يتفاوتون في آرائهم حول الكرامات، فبينما يُقر الكثيرون بوجود هذه الظاهرة، فإن بعض الفرق والمذاهب الإسلامية تتشكك فيها.
ومن بين هذه الفرق نجد المعتزلة الذين ينكرون الكرامات بشكل عام، ويرون أنها لا تجوز إلا إذا كانت ضمن إطار العقل البشري المعقول. كما أن الفكر السلفي الوهابي يُنكر الكثير من الكرامات التي تُنسب إلى الأولياء.
أما في التصوف، فإن الكرامات تُعتبر جزءًا من إيمانهم وتُظهر فضل الله على عباده المخلصين. يرى الصوفية أن الكرامة هي نتاج تقوى العبد وصدقه مع الله، ولا ينبغي أن يُنظر إليها على أنها ترف أو سعي وراء الشهرة.
“أهل الخطوة” في الذاكرة التاريخية
تُعتبر “أهل الخطوة” جزءًا من التراث الصوفي الذي يضم العديد من الحكايات عن أولياء الله الذين تمكنوا من قطع المسافات بسرعة خارقة أو التواجد في أكثر من مكان في نفس اللحظة. وهذه الحكايات لا تزال تُروى إلى يومنا هذا في أوساط الصوفية والمجتمعات الإسلامية. وقد كُتبت العديد من الكتب حول هذه الظاهرة، واعتبرها الكثيرون من الأساطير الشعبية التي تحمل بين طياتها رسائل روحية عميقة.
الخاتمة
إن ظاهرة “أهل الخطوة” تمثل جزءًا من الإيمان بقدرة الله تعالى على منح كرامات خارقة لأوليائه الصالحين. ورغم أن هناك من ينكر هذه الظاهرة، إلا أن القرآن الكريم والسنة النبوية تحتوي على العديد من الإشارات التي تدعم صحتها. في النهاية، يظل الهدف الأسمى من هذه الكرامات هو إثبات قدرة الله عز وجل في إظهار معجزاته على أيدي أوليائه الصالحين، ليبقى التذكير بأن العبودية والتقوى هي الأساس في نيل هذه النعم من الله.