صُنَّاع المعروف مفاتيح الخير

بقلم د.إيمان إبراهيم عبد العظيم
مدرس بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر – واعظة بوزارة الأوقاف

عباد الله كما نعلم جميعًا، أن أعباءَ الدنيا جسام، والمتاعب تنزل بالناس من اليتامى والأرامل والغرباء والضعفاء والمعسرين، والإنسان بمفرده أضعف من أن يصمد طويلًا تجاه هذه الشدائد، ولئن صمد فإنه يبذل من الجهد ويُقاسي من المعاناة ما كان في غنًى عنه لو أن إخوانه التفتوا إليه، وهرعوا لنجدته، وأعانوه في مشكلته، فالمرء قليلٌ ضعيف بنفسه، كثيرٌ قوي بإخوانه.

ومن حق المسلم على أخيه المسلم أن يتألم لألمه، ويحزن لحزنه، ويعينه على دفع كربته، أما موت العاطفة وقلَّة الاكتراث و الاهتمام و كأن الأمر لا يعنيه فهو تنكُّر لهذه الأخوة، فضلًا عن أنه جفاء في الخلق وجمود في الطبع.

والتألم الحق هو الذي يدفعك إلى كشف ضوائق الغير ، فلا تهدأ حتى تزول الغمة وتنكشف الظلمة، ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ، وَلا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ))؛ متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

و كما نعلم عباد الله، أن من رحمة الله حين خلق المعروف أن خلق له أهلًا فحبَّبه إليهم، وحبَّب إليهم إسداءه، ووجَّهَهم إليه كما وجَّه الماء إلى الأرض الميتة، فتحيا به ويحيا به أهلها، وإن الله إذا أراد بعبده خيرًا جعل قضاء حوائج الناس على يديه، ومن كثرت نعم الله عليه كثر تعلُّق الناس به، فإن قام بما يجب عليه لله فيها فقد شكرها وحافظ عليها، وإن قصَّر وملَّ وتبرَّم فقد عرَّضها للزوال، ثم انصرفت وجوه الناس عنه.

أما و عن صنائع المعروف.
فالمقصود بالمعروف هنا:
هو فعل الخير وإسداؤه للعباد، سواء كان هذا الخير مالاً كالصدقة والإطعام وسقاية الماء وسداد الديون، أو جاهاً كما في الإصلاح بين المتخاصمين والشفعة وبذل الجاه، أوعلماً، أو سائر المصالح التي يحتاجها الناس، كحسن المعاملة وإماطة الأذى وعيادة المرضى، و غيره ..

و المعروف باختصار هو :
كل ما يستحسنه الشرع. وخص الإصلاح لشرفه.
◼️ قال الله تعالى في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩ } الحج:٧٧
فقوله {وافعلوا الخير} أمر يشمل كل خير

▫️قال عزوجل: {لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ } النساء:١١٤.

▫️و قال تعالى:{وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} البقرة:١٩٥.

قال رسول اللهﷺ : ( صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب ) رواه الطبراني وغيره،

◻️ قال العلماء:
والمراد بميتة السوء أو مصارع السوء: ما استعاذ منه النبي ﷺ ـ كالهدم والتردي والغرق والحرق، وأن يتخبطه الشيطان عند الموت، وأن يقتل في سبيل الله مدبرًا.
وقال بعضهم: هي موت الفجاءة.
وقيل ميتة الشهرة ـ كالمصلوب
◼️ قال ابن عبّاس -رضي الله عنه : ( صاحب المعروف لا يقع، فإن وقع وجد متّكأً )عيون الأخبار (١ /٣٣٩)

*و من ثمرات المعروف
١- صرف البلاء وسوء القضاء في الدنيا:
٢- دخول الجنة:
٣- مغفرة الذنوب والنجاة من عذاب وأهوال الآخرة:
٤- صرف البلاء وسوء القضاء في الدنيا:

قال النبي ﷺ : “من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة”
*لا تترك عمل الخير ولو كان صغيرًا
*فلا تدري أي عمل يدخلك الجنة
*و لا تدري أي عمل يحي الله به قلبك، فخدمة الناس وقضاء حوائجهم، ونفعهم بصور النفع المختلفة، كالإطعامِ وسقاية الماء، وسدادِ الديون، والإصلاحِ بين المتخاصمين، وبذلِ الشفاعةِ لتحصيل خير أو دفع شر، والسعي في شأن الأرملة والمسكين، وكفالة اليتيم، وإعانة الضعيف، وإغاثة الملهوف، وغير ذلك من سائر المصالح التي يحتاجها الناس، وهو ما نسميه بصناعة المعروف للآخرين .

و قال رسول الله ﷺ:( كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تُفرغ من دلوك في إناء أخيك ) رواه الترمذي .

و كانت صناعة المعروف من خُلُقِ النبيﷺ من قبل وبعد بعثته فكان أكثرَ الناس نفعًا للآخرين، وأشدهم حرصاً على قضاء حوائجهم، وتصفه أم المؤمنين السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ في أول بعثته ﷺ، فتقول: ( والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتُكسِب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق ) رواه البخاري .

قال جعفر الصادق رحمه الله : (إن الله خلق خلقًا من رحمته برحمته لرحمته هم الذين يقضون حوائج الناس ، فمن استطاع منكم أن يكون منهم فليكن) .

لقد كان الصالحون من هذه الأمة ؛ إذا وجدوا فرصة لنفع الخلق ، وإغاثة ملهوفهم تسابقوا لنيل هذا الشرف وعدوًا ذلك من أفضل أيامهم !فلله درهمّ ! كم شيدوا من مكارم.. وكم بذلوا من معروف..

كان سفيان الثوري رحمه الله ينشرح إذا رأى سائلاً على بابه ويقول : (مرحبًا بمن جاء يغسل ذنوبي !

وكان الفضيل بن عياض رحمه الله يقول : (نعم السائلون ، يحملون أزوادنا إلى الآخرة بغير أجرة ! حتى يضعوها في الميزان).

* و قد علمنا النبيﷺ أن بذل المعروف معاملة مع الله، لا توزن بالقلة والكثرة، بل تُحْمد عند الله على كل حال، فقليلها عند الله كثير، وصغير العمل عند الرب الكريم كبير كما قال ﷺ : ( اتقوا النار ولو بشق تمرة ) رواه البخاري .

و كما علمنا ﷺ أن صُنَّاع المعروف هم مفاتيح الخير للمجتمع فهنيئا لهم، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ﷺ : ( إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل اللهُ مفاتيحَ الخير على يديه، وويل لمن جعل اللهُ مفاتيح الشر على يديه ) رواه ابن ماجه .

* و بذل المعروف عبادة لا غناء لنا عنها، نحتاجها في منافع الدنيا، وهي سبيل كذلك لنجاتنا في الآخرة، والنبي ﷺ دعا إلى بذل المعروف في أحاديث كثيرة، منها :
ما روي عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ﷺ قال: ( على كل مسلم صدقة، فقالوا: يا نبي الله، فمن لم يجد؟، قال: يعمل بيده، فينفع نفسه ويتصدق، قالوا: فإن لم يجد؟، قال: يعين ذا الحاجة الملهوف، قالوا: فإن لم يجد؟، قال: فليعمل بالمعروف، وليمسك عن الشر، فإنها له صدقة ) رواه البخاري .

وعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ﷺ ( كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تُفرغ من دلوك في إناء أخيك ) رواه الترمذي .
والأمثلة العملية في بذل النبي ﷺ كثيرة، منها :

مع الضعيف والأرملة والمسكين :
عن سهل بن حنيف – رضي الله عنه ـ قال : ( كان رسول الله ﷺ يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم، ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم ) رواه الحاكم .

وعن عبد الله بن أبي أوفى ـ رضي الله عنه ـ في وصفه للنبي ﷺ قال : ( .. ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له حاجته ) رواه النسائي .

* أما عن بذل المعروف للحيوان :
روي عن عبد الله بن جعفر ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ﷺ : ( دخل حائطًا لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النبيَ ﷺ حنّ وذرفت عيناه، فأتاه النبيﷺ فمسح ذِفراه فسكت، فقال: من رب (صاحب) هذا الجمل؟!، فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟، فإنه شكا إليَّ أنك تُجيعُهُ وتُدئبُهُ (تتعبه) ) رواه أبو داود .

وعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ﷺ : ( ما من مسلم يغرِس غرسًا إلا كان ما أُكِل منه له صدقة، وما سُرق منه له صدقة، وما أَكل السبُع منه فهو له صدقة، وما أكلت الطيرُ فهو له صدقة، ولا يرزؤه ( يسأله ) أحد إلا كان له صدقة ) رواه مسلم .

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ﷺ ( بينما رجل بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرًا، فنزل فيها فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء، فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجراً؟ فأجابهم ﷺ : في كل ذات كبد رطبة أجر ) رواه البخاري .

لقد كان صنعُ المعروف وبذله شيمةً وصفة لا تغادر نبينا ﷺ ، وأحاديثه وسيرته شاهدة على ذلك، فما أحوجنا إلي التأسي والاقتداء به ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لنسعد في الدنيا والآخرة ..

اترك تعليقاً