بقلم الدكتور/ مختار البغدادى المعيد بكلية أصول الدين والدعوة بجامعة الأزهر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. يا أخي الكريم، نحن نعيش في زمن يعصف بنا فيه الغلاء المعيشي وتكتنفنا فيه المحن والابتلاءات من كل جانب. ومع ذلك، فإن في قلب كل هذه الصعوبات، توجد فرصة للتقرب إلى الله واكتساب الأجر والثواب. فالابتلاءات ليست إلا امتحان لصبرنا ويقيننا، وفرصة لنعيد تنظيم حياتنا وإيماننا.
الصبر والرضا: سبيل النجاة :
إن الصبر هو مفتاح الفرج، والرضا بقضاء الله وقدره هو الطريق إلى السلام الداخلي. قال الله تعالى في كتابه الكريم: “وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ” (البقرة: 155). فالصبر هنا هو السبيل لتجاوز هذه الابتلاءات، والرضا بقضاء الله هو الذي يمنح القلب الطمأنينة.
الدعاء والاستغفار: اللجوء إلى الله :
الدعاء هو سلاح المؤمن، والاستغفار هو السبيل للتخلص من الكرب والهموم. قال الله تعالى: “فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا” (نوح: 10-11). فلنجعل الدعاء والاستغفار روتينًا يوميًا في حياتنا، نلجأ به إلى الله ونطلب منه الفرج والتيسير.
التوكل على الله والأخذ بالأسباب :
التوكل على الله هو الثقة التامة بأن الله هو المدبر والميسر للأمور، ولكن مع ذلك علينا أن نأخذ بالأسباب. قال الله تعالى: “وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ” (الطلاق: 2-3). فالتقوى والأخذ بالأسباب هما مفتاح الفرج والرزق من الله.
التكافل الاجتماعي: الرحمة والعدل :
إن الإسلام يدعو إلى التكافل الاجتماعي، وهو مفهوم يتجاوز تقديم المساعدة المالية فقط، إلى تقديم الدعم العاطفي والمعنوي أيضًا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: **”مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”. علينا أن نكون يداً واحدة، نتكافل ونتعاون في مواجهة الغلاء والمعيشة الصعبة.
حسن التدبير والترشيد: الإدارة الحكيمة :
من المهم أن نتعلم حسن التدبير والترشيد في استخدام الموارد المتاحة لنا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما عال من اقتصد”. أي أن من يحسن تدبير أموره بالاقتصاد وحسن التصرف لا يعرف العوز. فلنحرص على تنظيم مواردنا المالية بشكل جيد، ونتجنب الإسراف في الأمور غير الضرورية.
الأمل واليقين: نور في نهاية النفق :
الابتلاءات والمحن ليست إلا مرحلة مؤقتة في حياتنا، وعلينا أن نتذكر دائمًا أن مع العسر يسراً. قال الله تعالى: “فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا” (الشرح: 5-6). اليقين بأن الله سيجعل بعد العسر يسراً هو ما يعطينا القوة لمواجهة التحديات بثبات وإيمان.
لابد من التضرع إلى الله :
يا أخي الكريم، إنما الحياة دار ابتلاء وامتحان، فعلينا أن نثبت ونتحلى بالصبر والإيمان، وأن نتوجه إلى الله بالدعاء والاستغفار، وأن نأخذ بالأسباب ونتوكل على الله، وأن نكون عونًا لبعضنا البعض في السراء والضراء. فإن مع العسر يسراً، وإن بعد الضيق فرجاً، والله مع الصابرين.
أسأل الله أن يفرج كربنا وييسر أمرنا، وأن يجعلنا من الصابرين الشاكرين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.