بقلم : الدكتور أحمد مازن (استاذ الحديث الشريف وعلومه بجامعة الأزهر الشريف)
من أُصول التصوف الإسلامي الصحيح اتخاذ شيخًا مُربيًا، عالمًا بأصول الشريعة، ناصحًا، مُرشدًا، يُعين المُريد على تزكيته لنفسه، ويَرُده إلى ربه، ويُبصره بعيوب نفسه، فقد قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} وقال تعالى (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ)
فكل عِلم من العلوم الشرعية أو الثقافية أو مِهنة أو حِرفة تحتاج إلى أستاذ مُعلم ناصح، يُعلم تلميذه ويُبصره، ويدله على أسباب النجاح والفلاح، ويحذره مِن المَوَاطِن التي تزل فيها الأقدام، كذلك علم التزكية يحتاج إلى شيخ عارف مُربي، يدل المريد على طريق الله عز وجل.
وبالرغم من كثرة الكتب والتصانيف حول علم التصوف، إلا أنها لا تُغني عن وجود الشيخ المُرشد، فمن أخذ العلم من الكتب بلا شيخ يعلمه فلا يلفح أبدا، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: لَا تَأْخُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ مُصْحَفِيٍّ، وَلَا الْعِلْمَ مِنْ صُحُفِيٍّ. وكان الشافعي رحمه الله تعالى يقول: “مَنْ تفقه مِنْ بُطون الكتب ضيع الأحكام”.
وقد بين الله عز وجل المهمات الرئيسة لبعثة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)، فتزكية النفوس، وتطهيرها هي ثاني مهمات النبي صلى الله عليه وسلم بعد تعليم الكتاب.
وكما تصدى العلماء في تصنيف العلوم في سائر المجالات، تصدى المشايخ رضوان الله عليهم لتزكية نفوس المريدين، وبيان آفات النفوس، وأمراض القلوب، والوسائل المُعينة على مجاهدة النفس، قال الإمام السيوطي رحمه الله” فاعرف يا أخي مرتبة العلماء في الاتباع وحفظ الشريعة، فهم ورثة الأنبياء، فالعلماء أدلة الطريق، والخلق مِن ورائهم ”
وقد دلنا النبي صلى الله عليه وسلم على صُحبة مَنْ يذكرونا بالله تعالى، ونأخذ من أقوالهم، وأفعالهم ما يقربنا إلى حضرة الله عز وجل، روى أبو يعلي في مسنده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ” أَيُّ جُلَسَائِنَا خَيْرٌ؟ قَالَ: «مَنْ ذَكَّرَكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ، وَزَادَ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ، وَذَكَّرَكُمْ بِالْآخِرَةِ عَمَلُهُ».
وروى ابن ماجه عَنْ أَبِي خَلَّادٍ رضي الله عنه وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ قَدْ أُعْطِيَ زُهْدًا فِي الدُّنْيَا، وَقِلَّةَ مَنْطِقٍ، فَاقْتَرِبُوا مِنْهُ، فَإِنَّهُ يُلْقَي الْحِكْمَةَ»
لكن المتصدرين للمشيخة اليوم كثير، ومن آفات المريدين في اتباعهم وبحثهم عن الشخ المربي – خاصة في هذا الزمان – أنهم يبحثون عن المشاهير عبر وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي بغض النظر عن ثبوت قدم هذا الشيخ في العلم والإرشاد والمعرفة بأمراض القلوب، فعلى المريد أن يبحث عن شيخ عالم مُسَلِك مُرشد، قد ألزم نفسه بآداب الشريعة، عارف بالحقيقة، تنتفع بحاله ومقاله، يعالج آفاتتنا القلبية، وتذكرنا رؤيته بالله تعالى، وتترك كلماته في قلبونا أثرًا، فما خرج من القلب يصل للقلب.
فيا عباد الله مَنْ وفقه الله تعالى، ودله على هذا الشيخ المُربي العالم فليستمسك بعهده، ولينتفع من هديه وسمته، فإنهم في هذا الزمان أندر من الكبريت الأحمر {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}.