خطبة بعنوان «فتراحموا» لفضيلة الشيخ أحمد عزت حسن

خطبة بعنوان «فتراحموا»
لفضيلة الشيخ أحمد عزت حسن

خطبة الجمعة ٢٥ من ذي القعدة ١٤٤٦هـ الموافق ٢٣ من مايو ٢٠٢٥م

الموضوع
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ، “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا”، وبعد

فإن الزوجة الصالحة سبب السعادة الزوجية

ومن أكبر نعم الله تعالى على الإنسان، قال رسول الله ﷺ: “ما استفاد المرء بعد تقوى الله عز وجل خيرٌ من زوجةٍ صالحةٍ إذا نظر إليها سرّته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته فى ماله وعرضه”

ولا عجب فقد ألبس الله تعالى الزوج بالزوج لباس الستر والعفة والوقاية من حر الغريزة وبرد الوحدة

“هن لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهن” فالزوجة الصالحة هى جنتك فى الدنيا لا تجوع لك فيها غريزة، ولا تعرى لك فيها سوءة ولا نفس ولا تظمأ لك فيها رغبة ولا روح، وصلاح الزوجة والزوج سيان فهما يعينان بعضهما البعض على طاعة الله تعالى

* الزوجة الصالحة مفتاح السعادة، ونعمة الله الكبرى على زوجها ومتعته التي لاتدانيها متعة فهي تنفض عنه غبار الهموم، وتغمره بالسعادة والحنان وتجعل من نفسها ركنًا هادئًا لأجل راحته؛ فالحياة الزوجية حياة المشاركة وليست حياة التباعد، وهي حياة الاقتراب والالتصاق وليست حياة الاستغلال،

ولقد سُئل الرسول ﷺ: أي النساء خير؟ فقال التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه فى نفسها ومالها بما يكره. رواه النسائي.
ويوضح هذا الحديث سائر الواجبات المنوطة بالمرأة إزاء زوجها ، فالرجل يعود إلى البيت آخر النهار بعد أن يكون قد واجه قسوة الأحداث في الخارج ؛ والزوجةالصالحة تخفف عنه وتغمره بالحنان

التعلم من زوجة الحطّاب
لما أعلن النبي ﷺ فى مجلسه أن زوجة الحطّاب فى الجنة أسرعت النساء إليها فى بيتها يسألنها كيف فازت بهذه المنزلة، وماذا فعلت؟
فقالت: “إن زوجى يعمل فى جمع الحطب، وأشعر بما يعانى فى عمله، وأحسّ بحراره عطشه فى الصحراء يقطع حلقى (يا ألله على روعة الكلام ورهافه الحس ورقة المشاعر إنها تشعر بعطش زوجها يقطع حلقها هى) فأُعدّ له الماء البارد
* ثم أقوم إلى بيتى أُنظّفه
* ثم أعد له طعامه، فإذا جاء استقبلته استقبال الحبيب الغائب، فإذا انتهى من طعامه كنتُ بين يديه كالطفلة بين يدى أبيها ..

الزوجة المخلصة تصبح مؤتمنة لزوجها في شؤونه كافة، وتصون نفسها لأجل زوجها فقط إلى جانب سهرها على سائر أمور البيت ومصالحه وهي التي تهيئ أجواء الراحة النفسية للرجل بل تتمتع بوضع النائب داخل البيت، وأفضل النساء هي التي تقدر هاتين المسئوليتين حق قدرهما وهي القادرة على احتواء الزوج بالحنان والاهتمام وتدرك احتياجاته ومتطلباته.
كما أنها ثرية العقل غنية الروح تعيش الحياة بفهم . يكمن جمالها في جمال عقلها ورونق روحها، هي الزوجةالتي تملك طباعاً هادئة -بعيدة الاستثارة والغضب- ونفسًا طيبةً

ولقد كان ﷺ قدوة في كل أمور حياته. فمع كل هذه الأعباء المنوطة به استطاع أن يبلغ رسالة ربه، ويؤسس دولة، كان يقوم بأعباء الرسالة، يحل مشاكل المسلمين، يحارب ويدافع عن الدولة الوليدة ويجهز الجيش ويضع الخطط العاجلة ويتصرف فى أوقات الأزمة بحُسن القرارات ومع كل ذلك كان له زوجات أخريات لهن متطلبات ويردن أن يتمتعن بالحياة ،كيف استطاع التوفيق بين كل ذلك تعالوا لندخل إلى بيت النبى ﷺ لنرى كيف كان يتعامل مع أهل بيته وكيف كان يقضى وقته بينهم

* بل كان يعرض مشاكل الأمة عليهن، ويأخذ بمشوره نسائه ففى صلح الحديبية حينما وافق النبى ﷺ على شروط الصلح على غير رغبة المسلمين وأمرهم بالتحلل من العمرة فتباطؤ دخل البيت وهو غاضبٌ فسألته السيدة أم سلمة فقال: “هلك المسلمون أمرتهم فلم يفعلوا”، فقالت السيدة أم سلمة هوّن عليك يا رسول الله صعبٌ عليهم أن يعودوا من غير عمرة اخرج ولا تكلم أحدًا وادع حالقك واحلق فهم سيفعلون مثلك، وبالفعل خرج النبى ﷺ وفعل ما قالت أم سلمة فتسابق المسلمون إلى الاقتداء بالنبى ﷺ والحلق والتحلي

* كان ﷺ يشارك زوجاته المناسبات السعيدة ، ويجعلها تشعر بفرحة المناسبة والعيد فمن ذلك:

– كان الأحباش يلعبون بالحراب في يوم عيد والناس ينظرون وهؤلاء مثل الذين يقومون بألعاب بهلوانية في أيام الأعياد فقال النبى ﷺ للسيدة عائشة تشتهين تنظرين أى أتريدين أن تشاهديهم وتتفرجى عليهم فقالت نعم فجعلت تقف خلف ظهر النبى ﷺ وتنظر من وراء كتفه والنبى ﷺ يقول: أشبعت

– وكما روى البخارى أيضا أن أبا بكرٍ دخل على عائشة وعندها جاريتان تغنيان بيوم بُعاث أى أغانى قومية وكان ذلك فى يوم عيد والنبى ﷺ نائم فغضب أبا بكر الصديق وقال أمزمار الشيطان فى بيت رسول الله؟! ، فتحول إليه النبى ﷺ وقال دعهن يا أبا بكر فهذا يوم عيد وحتى تعلم يهود أن فى ديننا فُسحة ﷺ.
– الأكثر من ذلك أن السيدة عائشة كانت لها صويحبات وكن يتقمعن يخافون أن يأتوا إليها فى حضرة الرسول ﷺ فانظر ماذا كان يفعل الرسول ﷺ “فكان يسرّبهن إلىّ” أى يرسلهن من وراء علمها حين يخرج

– وكانت لها دُمى لعب تلعب بها، فكان النبى ﷺ يحترم هواياتها، بل والأكثر من ذلك أن النبى ﷺ قد دخل عليها وعندها لعب تلعب بها فقال: ما هذا يا عائشة فقالت: بناتى، ورأى فيها فرسًا مربوطًا له جناحان فقال: ما هذا يا عائشة؟
فقالت: فرسٌ وله جناحان ألم تسمع أنه كان لسليمان خيلٌ لها أجنحة فضحك النبى ﷺ

#فإذا كانت هناك مشكلة أو يوجد ما يحزنها أو يقلقها أو يغضبها فيكون يكون هو الزوج الحانى يكون هو الذى يكفكف ويمسح الدمع ففى إحدى الغزوات كانت السيدة صفية مع النبى ﷺ وضلت الطريق وتأخرت عن الجيش واستقبلها النبى ﷺ وهى تبكى فأخذ النبى ﷺ يمسح دموعها ويواسيها عند بُكائها ويهدئها

* وكان لا يستخدم الألفاظ الجارحة أو ينتقصها أو يُسفّه رأيها فى الحديث مع نسائه

* وإذا كانت هناك مشكلة أو ما شابه لا ينتقصها أثناء المشكلة ولا ينس سابق العشرة ففى حادث الإفك حينما افترى المنافقون على السيدة عائشة وخاضوا فى عرضها وأخذوا يلوكوا فى عرضها، ومرضت كان النبى ﷺ يطمئن عليها ويقول لها: “كيف تيكم” أى كيف حالكم ولم يتأثر بما قيل عنها ويأخذ قرارًا مصيريًا غاضبًا تكون له تبعات بل ناقش المسألة وحقق فى الأمر ولم يمل إلى كلام المنافقين حتى نزلت براءتها من السماء.

#ولا يخل أي بيتٍ من مشاكل سيما إذا كان ضرائر، والبيت النبوي كان بيتًا بشريًا يحدث فيه ما يحدث في سائر البيوت غير أن الفرق هو في كيف كان يعالج النبي ﷺ هذه المشاكل.
أخرج الذهبي عن النعمان بن بشير قال: استأذن أبو بكر على النبي ﷺ فإذا عائشة ترفع صوتها عليه، فقال أبو بكر يا بنت فلانة ترفعين صوتك على رسول الله ﷺ ، فحال النبي ﷺ بينه وبينها، ثم خرج أبو بكر فجعل النبي ﷺ يترضاها -يصالحها ويطيّب خاطرها ويمازحها- ويقول لها: “ألم تَريني كيف حِلتُ بينك وبين الرجل؟ أي كيف حجزتُ بينك وبين أبيك، ثم استأذن أبو بكر مرةً أخرى فسمع تضاحكهما فقال: أشركاني في سِلمِكُما كما أشركتماني في حربكما” رواه أبو داود والنسائي.

* فاذا لم تستطع الزوجة القيام بعملٍ ما التمس لها العذر

#فاذا_كان_المساء جلس مع نسائه ولا يجلس صامتًا بل يشاركهن الحديث ويدعهن يتحدثن ويستمع لهن ويروى القصص كما فى حديث أم زرْع وهو حديث طويل قصتّه السيدة عائشة على النبى ﷺ يحكى عن قصة إحدى عشرة امرأة فى الجاهلية ويستمع إليها النبى ﷺ ولا يقاطعها ولقد ترجم – أى ذكر عنوانا للحديث – الإمام النسائى تحت عنوان “باب السمر مع الأهل” وهو عنوان ذو مغزى والسمر هو الحديث فى أول الليل يستمع النبى ﷺ العظيم ولا يحقر أو يُسفّه من كلامها تطيبًا لخاطرها

أيها الإخوة المؤمنين: إن الدنيا عرَضٌ حاضر، يأكل منه البر والفاجر، وإن الآخرة لوعد صادقٌ يحكم فيها ملك عادل، فطوبى لعبدٍ عمِل لآخرته وحبله ممدود على غاربه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فتوبوا إلى الله واستغفروه وادعوه وأنتم موقونون بالإجابة.

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ. قاد سفينة العالم الحائرة في خضم المحيط، ومعترك الأمواج حتى وصل بها إلى شاطئ السلامة، ومرفأ الأمان..

#فحينما_تحلو_الجلسة يتكئ الزوج فلا يجد ألين ولا أفضل من حجر زوجتة يتكئ عليه تقول أُمّنا السيدة عائشة: “كان النبى ﷺ يتكئ فى حجرى فأُمشّط شعره، وأقلّم أظافره وكان يدخل علىّ فأُرجّله”

* فإذا قالت شيئًا طريفًا يضحك من نكاتها وفكاهاتها:

* فإذا ما كانا على الطعام فإنه يضع الطعام فى فيها ويناولها الطعام وجعل فى ذلك الأجر والثواب فقال: “واللقمه تضع فى فىّ زوجتك لك بها أجر”

* كان يشرب من نفس المكان الذى شَرِبتْ منه تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: “كنتُ أشرب أنا والنبى من إناءٍ واحدٍ فيضع فاه على موضع فىّ”
بل وتأكل من نفس الموضع الذى أكل منه ” كنتُ أتعرق العِرْق أى العظم الذى عليه اللحم الذى أكل منه كنتُ أتعرَّقُ اللحم (يعني أخرج اللحم من العِرق بأسناني) وأنا حائض، فأعطيه للنبي ﷺ فيضعُ فمه على الموضعِ الذي وضعت فمي فيه، وأشربُ الشرابَ فيضعُ فمه على المكان الذي كنتُ أشربُ منه.

* فإذا كان هناك وقتٍ خرجا يتنزهان ليلًا ويسيران سويًا لك أن تتخيل ذلك، بل والأعجب والأكثر من ذلك أنهما يتسابقان ويجريان أيهما أسبق ويفوز فقد كانوا فى سفرٍ فقال النبى ﷺ للجيش تقدموا، ثم قال للسيدة عائشة تعالى نتسابق فسبقتُه أى هى التى سبقت النبى ﷺ ثم بعد حملت اللحم فقال لها النبى ﷺ: تعالى نتسابق فسبقنى أى سبقها النبى ﷺ وقال لها: “هذه بتلك” أى واحدة بواحدة

* كان يُضفى من روح الفكاهة والمرح على جو الأسرة
فكان يتفكه من خصام زوجاته
* وانظر إلى هذا الموقف الطريف فقد صنعت السيدة عائشة حريرة وهو طعام من دقيق وماء وجاءت السيدة سودة إحدى زوجات لزيارة النبى فى بيت عائشة فجلس النبى بينهن متكئًا على رجل كل واحدة وبالطبع عزمت السيدة عائشة على السيدة سودة ودعتها للطعام فأبت ورفضت فقالت لتأكلن أو لألطخنّ بها وجهك فلم تأكل فجعلت السيدة عائشة تلطخ وجه السيدة سودة وهى تلطخ وجه السيدة عائشة والنبى ﷺ يبتسم

* كان يبارك لها إذا اشترت أو لبست ثوبًا جديدًا ويقول لها: “أبلى وأخلقى”

وبعد ماذا نقول أمام هذه الأخلاق العظيمة؟ وبأى لغة نُعلّق؟ وهل فى لغة وكلام البشر ما يُعبّر عن هذه الأخلاق العظيمة؟ اللهم لا .
فلندع هذه المشاهد كما هى تتحدث عن نفسها تشع نورها وتتلألأ وتتألق روعةً وسموًّا وجلالًا
سأضعها على جبين الدهر عنوانًا
من لم يقتد برسول الله ليس إنسانا
قولوا لى بالله عليكم من كان بمثل هذه العواطف النبيلة ألا يستحق منا أن نحبه؟
[كتابنا: هذا رسول الله ﷺ باب: الجانب الإجتماعي في حياة النبي ﷺ]
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل

اترك تعليقاً