مجهولو النسب الفقهي
3 نوفمبر، 2025
قضايا شرعية

بقلم : أ.د / مزاحم طارق المصطفى
أستاذ الفقه وأصوله وعميد كلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية بمنيسوتا المركز الرئيسي
نشهد اليوم تطوراً علمياً وتكنولوجياً هائلاً ومتسارعاً في شتى ميادين الحياة ومجالاتها كافة؛ نتيجة ثورة التكنولوجيا الحديثة من أجهزة ومعدات، ومن أبرز مظاهر هذا التطور هو الحاسوب والأجهزة الذكية، وقد جاءت الطفرة الكبيرة في استخدام الحاسوب من خلال ظهور شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) وما وافقها من إمكانيات هائلة لتبادل المعلومات.
فبعد هذا الانتشار الكبير وقدرة أي إنسان على نشر المعلومة بسهولة ويسر؛ استغل بعضهم هذه الأجهزة والأدوات لبث سمومه وحقده على هذه الأمة ودينها والطعن فيهما، وربما نجد أناساً عن حسن نية ينشرون ما وقعت عليه أعينهم من آراء دينية عامة، وربما يناقشون ويتحدثون؛ لإظهار قوتهم العقلية أمام متابعيهم ومحبيهم. وأيضاً نجد أقوالاً وفتاوى وآراء فقهية من مجهولي النسب الفقهي، وسأقف عندهم وأبيّن ما المقصود بهم.
فمن هم مجهولو النسب الفقهي؟
النسب هو الصلة أو القرابة.
ومجهولو النسب الفقهي: هم من يتحدثون بالآراء الفقهية ويتصدرون الفتاوى دون معرفة مَن هم أو دون معرفة مدرستهم الفقهية.
إذاً هم قسمان:
القسم الأول: المفتي مجهول، وأمثلته كثيرة، فبمجرد دخولك إلى أحد المواقع- غوغل مثلاً- تجد الجواب جاهزاً، فمَن المفتي؟
الله أعلم.
على أي قاعدة أصولية أو فقهية بنى حكمه؟
لله أعلم.
القسم الثاني:
المدرسة الفقهية مجهولة، وأمثلته كثيرة، فلو وضعت أي سؤال على أحد المواقع- غوغل أو اليوتيوب مثلاً- يخرج أحدهم بفتاوى وآراء فقهية دون معرفة ودون الاعتماد على أي مدرسة فقهية.
فالنسب (الصلة) بين المفتي وبين المدارس الفقهية شرط أساس؛ لأن المدارس الفقهية لها مناهجها ودراساتها العلمية الدقيقة للآراء الفقهية والفتاوى وهي أصلاً مستقاة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم..
وهذا النسب هو ما يفتقده بعض من يقف وراء الأجهزة والأدوات والمواقع الإلكترونية، فعندما يقوم السائل بطرح أي سؤال على أحد هذه المواقع يجد الإجابات والتفاصيل، لكن مَنْ الكاتب أو مَن المجيب؟
في أي مدرسة فقهية تخرج؟
وعلى أي مدرسة اعتمد في فتواه أو إجاباته؟
الله أعلم – بغض النظر عن صحة الجواب أو عدم صحته-.
فالبعض اليوم –ممن ضعف عندهم الوازع الديني- يبحثون عن أي مبرر شرعي أو فتوى شاذة من هنا وهناك لأمور وقضايا هي من مسلمات الفقه في التحريم- مثلاً-، فهم يجدون ضالتهم، وربما لا يكتفون بذلك بل يشككون بالعلماء وأصحاب التخصص، وربما يذهبون أبعد من ذلك فيطعنون بأصل المذهب.
لذا يجب الحذر من مجهولي النسب الفقهي على هذه الأجهزة والمتصدرين للفتيا ويتكملون بالفقه ويظهرون أنفسهم أن لديهم اطلاع على أحكام الدين الإسلامي، وهم يجهلون أبسط مناهج الاستنباط والاستدلال، هذا عدا من يموّل ويهيئ المواقع ولا سيما لمن يدعي أنه رجل مثله مثل بقية الفقهاء أو العلماء، وشتان بين العالم وبين الدعي على العلم، فنحن عندنا مدارس فقهية نعتمد عليها؛ ابتداء من مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرعت عنها مدرستا الرأي والحديث وانتهاء اليوم بالمدرسة الأزهرية والشامية والعراقية وغيرها من المدارس والمجامع الفقهية ودور الإفتاء، وهي معروفة بمنهجيتها العلمية وضمن قواعد الأصول والفقه عندهم، وكلها تنتسب إلى مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن لا ينتسب إلى هذه المدارس؛ فرأيه مردود عليه. والله أعلم.