التعايش الاجتماعي المتزن

بقلم / المفكر العربى : خالد ابو الروس

أنت لا تحترم ذاتك وتعمل على تسويقها وضيعة

فكيف تحنق على الآخرين إذ يضعونك حيث أردت !؟ .

وإذن :

سوق لنفسك عاليا وكبيرا

وسوف يولون وجوههم حيث أردت! .

والتعايش الإجتماعى المتزن من منظورى الشخصى هو :

أن تكون صامتا ذكيا تتحدث بحساب وبما يفيد ..

أن تتضاحك بحساب وبما يبعد عن الهزل والصعلكة .

وهو أيضا أدعى لتوصيل صورتك البهية الوقورة__ مشرقة ومحبوبة و محترمة فى نفس اللئيم قبل الشريف .

فكن حكيما ولا تشكو من الآخرين كثيرا يا صديقى أيا كانت أخلاقهم ، لأن جزء كبيرا من مشكلاتك معهم سببه عدم تنفيذ هذه الثقافة الطيبة .. ثقافة الصمت الذكى .

وبأسلوب أكثر إيضاحا أقول : إن الكثير من مشكلاتك يأتى فى الأساس وبدرجة كبيرة جدا من اعتداءك على قيمتك! .

لاحظ أنك :

أنت أولا وأخيرا من تعرف نفسك فحافظ عليها وحفظها للآخرين! .

وفى الغالب سيحفظونها وسيكونون عند حسن ظنك أنت بقيمتك!

ومن ثم حافظ على قيمتك ولا تعتدى عليها .

وقد يتطلب الأمر أحياناً بل غالبا فى هذا الزمان أن تكون غامضا ، ذلك أن الغموض كهف مرعب ملبد بالظلام ..

فكيف سيعثرون عليك الخبثاء فيه ؟

ثم هم سيحتاطون للكائنات المرعبة التى من الممكن أن تظهر فجأة! ..

فكن غامضا أو حاول هذا يا صديقي .

والأمر بداهة يحتاج أيضا أن تكون كيسا فطنا يا صديقى فلا تتكلم إلى الجميع مثل كلامك إلى بعضهم ، ولا تتضاحك مع أحدهم كأحدهم، ولا يكون نصف حديثك مائلا للهزل سواء في هذا هزل الضحك أو هزل الحديث، كضعفك فى الأسلوب المتمكن وافتقارك لإقامة الحجة فى أحد النقاشات مثلا ، وعليك أن تتعلم أن القاعدة العامة التى يحترمها الناس ويجلونها ويقدسونها هى الجد لا الهزل ، وانما الهزل هو الشاذ ، فلا تعكس هذه الحال فتنبذ وتبعد ويستخف بك .

ثم وتحرى بين الناس طائفة الخبثاء واتق مكرهم فلا تكشف نفسك أمامهم مهما كان الأمر وابق فقط بعض الإتصالات الضرورية ، فلن يدخل أحد من الخبثاء طالما أغلقت عليك بابك …

فلا تفتح باب الكلام ولا الضحك ولا الابتسام فتلج الأفاعى وتغافلك الضباع، وتهجم الذئاب وتتجرأ الثعالب هى الأخرى والجرذان والكلاب .

نعم هناك الكثيرين من النبلاء الصالحين الذين تربوا بالأساس على إحترام أنفسهم ، فانطلق إليهم وانطلق معهم وخذ راحتك، ولكن حذارى من أن يتطبع فيك هذا مع الجميع ..

لأنك إذا انطلقت على سجيتك، قوبلت بانطلاقة على سجيتهم،

ولكن .. أنت لا تضمن السجايا البيضاء على طول الخط ، فهناك الصفراء، والحمراء، والسوداء ، والسوداء العتمة .

واذا حبست نفسك عن الانطلاق

وجدوا السبيل إليك شاق

فتعثروا، ولا يكون أمامهم سوى الاحتياط لشخصيتك

فاحفظ نفسك يا صديقي وحاول لزوم هذا، فأنت لا تعيش فى وطن من الأنبياء الأبرياء .

ولا تسارع بمدح أحد سيجمعك به زمان طويل وأنت لم تعرفه بعد .

ولا بمن لم يكن لك صلة به من قبل ، حتى لو بان لك فى أول الأمر نبيلا .

ولا تكثر من الحديث معه ، وبالأخص إذا كان من هؤلاء الأشخاص المقفولة ملامحهم على النوايا الخبيثة .

ولا تغمره بالاحتفاء والتقدير إذا ما أتى بأمر جليل .

ولا تقهرك العاطفة والارتجال على فعل هذا وتقول : تلك مجاملات سوف أجنى ثمارها من احتفاء و احتواء وتقدير فيما بعد وحب .

نعم قد تلقى أول الأمر بعض الامتنان والشكر اللذان تظنهما قرب وتقدير واهتمام بك ، ولكن بعد حين ستجنى عواقب هذا الأمر استخفاف بك ، وإقبال عليك أنت بالذات بالتضيبع لشأنك وحذف شخصيتك من وجودها المحترم .

انتبه جيدا لا تفعل ذلك وانتظر ولن تخسر شيء ، انتظر حتى يتبين لك أمر هذا الشخص يقينا ، وقلبك هو المبصر والمقياس :

هل ستحس نفسك معه ، ولا شيء يضايقك منه فى فتح الأحاديث الطويلة ومدح خصاله القويمة ، وكشف ما فى الصدر من مكنون ، أمام رجل شهم كريم المنشأ ونبيل ، يقدر ويصون مثل بعض الأصدقاء! .

وعموما فإن التزامك الصمت النسبي أو قلة الكلام يحرك الآخرين نحوك، لتسمعهم أثير رسوخك الداخلى، وهدوءك واطمئنانك لما تستند إليه من حق وثقة وقوة وإيمان وقناعة! .

ثم إن ن استطعت ألا تفصح عن أحزانك للناس فافعل .

واجعل حزنك بينك وبين نفسك .

ولا تظهر سوءاتك الظاهرية ولا الباطنية لأحد أيا كان .

كن عزيزا فى تقديم نفسك وإظهارها فى أجل صورة .

مثلا أن تكون مهندما وجميلا وأميرا فى الكلام والملبس ،

وأنيقا فى الزيارات والهدايا والمجاملات .. هذا مثلا .

غالبية الناس ناقصون فى هذا ،ويتوقعون فى غيرهم الكمال ؛ لذا وإن كانوا سيتعاطفون معك وأنت نازلا لهم بمشكلاتك وخيباتك وسوءاتك ؛ إلا أنهم سيضمرون نبذك واستثقالك ، وسيتمنون عدم رؤيتك وابعادك ، وسيحترمون ويقدسون المترفع عن هذا .

ثم لا تكن نبيلا فوق الحد الموزون المطلوب فإن نبلك الزائد قد يفهمه الكثير للأسف انكسار لهم أو ارتكاس منك ، لذا لا تعطى أحدهم شيئا فوق ما يطلبه منك ، حبا كان أو تقديرا أو إكراما ، أو تقريبا للمسافات جبرا لخاطره وإحسان الظن بك ..

ليس صوابا ولا عدلا يا صديقى ما تفعله، لأن معظم الناس لا يستحقون هذا الأمر فافهم ، فكونك منسابا متساهلا ، هذا أدعى لأن يغريهم بك ،فينطلقون بما أيقظته لديهم من خبث الطبائع عليك .. ومن ثم تظلمهم، وبدلا من أن تعذرهم نراك تعنفهم وتعاقبهم، رغم أن أمرهم معك كان طبيعياً مسترسلا تلقائيا إليك! .

فماذا حدث ؟

إنه من شأن أمرك معهم أنك شجعتهم على الإقتراب منك أكثر فأكثر حتى ملاصقتك، فرأوا أن أمرك لم يكن صعبا كما ظنوا قبل ، وأنك الآن قد أصبحت منهم، وإذن لا تعاندهم هنا، فلقد شوهدت مثلهم فسلم نفسك لهم! .

وما الحل ؟ .

اجذب لجام عاطفتك وتوقف ، ولا تتمادى فى التبسط إليهم .. إحبس نفسك عنهم ، ودعهم يقولون ما يقولون، فسيقولون عليك كثيرا حتى ولو أرضيتهم ، لأنك بدوام إرضاءهم سيعتبرون هذا حقهم فيك وواجب عليك يناديك .

أما احتباسك عنهم كثيرا، وتحجيم الاسترسال لهم طويلا، وثقتك بنفسك وصبرك على هذا ، سيحملهم على العودة إليك فى النهاية والاذعان لك والاعتراف بك . هذا هو عين التعايش الاجتماعى المتزن الذى بلوته وخبرته كثيرا كثيرا وسط الأنواع المختلفة من الكثرة الغالبة من بنى البشر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *