بقلم الدكتور : حاتم عبد المنعم أحمد أستاذ علم الاجتماع البیئى كلیة البيئة جامعة عین شمس
ثامنا : المفھوم الشامل للعدالة البیئیة فى الاسلام
لقد سبق الإسلام كل الفلاسفة والعلماء فى تناوله لقضیة العدالة البیئیة من المفھوم الشامل حیث كان اھتمام معظم الفلاسفة والعلماء على البعد الاجتماعى فقط من خلال الإحسان إلى الفقراء ولكن والإسلام جاء بمفھوم شامل لكافة ابعاد العدالة تفصیلا و وتكرر ذلك كثیرا وبوضوح وھذا یتضح من خلال الاتى
العدل فى الحكم وأداء الامانات قال تعالى :
{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا ﴾ [سورة النساء – الآیة : ٥٨]
العدل فى القول قال تعالى :
وَإذَِا قلُْتُمْ فَاعْدِلوُا وَلَوْ كَانَ ذَا قرُْبَى ﴾ [سورة الأنعام – الآیة : ١٥٢]
العدل والتكافل الاجتماعى قال تعالى :
{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ } [سورة النحل – الآیة : ٩٠
وھناك حدیث الرسول علیه الصلاة والسلام الذي یقول : { الناسُ شركاءُ في ثلاثٍ في الماءِ والكلأِ والنارِ } رواه الإمام أحمد وغیره ، والحدیث یتناول الموارد الطبیعیة أو البیئیة المتاحة فى ھذا الزمن الماء والعشب الثابت فى الارض والنار وھى مصدر للانارة والعمل بمثابة الطاقة فى ھذا العصر
وأیضا سبق ذكر حدیث الرسول عليه الصلاة والسلام الذى یقول اذا قامت الساعة وفى ید أحدكم فسیلة فلیغرسھا مما یؤكد أھمیة نشر الخضرة للجمیع .
إن العدل أمر مباشر من ﷲ سبحانه وتعالى لجمیع المسئولین والحكام ولجمیع البشر، كما أنه اسم من أسماء ﷲ الحسنى وصفة من صفاته، وآیة من آیاته أنزلھا على جمیع البشر فى أى زمان ومكان، والجمیع ملزم بالعدل، ولھذا وجب علینا طاعة ھذا الأمر، كما وجب علینا التعلق بالعدالة ، وأن نستمد من ھذه الصفة منھاج حیاتنا السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والبیئیة بوجھ عام.
ومن أحكام المولى الكریم العدل فى القول وفى العمل وفى المعاملة، وفي مختلف مناحي والعدالة البیئیة بمفھومھا الشامل تدخل ضمن ھذا الأمر الإلھى ومن مقتضى ذلك أن یكون الفرد عادلا نحو خالقه بعبادته وطاعته ، سواء نحو نفسه أو غیره أو بیئته، وأن تكون الجماعة عادلة نحو الأفراد والمجتمع والبیئة ،وأن تكون الدولة عادلة نحو المواطنین والمجتمع والبیئة التى نعیش فیھا ، وھذه ھى العدالة فى الإسلام.
والعدالة البیئیة تعنى العدل في كل شيء، وفى كافة مناحي الحیاة سواء في البعد الاجتماعى أو البعد الاقتصادي أو البعد الطبیعى المرتبط بالموارد الطبیعیة والتلوث، كما تمتد للمساواة فى الحقوق والواجبات لجمیع المواطنین ، وفى تقدیم الخدمات وتوزیعھا وتسعیرھا ، وھى أساس الاستقرار والنجاح والتنمیة وغیاب العدالة یؤدى للشعور بالظلم وانتشار ذلك یؤدى لشعور المواطن بالإحباط، ومن ھنا یبدأ الصراع .
وغیاب العدالة البیئیة بمفھومھا الشامل ھو السبب الأول لقیام معظم الثورات الإنسانیة في كل مكان وكل زمان ویلخص ذلك قول مندوب الفرس عند زیارة عمر بن الخطاب – أمیر المؤمنین، عندما وجده نائما تحت شجرة، فقال حكمت. فعدلت فأمنت فنمت … یا عمر} ویلاحظ على ھذه المقولة الخالدة أھمیة ترتیب وموضع كل كلمة حیث جاءت كالتالي :
. حاكم.
. عادل.
. أمان.
. نوم بمعنى الاستقرار والراحة اللازمة للنمو والتقدم بما یرضى الضمیر فینام بمعنى الراحة والأمان والأمان ھو المناخ والبیئة الملائمة للنمو والراحة.والتقدم .
ولقد أدركت كل النظم بمختلف مسمیاتھا ھذه الحقیقة، ولذلك سعت كل منھا بوسائلھا لتحقیق العدالة البیئیة بدرجة أو أخرى، ولذلك تبقى العدالة ركنا مھما سواء في النظام الرأسمالى أو الاشتراكي وبرغم ذلك نجد صورا متنوعة ودرجات متفاوتة ،، بل إن مصر الفرعونیة كانت أسبق في نشر فكرة العدالة البیئیة ، وكان المیزان رمز العدالة فى مصر الفرعونیة، وكان المیزان یتصدر قاعات المحاكم في مصر الفرعونیة ، ثم نقل ھذا الرمز المحاكم العالم كله، وجاء القرآن في آیات كثیرة یربط فكرة العدل بالمیزان في قوله تعالى : وَأوَْفوُا الْكَیْلَ وَالْمِیزَانَ بالْقِسْطِ ) [سورة الأنعام – الآیة : (١٥٢]، قال تعالى : { وَیَقَوْمِ أوَْفوُا الْمِكْیَالَ وَالْمِیزَانَ بِالْقِسْطِ ) [سورة ھود – الآیة : (٨٥ ] ، قال تعالى : وَأقَِیمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِیزَانَ ﴾ [سورة الرحمن – الآیة : ٩)
ومن ھنا تأتى أھمیة قضیة العدالة البیئیة وضرورتھا الآن، والحاجة الملحة لأن یدلى كل مختص بما لدیه في ھذا المجال، خاصة وأن قضیة العدالة البیئیة ترتبط تقریبا بكل التخصصات مما یتضح.من خلال القادم ان شاء ﷲ