نصر الله مع المؤمنين أصحاب المدافع الكبيرة

بقلم الأستاذ : أحمد المهيدى

قبل معركة واترلو الحاسمة بين الفرنسيين والأنجليز سأل أحد الجنود الفرنسيين نابليون بونابرت : هل الله معنا نحن الفرنسيين الكاثوليك أم مع الإنجليز البروتستانت ؟ فأجابه نابليون: الله مع أصحاب المدافع الكبيرة

حتى لو كانت هذه العبارة تحمل بعض السخرية إلا أنها متوافقة مع المنطق الدنيوى والموازين الدنيوية  !

وهذه هى تعاليم الإسلام الإيمان والتوكل على الله ثم العمل والجد والإجتهاد والسعى نحو الإنتصار ، فالإيمان والعقيدة مع الإستعداد والتجهيز فى موازين الحروب متوافق كلا منهما مع الآخر فإذا إختل أحدهما إنقلبت المعادلة وهذا ما أقره القرآن الكريم :

فعن حتمية النصر بقدرته : 

قال تعالى  : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ  }

وقال أيضاً  : { بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ }

وعن أوامره بالإستعداد والتجهيزات:

قال تعالى :  { وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ }

ومن هذا المنطلق كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهز لحروبه ولغزواته فلم يذكر أنه تخلى عن الإستعداد والتجهيز وإتكل على نصر الله له وللمؤمنين ، وهو الموعود بالنصر والحماية وبلوغ دعوته إلى المشرق والمغرب ، فبقليل من العدة والعتاد والتسليح وبكثير من الإيمان والعقيدة كان النبي صلى الله عليه وسلم يخوض معاركه

ومن أمثلة تجهيزات النبى للمعارك وإحكام الخطط : 

لم يذكر أن النبي ﷺ قد خاض إحدى المعارك بدون تجهيز  فكان يجهز العدة والعتاد ويحكم الخطط ويختار الموقع المميز لإقامة معسكره فورد عنه فى غزوة بدر أنه إختار أن يخيم عند بئر بدر ليسيطر على مورد المياه القريب ويكون فى أريحية هو وجيشه وجنده ، وكذلك حفر الخندق فى غزوة الأحزاب .

هل يكفى الإيمان وحده بدون إستعدادات والعكس ؟

لم يحدث أن إنتصر المسلمين فى أحد المعارك بدون تلازم الصفتين فحينما تنقص إحداهما يأتى معها الخلل وتحدثت الهزائم ولنا فى سيرة الصحابة العظة والعبرة :

التخلى عن الإستعداد بمخالفة التعليمات:

قبل معركة أحد وضع النبى بصفته القائد الأعلى والمخطط  الأول للمعركة  خمسون شخصاً من الرماة على جبل أحد وأمرهم ألا يتركوا أماكنهم مهما كانت نتيجة المعركة حتى يأمرهم صلى الله عليه وسلم بذلك

ولكنهم أخلوا بالأوامر وخالفوا التعليمات وتركوا أماكنهم لجلب الغنائم فحاوطهم المشركين وألتفوا حولهم وهزم المسلمين بسبب هذا الخلل .

التخلى عن الإيمان والإتكال على العدة والعتاد :

قبل غزوة حنين أعجب المسلمين بعددهم وعتادهم وغرتهم قوتهم حتى قيل أنهم قالوا لبعضهم البعض ( لن نهزم اليوم من قلة ) فقد تناسوا أن السبب الأول فى الإنتصار هو توفيق الله تعالى وعونه ولذلك فتعرض جيش المسلمين في بداية المعركة للهزيمة لولا أن ثبت الصحابة الأوائل الذين يعلمون أن النصر لا يأتى إلا بتوفيق الله ورضاه والتفانى والبسالة .

أما نحن الآن فلم يعد لدينا إيمان ولا مدافع كبيرة ثم نبحث عن النصر !

التخلى عن الإيمان :

فى هذا الزمان أصبحنا نسخا مشوهة مقلدة للعلمانية الأوروبية فلم نعد يحكمنا شرع الله كما كان الأوائل وكذلك لا يحكمنا حزم القانون الوضعي ففسدت مجتماعاتنا وأخذنا من الله وشريعته المظاهر والقشور فقط وطبقنا القانون والعلمانية الأوروبية بأسوء نسخها وتم تشويه شريعة الله على يد تجار الدين رعاة الإرهاب فلم يعد لدينا إلا التشرزم والتمزق.

التخلى عن المدافع الكبيرة: 

مع إنتشار الواسطة والرشوة والمحسوبية فى بلاد الإسلام فقد ظهر الخلل والعشوائية فى كل مناحي المؤسسات فلم يعد لدينا التخطيط الجيد فى الإدارة وأصبحت العشوائية هى من تحكم المشهد.

هل ينصرنا الله بهذا التشوه ؟ 

الله سبحانه وتعالى عادلاً فى أحكامه وفى عطاياه ومنحه فلم يفضل أمة على أخرى إلا بصلاح أحوالهم وإتباع منهجه ونحن تخلينا عن هذه الأفضلية بتركنا المنهج السليم فقال تعالى

{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }

فتخلينا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما تخلينا عن حسن الإدارة والتدبير ولذلك فكان النصر حليف أعدائنا

فقال النبى صلى الله عليه وسلم :{ يُوشِك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوَهْن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت }