يوم الفرح ويوم الرعب

 بقلم / أ.د/ حسين عبد المجيد أبو العلا

أستاذ الفقة المقارن – ووكيل كلية الشريعة والقانون بأسيوط سابقا

اللطيفة الأولى : يوم الفرح ويوم الرعب

كلما استمعت إلى من يخطب عن يوم القيامة، ويتحدث عن مواقفها رأيته دوما يتكلم عن صعوبة هذا اليوم، وما فيه من عذاب وألم، ويذكرون أنه يوم تدنو فيه الشمس من الرؤوس، ويقف الخلق حيرى فيمن يشفع لهم، ويود الناس الانصراف منه ولو إلى النار، ويذكرون هول الصراط، وشدة حرارة الشمس، وصعوبة الحساب، وما رأيت واحدا منهم يتكلم عنه كيوم من أيام الفرح والسرور، أو يوم الجزاء والحبور، أو يوم يقف فيه بعض الناس في ظلال الرحمن.

والواقع أن هذا اليوم صعب فعلا، ولكن على من؟.

إنه صعب على من نسي الله في الدنيا، وألهته عن أداء حقوقه.

إنه عذاب على من كانت أعماله كلها ظلم، وفسق، وفساد، وتهارج.

إنه يوم ألم وهم وغم على من أكل مال هذا، وظلم هذا، وقتل هذا، وسب هذا، وطغى على هذا.

إنه يوم صعب وقاس بل يوم خطير على من نام عن عبادة الله، من أمن للدنيا والعيش فيها، وكانت لديه الأثرة والأنانية، من كانت أعماله كلها لنفسه فقط، وكانت نياته كلها مكر وخديعة، لم يأت ربه بقلب نظيف، ولا نية خالصة، ولا عبادة متقبلة، ولا خضوع وخشوع للواحد الجبار.

ولكنه في الوقت ذاته يوم فرح وهناء، وسرور وحبور على من لقي الله خاشعا خاضعا متواضعا، {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} .

إن هؤلاء كما قال الله عنهم: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} .

وتخيل معي الفرحة والفخر والسعادة التي تكون في هذا اليوم للمؤمنين، حين يقول الواحد منهم مباهيا بقلبه السليم وخضوعه وخشوعه لله الكبير العظيم، وكيف يكون الرد عليه في هذا اليوم: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُول هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} .

إنه يوم ينتظر فيه المرء أن يمضي مع شيخه وحبيبه وذريته، لقد كان يحبه في الدنيا، وهو يأتي تحت لوائه يوم القيامة، {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} ، تخيل معي السعادة وأنت تسعى بين يدي شيخك وهو يحمل راية الحق والخير، وتمضي وراءه وهو يمضي خلف راية سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ، وأنت تدخل الجنة في هذه الوفود، يالها من فرحة.

ولو تتبعنا هذه الصور والتحاق الذرية والأزواج بك، وانتظار الملائكة على الأبواب وهم يفتحونها لتتنسم روائحها، وتنتعش بنعيمها، وتنظر وعد الله برؤيته سبحانه، تخيل معي هذه الصور، فهل هذا اليوم حزن أم فرح، يوم راحة وسرور أم يوم نصب؟.

{أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} .

إنك أنت من يحدد ذلك، فحدده من الآن، وإياك أن تفتنك الدنيا الزائلة.

من أجل العمل والاستعداد لهذا اليوم كانت هذه اللطائف للتعرف على كثير من الحقائق باختصار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *