دور صوفية مصر في مقاومة الحملات الفرنجية والزحوف التترية

بقلم د : عمر محمد الشريف

 

يسعى البعض لتزييف الحقائق مدعين أن أهل التصوف لم يكن لهم دوراً في مقاومة المحتل، وادعوا أن التصوف خمول وكسل ومظهر من مظاهر الضعف، والحقيقة أن التاريخ شاهد عدل، فقد حفظت لنا كتب التاريخ بعضاً من أدوار الصوفية في مقاومة الحملات الفرنجية والزحف التتاري، ونسعى في السطور التالية إظهار زيف هذا الادعاء، ونلقي الضوء على دور صوفية مصر تحديداً.

في البداية يجب الإشارة أن الصوفية الذين قاموا هذه الحملات هم امتداد للرعيل الأول من الصوفية المرابطين، وقد حفظت لنا أمهات الكتب عديد الأمثلة من الرعيل الأول ويفرد لنا ابن الجوزي فصلاً خاصاً في كتابه “صفوة الصفوة” للزهَّاد والصوفية الأوائل الذين رابطوا في العواصم والثغور في القرن الثاني للهجرة منهم: أحمد بن عاصم الأنطاكي، وكان يقال له “جاسوس القلوب” لحدة فراسته ويصفه بأنه من متقدمي مشائخ الثغور. ومنهم أبو يوسف الغسولي الذي كان يغزو مع الناس بلاد الروم، وهناك كثيرون أمثال أبي إسحاق الفزاري، وعيسى بن أبي إسحاق السبيعي، والمحدث يوسف بن أسباط بن واصل الشيباني (١٩٥هـ)، وأبي معاوية الأسود (ت 199) هـ.

ومن أقران آنفي الذكر عبد الله بن المبارك (ت 181هـ) قال عنه الخطيب البغدادي “وكان من الربانيين في العلم ومن المذكورين بالزهد.. خرج من بغداد يريد المصيصة – ثغر من ثغور الروم – فصحبه الصوفية…”.

كما يذكر ابن عساكر أن إبراهيم بن أدهم إمام المتصوفين كان فارساً شجاعاً ومقاتلاً باسلاً رابط في الثغور وخاض المعارك ضد البيزنطيين العدو الرئيسي للدولة الإسلامية الناشئة. وقد أثنى على ورعه وزهده الإمام أحمد بن حنبل والأوزاعي وسفيان الثوري وغيرهم.

ومنهم شقيق البلخي الذي صحب إبراهيم بن أدهم، فيذكر الصفدي في “الوافي بالوفيات”: “قال حاتم الأصم: كنا مع شقيق في مصاف نحارب الترك في يوم لا تُرى إلا رؤوس “تطير ورماح تقصف وسيوف تقطع فقال لي: كيف ترى نفسك يا حاتم في هذا اليوم؟ تُراه مثل ما كنت في الليلة التي زُفَّت إليك امرأتك؟ قال: لا والله قال: لكني والله أرى نفسي في هذا اليوم مثل ما كنت تلك الليلة”.
ومات في غزوة كوملان، ما وراء النهر سنة 194هـ..

فالصوفية الذين قاموا الحملات هم امتداد لهولاء الزهاد، وعلى رأسهم أعظم سلاطين الإسلام الناصر صلاح الدين الأيوبي والذي كان صوفياً حتى النخاع، وتحقق على يده أعظم انتصار على الصليبيين في معركة حطين سنة 583هـ، تلك المعركة التي لم تكن مجرد نصر حربي بالنسبة للمسلمين بل قضت على أكبر حركة استيطان استعمارية شهدها العالم في العصور الوسطى.

ومن المعروف أن الناصر صلاح الدين قام بمحاربة المذهب الشيعي عن طريق نشر التصوف السني فأنشأ أول بيت للصوفية في مصر “خانقاه سعيد السعداء” سنة 569هـ، وولى عليها شيخاً، نُعت بشيخ الشيوخ، وكان يعد كبير شيوخ الصوفية في مصر. تحولت تلك الخانقاه إلى دار إقامة مخصصة لاستقبال الصوفية الوافدين من مختلف البلاد، وتم تجهيزها بكافة المستلزمات المطلوبة للتفرغ للعبادة، وأوقف عليها الكثير من الأوقاف.
وعلاقة صلاح الدين الأيوبي بالتصوف استمرار لعلاقه عمه أسد الدين شيركوه وأستاذه السلطان المجاهد المرابط نور الدين زنكي بالتصوف، فالسلطان نور الدين كان صوفيًا بل عده البعض من الأقطاب، ومنهم العماد الأصفهاني الذي مدحه بقوله :
أَنْتَ قُطْبُ الدُّنيا وَأَصحابُك الغُرُّ … مَقام الأَبدالِ والأوتادِ

كان نور الدين زنكي يلبس الصوف، كثير الصوم، يلازم السجادة والمصحف، له أوراد في الليل والنهار. وكان حنفياً يراعي مذهب الشافعي ومالك. قضى حياته في ساحات المعارك لطرد الصليبيين من الشرق الأدنى الإسلامي، قال عنه أحد المستشرقين: ” نذر نور الدين حياته للحرب المقدسة متفانياً فيها بحماسة الصوفي العنيدة “.

أعد نور الدين منبراً للمسجد الأقصى ليضعه فيه حين يقوم باسترداده، لكنه توفي قبل أن يحقق حلمه. وبعد أن استرد صلاح الدين بيت المقدس لم ينسى حلم أستاذه وقائده؛ فعمل على إحضار المنبر من حلب، وتم وضعه في المسجد القبلي من المسجد الأقصى بعد أكثر من عشرين عاماً من بناء المنبر.

أما عن صوفية أسد الدين شيركوه فيذكر ابن شداد في “النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية” أنه كان يزور قبر الإمام الشافعي رضي الله عنه، كما ذكر المؤرخ ابن الساعي أن أخذ شيركوه عن السيد أحمد الرفاعي عهد طريقته خلال موسم الحج سنة 555هـ، وخاطبه بقلبه في تملك مصر، وكان حريصاً على ذلك، فرفع الرفاعي رأسه وقال: أي أسيد الدين سيكون لك ذلك بمعونة الله، {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ}.

لقد كانت مصر بالنسبة لأسد الدين شيركوه خطوة مهمة نحو توحيد العالم الإسلامي في الشام ومصر لطرد الصليبيين. وفي سنة 564هـ تمكن الصليبيون من دخول مصر وملكوا بلبيس قهراً، ونهبوها وقتلوا أهلها، وأسروهم، ثم نزلوا على القاهرة وحاصروها، فأرسل الخليفة الفاطمي العاضد إلى نور الدين زنكي يستغيث به، فجهز نور الدين جيشاً بقيادة شيركوه، وأرسل معه عدد من الأمراء منهم ابن اخيه الناصر صلاح الدين، ونجح شيركوه في طرد الصليبين عن مصر، وتحقق له مراده، وفرح به أهل مصر، واستقبل استقبال البطل المخلص عند وصوله إلى القاهرة. واستدعاه الخليفة العاضد إلى القصر، وخلع عليه خلعة الوزارة، ولقبه بالملك المنصور أمير الجيوش.

كما كان لعلماء التصوف دوراً في مقاومة الحملات الصليبية على مصر، ومنهم شيخ الشيوخ صدر الدين أبو الحسن محمد ابن حمويه الجويني، والذي كان يتولى مشيخة خانقاه سعيد السعداء. فقد ذكر المؤرخون أنه عندما استولى الفرنج على دمياط بعثه السلطان الكامل الأيوبي، إلى الخليفة العباسي الناصر لدين الله يستنجده على الفرنج، فمرض بين حران والموصل، ووصل إلى الموصل حيث توفي بها سنة 617هـ.
وأولاده أربعة اشتهروا بالأمر والوزارة بمصر في أيام السلطان العادل الأيوبي وابنه السلطان الكامل، وهم عماد الدين عمر، وفخر الدين يوسف، وكمال الدين أحمد، ومعين الدين حسن. وبعد وفاته تولى مشيخة خانقاه سعيد السعداء، ولده كمال الدين أحمد، ثم اخوه معين الدين حسن.

أما ولده فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ صدر الدين، فهو الأمير الكبير الوزير، مقدم جيوش الإسلام الصالحية، استشهد مقتولاً بالمنصورة على يد الفرنج سنة 647هـ، وحمل إلى القرافة بالقاهرة، وكان دفنه يوماً مشهوداً، وعمل له عزاء عظيم. ذكر الإمام الذهبي والمؤرخ الصفدي والإمام تاج الدين السبكي أنه لما قدم مع السلطان دمشق نزل في دار أسامة، فدخل عليه الشيخ العماد ابن النحاس، فقال له: يا فخر الدين إلى كم ما بعد هذا؟ فقال: يا عماد الدين، والله لأسبقنك إلى الجنة، فصدّق الله قوله إن شاء الله، واستشهد يوم وقعة المنصورة.

ومن علماء التصوف الذين شاركوا في مقاومة الحملة الصليبية الخامسة التي زحفت على دمياط، القاضي الفقيه، العالم الشهيد، الولي العارف، أبو القاسم عبد الرحمن بن القاسم العقيلي المالكي النويري، قاضي البهنسا بصعيد مصر، كان عظيم المجاهدة والتقشف، بالغ الصيانة والتعفف، مظهراً علم التصوف، مسويًا في الحق بين الأمير والمأمور. يروى أنه كان ببلده النويرة بصعيد مصر فقال لأصحابه في النويرة وأهله وبنيه، من أراد الشهادة فليعول عليها، فخرج آخذًا أولاده معه، وجاء إلى مصر. ولما حضر إلى دمياط نزل في الميدان بخيمته، فلما احتلها الفرنج، وهرب من هرب، بقي الفقيه عبد الرحمن في خيمته إلى أن دخلها الفرنج وضربوا عنقه هو وولده، واستشهد بدمياط في ذي القعدة سنة 616هـ. وقد زار قبره في قبور الشهداء، الإمام فخر الدين ابن المعلم القرشي (ت725هـ).

ومنهم الشيخ العارف الجليل أبو علي الحسن بن عبد الله بن الحسين التونسي المالكي، المعروف بالطويل، كان من أكابر الصالحين، وأعيان المشايخ المحققين، متقناً لأصول الدين، مشهوراً بالصلاح والزهد والتقلل من الدنيا، له مجاهدات وسياحات، ويذكر عنه كرامات. أخذ الفقه على مذهب الإمام مالك عن الفقيه كمال الدين أبي المنصور حسين. كان مقيماً بمصر وأكثر إقامته بجامع عمرو بن العاص. وقف أكثر كتبه على الفقهاء المشتغلين بالعلم عند خروجه إلى دمياط طالباً الشهادة في سبيل الله، فلم يقدر له ذلك، وتوفي بثغر دمياط والعدو محيط بها في شعبان سنة 616 هـ.
ومن مشايخ التصوف الذين أسرهم الفرنج عند دخولهم دمياط الشيخ الصالح أبو الحسن علي بن أبي القاسم بن غزي بن عبد الله الدمياطي، المعروف بابن قفل، أحد المشايخ المشهورين بالخير والصلاح، كان يأوى إليه الفقراء. توفي سنة 647هـ، ودفن برباطه بقرافة مصر الكبرى، وقد جمع سيرته تلميذه الشيخ أبو عبد الله بن النعمان في كتاب سماه “الدر المكنون في كرامات الشيخ أبي الحسن المدفون بجهة مكنون”. وهو من أوائل مشايخ السنة الذين عملوا المولد النبوي بالقاهرة كما ذكر العلامة ابن ظفر.

وعندما زحف لويس التاسع على المنصورة خلال الحملة الصليبية السابعة كان الشيخ العارف الزاهد أبي الحسن الشاذلي أحد أشهر أقطاب التصوف في مقدمة الذاهبين إلى المنصورة رغم أنه كان في آخر حياته، وكان قد كف بصره. ويذكر الشيخ ابن عطاء الله السكندري في “لطائف المنن” خبر اجتماع حافل ضم عظماء العلماء والصوفية في خيمة بالمنصورة بينهم القطب أبو الحسن الشاذلي، وشيخ الإسلام العز بن عبد السلام، وشيخ علماء الصعيد مجد الدين القشيري (والد الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد)، والإمام المحدث محي الدين ابن سراقة الشاطبي، والإمام العالم مجد الدين الإخميمي، والفقيه الشيخ مكين الدين الأسمر، ورسالة الإمام القشيري تتلى بين يديهم.

علق شيخ الأزهر الإمام الأكبر عبد الحليم محمود على ذلك قائلاً: “ها هم أولئك العلماء الصوفية، أو الصوفية العلماء، بسمتهم الملائكي، وبإيمانهم الذي لا يتزعزع، يسيرون وسط الجند، يحثون ويشجعون، ويرشدون ويذكرون بالله، ويبشرون – كما وعد الله ـ بإحدى الحسنين: النصر أو الجنة. وإذا لزم الأمر عملوا بأيديهم مع العاملين. لقد كان مجرد سيرهم فى الحوارى والشوارع : تذكيراً بالنصر أو الجنة ، وكان حفزاً للهمم، وتثبيتاً للإيمان”.

لا مجال للشك أن شيخ الإسلام وسلطان العلماء العز بن عبد السلام كان فقيهاً صوفياً. وبعض تصانيفه وكلام مترجميه قاضية بذلك. فقد لبس خرقة التصوف من الشهاب السهروردي. وكان يحضر عند الشيخ أبي الحسن الشاذلي، ويسمع كلامه في علم الحقيقة. وقال عنه الإمام تاج الدين السبكي في طبقاته : “كان للشيخ عز الدين اليد الطولى في التصوف، وتصانيفه قاضية بذلك”.

لم يتوقف دور شيخ الإسلام العز بن عبد السلام في معركة المنصورة فقط، فقد حفظت لنا الروايات التاريخية دوره في مقاومة الغزو التتاري، فعندما وصل التتار إلى الشام، وجاء أهلها إلى مصر يطلبون النجدة، جمع السلطان المظفر قطز العلماء والأمراء، وحضر شيخ الإسلام ابن عبد السلام، واستشاره السلطان قطز في الخروج لقتال التتار فقال: اخرجُوا وأنا أضمن لكم على الله النصر.

وعندما أراد السلطان قطز أن يأخذ من الناس شيئاً ليستعين به على قتالهم؛ قال شيخ الإسلام ابن عبدالسلام: “إذا طرق العدو البلاد وجب على العالم كلهم قتالهم، وجاز أن يؤخذ من الرّعيّة ما يُستعان به على جهادهم، بشرط أن لا يبقى في بيت المال شيء، وأن تبيعوا ما لكم من الحوائص والآلات، ويقتصر كل منكم على فرسه وسلاحه، ويتساووا في ذلك هم والعامة. وأما أخْذ أموال العامة مع بقاء ما فِي أيدي الْجُنْد من الأموال والآلات الفاخرة فلا”.

ذكر الإمام الذهبي والحافظ السيوطي والمؤرخ ابن تغري بردي وغيرهم أن السلطان قطز اعتمد على ما أفتى به شيخ الإسلام ابن عبد السلام، وذكر الإمام تاج الدين السبكي أن أحضر السلطان والعسكر ما عندهم ووضعوه بين يدي شيخ الإسلام، وكان الشيخ له عظمة وهيبة بحيث لا يستطيعون مخالفته فامتثلوا أمره. وخرج المظفر قطز بجيشه في شعبان سنة 658هـ وكان النصر حليفه على التتار في معركة عين جالوت، تلك المعركة التي تعد حدث حاسم في تاريخ البشرية أنقذها من الدمار والخراب الذي كان ينشره التتار أينما حلوا.

ونذكر أيضاً الشيخ الصوفي خضر بن أبى بكر بن موسى المهرانى العدوى (ت676هـ)، شيخ السلطان المملوكي الظاهر بيبرس الذي كان يستصحبه في حروبه وفتوحاته، فكان الشيخ خضر في مقدمة جيشه الذي حارب به الفرنج والتتار في وقائع عديدة، وفي ذلك يقول الشريف شرف الدين محمد بن رضوان الناسخ:
ما الظاهر السلطان إلا مالك الدنيا بذاك لنا الملاحم تخبر
ولنا دليل واضح كالشمس في … وسط السماء بكل عين تنظر
لما رأينا الخضر يقدم جيشه … أبدا علمنا أنه الإسكندر

وكان بيبرس شديد الاعتقاد في الصوفية، فبنى لشيخه العدوي زاوية بالحسينية، ووقف عليها أوقافاً، وبنى له بالقدس زاوية، وبجبل المزة ظاهر دمشق زاوية، وبظاهر بعلبك زاوية، وبحماة زاوية، وبحمص زاوية، وفي جميعها فقراء ومريدين ونواب، وعليهم الأوقاف.
وقد تعرض في آخر حياته لاتهامات أخلاقية، وحبسه الظاهر بيبرس حتى وفاته، بعد أن كان حظياً عنده، مكرماً لديه. وذكر البعض أنه تعرض لمؤامرة سياسية دبرها أعداء الشيخ من رجال الدولة، وشهد له المشايخ بالخير والصلاح، ومنهم ابن تيمية الذي شهد له بصحة العقيدة.

استمر أهل التصوف في المشاركة في صد حملات الفرنجة طوال العصر المملوكي، فعلى سبيل المثال يذكر المقريزي، وابن تغري بردي، وعبد الباسط بن خليل الملطي، أن الشيخ المعتقد حسن بن مسلم السلمي (ت 764هـ) المقيم بجامع الفيلة بمصر كان يجاهد الفرنج بطرابلس الغرب ويُقيم حاله وفقراءه من الغنائم، وله كرامات ومناقب.

ويذكر عبد الباسط بن خليل الملطي في أحداث سنة 843هـ أن خرج من دمياط جماعة من أهلها لقتال الفرنج بنواحي سواحل الشام في ثلاثة مراكب، وفيهم إنسان من أهل الخير والصلاح يقال له الشيخ عبد الرحمن، وكان حنفيّ المذهب، ويعرف بالعجمي، وله اشتغال بالفقه والعربية وغير ذلك، ثم جنح إلى العبادة والخير، وتسلّك، وصار من أهل الله تعالى. وكان له عم بدمياط يقال له الشيخ عبد العزيز، فقدم عليه ولزمه بزاوية له، وكان له أتباع بالزاوية، وبنى بدمياط قاعة سلاح، وكان له شهرة وجلالة، فأقام عبد الرحمن هذا عنده حتى مات عمه، فخلفه في زاويته، وكان عبد الرحمن من ضمن الذين خرجوا من دمياط لقتال الفرنج فمات شهيداً هو وجماعة من أهل دمياط. وذكره شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني في إنباء الغمر قائلأ: “كبيرهم المجاهد عبد الرحمن”، وحدد مكان الواقعة بساحل صيدا، وذكر أن أسف المسلمون أسفاً شديداً على قتله ومن معه من أهل دمياط.

كما نجد أن المصريين تعاونوا مع الصوفية خارج مصر في مواجهة التتار فيذكر شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني أن المحدث الصوفي عمر بن عمران بن صدقة البلالي (ت754هـ) اتهمه ملك التتار بمكاتبة المصريين بأخبارهم، فألقاه إلى الكلاب، ومعه آخر فأكلت الكلاب رفيقه ولم تمسه، وكان في تلك الحالة ملازما للذكر فشمته الكلاب ولم تؤذه. وأقر شهاب الدين أحمد بن رجب الحنبلي (ت774هـ) بأن شيخه البلالي كان ينقل للمسلمين أخبار التتار حيث ذكر ذلك في معجمه.

لذا فإن عناية السلاطين الأيوبيين ومن بعدهم المماليك بالتصوف، ورعايتهم لأهله، وبناء الخوانق والتكايا ورصد الأوقاف عليها، إنما هو نابع من دورهم في الحروب الصليبية والتترية، بالإضافة لأنهم كانوا يستثيرون الناس ويحرضونهم على الخروج للدفاع عن العرض والدين والوطن.

وكتبه: عمر محمد الشريف الحسني.
في 11 ربيع الأول1446هـ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *