بيان لطلاب الأخره

إعداد فضيلة الشيخ : السيد محمد السيد البلبوشى ( إمام وخطيب بوزارة غرب الإسكندرية )

هَذِهِ أَورَاقٌ تُبَيِّنُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِطَالِبِ الآخرةِ ، وَإِنْ كَانَ عِلْمُ ذَلِكَ مُسْتَقِرَّاً عِنْدَ كُلِّ مُسَلِمٍ تَلَفَّظَ بِكَلِمَتَى الشّهادَتَيْنِ ،

فَأَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يأتِىَ بِكَلِمَتَى الشّهَادَتَيْنِ طرَفَى النَّهَارِ وطَرَفَى اللَّيْلِ قَوْلَاً وَاِعْتِقادَاً وَعَمَلَاً ، لِأَنَّهَا هى المُوجِبَةُ لِلدُخُولِ فى سِياجِ الإسلامِ ، وَبِهَا أَرْسَلَ اللهُ الرُّسُلَ مُبَشِّـرِينَ وَمُنْذِرِينَ ، وَبِهَا يُقَامُ سِياجُ العَدْلِ والتَّوَادُدِ والتَّآلُفِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ بعضَاً سَواءٌ فِى ذَلِكَ عَالِمُهُمْ وَجَاهِلُهُمْ ، وبالتَّلَفُظِ بِالشّهادَتَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ كَمَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلّي الله عَلَيه وَسَلَّم  لِأَنَّ الشِّـرْكَ خَفِىٌّ فى هَذِهِ الأُمَّةِ فَكَانَ قولُهُمَا تَجْدِيدَاً واحتِيَاطَاً مِنَ الدُّخُولِ فَيمَا لَا ينبغى الوُقُوعُ فِيه مِن الأُمورِ المُخَالِفَةِ لدِينِ الإسلامِ،

وَمِنْ أمَاكِنِهَا قولهَا مِثْلَ مَا يَقُولُ المُؤَذِّنُ بِحُضورِ قَلْبٍ وَاِنْكِسارِ نَفْسٍ ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ فَرَاغِ الـمُؤَذِّنِ : اللَّهُمّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِالقَـــــائِمَةِ آتِ مُحَمَّدَاً الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ َالدَّرَجَةَ الرَّفيعَةَ ، وَابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُودَاً الّذى وَعَدْتَهُ ، ثُمَّ يَقُولُ : رَضِيتُ بِاللهِ ربَّا وبالإسلامِ دِينَا وَبِمُحَمَّدٍ صلّي الله عَلَيه وَسَلم نبِيَّا وَرَسُولَاً ، ثُمَّ يَقُولُ جَزَى اللهُ سَيِّدَنَا وَمَولَانَا محمداً صلّي اللهُ عَلَيه وَسَلم عَنَّا خيرَاً جَزَى اللهُ الأنبياءَ وَالمُرْسَلِينَ عَنَّا خَيرَا ، جَزَى اللهُ المَلاَئِكَةَ وَالمُقَرَّبِينَ عَنَّا خَيرَا ، جَزَى اللهُ العُلَمَاءَ وَالصَّالِحِينَ عَنَّا خيرَاً، جَزَى اللهُ عَنَّا خَيْرَا مَنْ وَجَبَ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا مِنْ آبائِنَا وأُمهاتِنا وَمَشَايِخنَا وإِخْوانِنا مَنْ أَحَبَّنَا فى اللهِ وَمَنْ أَحَبَبْنَاهُ فِيه ، جَزَى اللهُ إخوانَنا المُسْلِمِينَ عَنِ الإِسْلَامِ خَيرَاً، ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِهَذِهِ الأُمَّةِ بِمَا شَاءَ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْدُعَاءِ عَلَى حُكَّامِهَا ، وَمَن لَمْ يسْتَطِعْ قَوْلَ ذَلِكَ كُلَّهِ فَلْيَقْتَصِـر عَلَى مِثْل قولِ المُؤَذِّنِ ، سَواءٌ سَمِعَهُ لِقُرْبِهِ أَوْ لَمْ يَسْمَعهُ لِبُعدِهِ ، كُلّ ذَلِكَ لِأجْلِ مُحَافَظَةِ العَبْد عَلَى الشّهادَتَيْنِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، فى أوْقَاتِ العِبَادَاتِ المَشْـرُوعَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّ العَبْدَ لَا يَزَالُ يُكْثِرُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى حَتَّى يُحِبَّهُ اللهُ وَيُحِبَّهُ النَّاسُ وَتَصيِرَ أَحْوَالُهُ كُلُّهَا مِنْ طَلَبِهِ لِمَعَاشِهِ وَغَيْرهِ عِبَادَةً وَذِكْرَاً،

وَمِنَ الوَاجِبِ أيْضاً عَلَى كُلِّ مُسْلِمِ كَثْرَةُ الصَّلاةِ والتَّسليم عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلّي اللهُ عَلَيه وَسَلم ، لِأَنَّهُ الذى فَتْحَ لَكُلِّ الخَلْقِ بَابَ اللهِ الأعظَمِ فى الوُقُوفِ بِهِ فى اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسِيْنَ مَرَّةً ، وَهِىَ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ المَفْرُوضَاتِ المَسْنُونَاتِ وَلِتَعْلَمَ كَمَا أَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِحُبِّ العَبْدِ رَبَّهُ كَذَلِكَ لَا نِهَايَةَ لِحُبِّ العَبْدِ رَسُولَ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيه وَسَلم ، وَمِنْ مَحَبَّتِهِ وُجُوبُ اتِّبَاعِهِ فى أَقوَالِهِ وأفعالِهِ دُونَ اتِّبَاعِ غَيْرِه كَائِنَاً مَنْ كَانَ ، وَلِذَلِكَ قَرَنَ اللهُ تَعَالَى اسْمَهُ الكَرِيمَ بَاسِمِهِ الشَّـرِيفِ وَجَعَلَ ذَلِكَ كَلِمَةً واحِدَةً لَا يَصِحُّ الإيمانُ إلّا بِهَا مِثْلَ قولِنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ ، وَمِنْ مَحَبَّتِهِ حِفْظُكَ الأدَبَ عِنْدَ سَمَاعِ حَديثِ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيه وَسَلمْ وَأَنْ تَقَولَ فِيمَا فَهِمتَهُ مِنْه اللَّهُمَّ بِكَ أَسَتَعِينُ عَلَى أَدَاءِ مَا كلَّفْتَنِى بِهِ فَإِنَّـهُ إِنْ فَاتكَ العَمَلُ بِهِ لَمْ يَفُتْكَ ثَوَابُ نِيَّةِ العَمَلِ وَأَنْ تَقُولَ فِيمَا لَا تَعْلمُهُ آمَنْتُ بِذَلِكَ عَلَى عِلْمِ اللهِ  وَرَسُولِهِ فِيه ، وَإِيَّاكَ والجِدالَ وَالنِّزاعَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ فَإِنَّ الحَقَّ مَعَ الـمُتأدِّب السَّاكِتِ والآدابُ الـمُتَعَلِّقَةُ بِذَلِكَ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ وَمَرْجِعُهَا كُلُّهَا إِلَى ثَلاثَةِ آدابٍ مَنْ تَمَسَّكَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا نَجَا ، وَهِى التَّسْلِيمُ بِأَنْ يَرْضَى بِالقَضَاءِ كُلِّهِ حُلْوِهِ وَمُرِّهِ مِنْ غَيْرَ اعْتِراضٍ عَلَى خلقِه ، وَثَانِيَهَا التِزَامُ العُبُودِيَّةِ بالأدبِ مَعَ الحَقِّ فى كُلِّ مَا يَكُونُ ،

وَثَالِثُهَا خُلُوُّ القَلبِ مِنْ مَحَبَّةِ الدُّنيا وَهِى أَسَاسُ كُلِّ خَيرٍ يَحفظُ عَلَيكِ المَوْتَ عَلَى الإسلامِ وَالْتِزَامُ العُبُودِيَّةِ يُثَبِّتُكَ عِنْدَ السُّؤَّالِ فى الحِسَابِ فى البَرْزَخِ والآخِرةِ ، وَأَمَّا خُلُوُّ القَلبِ مِنْ مَحَبَّةِ الدُّنيا فَإِنَّه يحَفَظُ عَلَيكَ شُهُودَ الحَقِّ فى الدّنيا والآخرة وَهِى السَّعَادَةُ الكُبْرَى التى بَابُهَا شهَادَةُ أَنْ لَا إله إلّا الله وَأَنَّ محُمَّداً رَسُولُ اللهِ ، وَنِهَايَتُهَا بَذْلُ النُّفُوسِ بِالمُجَاهَدَةِ بِالسَّيْفِ فى سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى ، فَمَنْ كَمُلَتْ شَهَادَتُهُ فى البِدَايَةِ صَحَّتْ اسْتِقامَتُهُ وَهِدَايَتُهُ فى النِّهَايَةِ ، وَلِكُلِّ امريٍ مِنَ المُؤْمِنِينَ نَصِيبٌ مِنْ هَذِهِ الشَّهَادَةِ مَفْرُوضٌ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى : (وَمَا مِنَّآ إِلَّا لَهُۥ مَقَامٌ مَعۡلُومٌ)

وَمَدَارُ مَا يُدْخِلُ العَبْدَ فى دِينِ الإِسْــلَامِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيه مِنْ وُجُوبِ الأحكــامِ قَوْلُهُ صـــلَّي  الله عَلَيه وَسَلم فى حَديثِ جبريــــلَ عَلَيه الصَّلاةُ َالسّلامُ حِينَ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ  صلّي الله عَلَيه وَسَلم عَنِ الإِسْلَامِ ، فَقَالَ صلّي الله عَلَيه وَسَلم: ” أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إله إلّا اللهُ وَأَنَّ محمداً رَسُولُ اللهِ ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ وَتُؤْتِىَ الزَّكاةَ وَتَصُومَ رَمَضانَ وَتَحُجَّ البَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيهِ سَبِيلَاً”.

وَقَوْلُهُ حِينَ سَأَلهُ عَنِ الإيمان :” أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلهِ وَاليَوْمَ الآخِرِ ، وَأَنْ تُؤْمنَ بِالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ “.

وَقَوْلُهُ حِينَ سَأَلهُ عَنِ الإحسانِ :” أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِن لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ “.

وقوْلُهُ حِينَ سَأَلهُ عَنِ السَّاعَةِ:” أَمَارَتُهَا أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا ، وَأَنْ تَرَى الحُفاةَ العُرَاةَ رُعَاءَ الشَّاةِ يَتَطَاوَلُونَ فى البُنْيَانِ ” فَقَدْ جَمَعَ هَذَا الحَديثُ مَرْتَبَةَ الإسلامِ والإيمانِ والإحْسَانِ ، بِجَمِيعِ تَعَلُّقَاتِهَا ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِيهِ أَمَارَةَ السَّاعَةِ لِئَلَّا يَظُنَّ أَحَدٌ الخُلُودَ فى الدّنيا ، وَيَعْلَم أَنَّ مَرْجِعَهُ إِلَى اللهِ ، وَالحِسَابَ عَمَّا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الأحكامُ ، وَمَنْ لَمْ يُوَفِّ بِهَا كَانَتْ مَرْتَبَةُ إسلامِهِ وإيمانهِ وإحسانهِ نَاقِصَةً .

من مذكرات سيدي برهان الدين أبو الاخلاص الزرقاني

اترك تعليقاً