مخالفات الصوفية
6 ديسمبر، 2024
منهج الصوفية

بقلم الشيخ : محمد مصطفى صالح
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف
تحدثنا فى المقالات السابقة عن مفهوم التصوف وأصله وأصوله وذكرنا أقوال أكابر الصوفية ونستكمل فى هذا المقال بحول الله تعالى ما بدأناه فى هذه السلسلة ونتحدث فى هذا المقال عن بعض المخالفات التى طرأت على أتباع التصوف فى الاونة الأخيرة :
فلابد لنا من القول بأنه قد دخل على التصوفِ ما ليس منه من شطحات وَتُرّهات ومخالفات وأفعال بعيدة كل البعد وخارجة عن القرآن وعن السنة وألصق نفسه به من لم يتمسك بحقيقته .
فقد ترى شخصًا لا يصلي ولا يصوم وغير منضبط بالشريعة يقول [أنا شيخ متصوف]
[يقول لك احنا صوفية الله فاتح علينا ويقيم المجالس المختلطة نساء
ورجال وبرقصون بعضهم البعض]
شأن التصوف في ذلك شأن سائر العلوم والفنون، فلعلكم تعلمون أنه قد دخل في الحديث ـ الحديثُ الموضوع وقد كشفها وكشف زيغهَا علماءُنا وعزلوها ، ودخل في التفسير التفسيرُ المردود ، ودخل في الفقه الأقوالُ الشاذة وهكذا ، فنحن نأخذ ما وافق الكتاب والسنة ونطرح ما عاداه ولا يستقيم أن نترك الكل لخطأ البعض .
وقد وصف شيخنا الإمام سيدي الشيخ صالح الجعفري شيخ الجامع الأزهر وبدر سمائه الأنور بعض الحالات الشاذة فقال:
اشرب شراب العارفين بربهم
واسلك طريق الواصلين ومن درى
وعليك بالعلم الشريف فإنه
نور الطريق بغيره لن تعبرا
والجاهلون لهم طريق مظلم
قد غرهم إبليس فيه تسيطرا
خلطوا الرجال مع النساء تعبدا
وسمعت مزمارا لديهم زامرا
ومن اتسم بهدي رسول الله ﷺ
صحت النسبة بينه وبين الحبيب ﷺ
وقد قال شيخنا موضحًا أحوال المتقين من أهل طريق التصوف :
فمنهم صامت في خير حال ومنهم مادح خير الرجال
ومنهم ساهر طول الليالي يحيي المصطفى فهو الشكور
ومنهم من ترقى في المساعي فشاهد ما حكاه لنا الرفاعي
وشاهد للمكمل خير داعي مشاهدة تغار لها البدور
ولا تذكر لغيرك ما تراه فحفظ السر سر قد تلاه
ولكن بعد إذن منه فاهوا وقل يارب عفوا ياغفور
ولا كل الذي قد زار زار ولا كشف الأكنة والستارا
ومحجوب الفؤاد تراه مارا وأخره عن العليا دثور
وبناءًا على ما سبق نقول للبعض: “إن الشطحات والخيالات لا يرضاها التصوفُ نفسُه كما لا يرضاها أهل النفوس السوية ، ولكن ليس من الصواب أن لا تقيم للتصوف وزنًا ولا تعيرَ له اهتمامًا لهذا السبب ، فحقيقة التصوف لا تُتْرَك إذ هو تزكية النفس والتحلي بآداب الشرع الظاهرة والباطنة فخذ ما صفا ودع ما كدر”.
ونقول أيضًا للبعض الآخر : “إن الطرق الصوفية ماهي إلا مدارسُ تربوية لتأخذ بيد المريد لتوقفه على العمل بالكتاب والسنة ولتحققه بحقائق الإيمان وليست مذهبًا عقديًا جديدًا وعليها جماهير علماء أهل السنة والجماعة ولقد سمعنا أقوال أئمة المذاهب الفقهية حول التصوف والثناء عليه “.
ونقول أيضًا للبعض الثالث : “سلوكك طريق القوم يدعوك للإنضباط لأحكام الشريعة في المعاملات المالية وغيرها ولإعطاء كل ذي حق حقه ولا تشفع لك كثرة أورادك وصلواتك عند الله وعند الناس مالم تتمسك بأصول طريق أهل التصوف والتي منها أكل الحلال وآداء الحقوق والله أعلم”.
خلاصة سلسلة تلك المقالات في هذه الكلمات أن :
1- التصوف هو التحلي بآداب الشرع الظاهرة والباطنة أو قل أو قل هو تزكية النفس بتخليها عن الرذائل وتحليها بالفضائل أو قل هو بلوغ مقام الإحسان “بأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراه” هذا هو التصوف الذي نعلمه والذي نعمل به.
2- لم يكن اسمُ التصوفِ موجودًا زمنَ الصحابةِ والتابعين وإن كان مُسَمّاه معمولًا به كسائر مصطلحات العلوم الحادثة.
3- أصول التصوف سبعة التمسك بكتاب بالله تعالى والاقتداء بسنة النبي ﷺ وأكل الحلال وكف الأذى واجتناب المعاصي والتوبة وأداء الحقوق.
4- يؤكد القوم على ضرورة الإخلاص وصحبة الشيوخ ولزوم ذكر الله والحب في الله والأدب.
5- التصوف بمفهومه الحقيقي السليم هو لُبُّ الإسلام وجوهرُه ، وإذا كان الاسم يحول بين بعض الناس وبين تحقيق مراد الله فلنرفع الاسم ولنسمه تزكيةَ النفس.
فالخلاصة أخي القارئ أن “التصورات توجه التصرفات والمفاهيم تؤثر في الحركات والسكنات فمن تصور أن الذهب معدن خسيس فرط فيه وأضاعه والتصوف مسلك راق وحميد فالزمه وخذ ما صفا ودع ما كدر”