خطبة بعنوان «حب التناهي شطط .. خير الأمور الوسط» لفضيلة الشيخ ياسر عبدالبديع

خطبة بعنوان «حب التناهي شطط .. خير الأمور الوسط»
لفضيلة الشيخ : ياسر عبدالبديع

خطبة الجمعة ١٨ من ذي القعدة ١٤٤٦هـ الموافق ١٦ من مايو ٢٠٢٥م

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمَلْءَ مَابَيْنَهُمَا وَمُلْءَ مَاشِئْتَ يَارِبُ مِنْ شَئٍّ بَعْدَ أَهْلِ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَاقَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ اللَّهُمَّ لَامُعْطَى لِمَا مَنَعْتَ وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ
سَبْحَانُكَ اللَّهُمَّ خَيْرَ مُعَلِّمٍ عَلَّمْتَ بِالْقَلَمِ الْقُرُونَ الْأُولَى أَخْرَجْتَ هَذَا الْعَقْلَ مِنْ ظُلُمَاتِهِ وَهَدَيَتَهُ النُّورَ الْمُبِينَ سَبِيلًا وَأَرْسَلْتَ بِالتَّوْرَاةِ مُوسَى مُرْشِدًا وَابْنَ الْبَتُولِ فَعَلَّمَ الْإِنْجِيلَا وَفَجَرَتْ يَنْبُوعَ الْبَيَانِ مُحَمَّدًا فَسَقَى الْحَدِيثَ وَنَاوَلَ التَّنْزِيلَا
وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا وَمُصْطَفَانَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا وَرَسُولًا أُوصِيكُمْ وَنَفْسَى بِتَقْوَى اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحُ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا أُحَدِّثُكُمْ الْيَوْمَ عَنْ مَوْضُوعٍ تَحْتَ عُنْوَانِ

حب التناهى شطط وخير الأمور الوسط

العُنْصُرُ الْأَوَّل : خَلَق الْمَحَبَّة وَآثَارِهَا عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ

الْمَحَبَّةِ فِي اللَّهِ تَعَالَى هِيَ أَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ وَيَمِيلُ إلَيْهِ، لَا لِعَرْض وَلَا لِغَرَضٍ؛ مِنْ مَالِ أَوْ مَنْصِبٍ، أَوْ جَاهٍ أَوْ مَكَانِهِ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، بَلْ مِنْ أَجْلِ مَا يَتَّصِفُ بِهِ مِنْ خَلْقِ حُسْنٌ، وَطَاعَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى.

وَالْحَبِّ فِي اللَّهِ هُوَ مِنْ اسْمِي وَأَعْلَى الْعَلَائِق الَّتِي تَقُومُ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بَذَلَ وَتَضْحِيَة، وَعَطَاء بِدُونِ مُقَابِلٍ، وَهُوَ مِنْ أَحَبِّ الأَعْمَالِ وَأَفْضَلُهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى؛ كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ الْحَبِيب الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: ((أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ)) وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهُ))

وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ مَحَبَّةً مِنْ تَخَلُّقٌ بِخُلُقِ الْمَحَبَّة لِلْمُؤْمِنِين الطَّائِعِين؛ فَعَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ فَإِذَا فَتًى بَرَّاقُ الثَّنَايَا، وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ، فَإِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوهُ إلَيْهِ، وَصَدَرُوا عَنْ رَأْيِهِ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيلَ: هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ هَجَّرْتُ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ، وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ، ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: وَاَللَّهُ إِنِّي لَأُحِبُّكَ لِلَّهِ، فَقَالَ: اللَّهُ؟ فَقُلْتُ: اللَّهُ، فَقَالَ: اللَّهُ؟ فَقُلْتُ: اللَّهُ، فَأَخَذَ بِحُبْوَةِ رِدَائِي فَجَذَبَنِى إلَيْهِ، فَقَالَ: أَبْشِرْ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِي، وَلِلْمُتَجَالِسَيْنِ فِي، وَلِلْمُتَبَاذِلَيْن فِي))

وَالْمَحَبَّة فِي اللَّهِ تَعَالَى مَنَحَهُ رَبَّانِيَّة، وَسِرّ مِنْ الْأَسْرَارِ الْإِلَهِيَّةِ، الَّتِي قَدْ لَا يُدْرِكُ الْعَبْد سَبَبِهَا، إلَّا أَنَّهُ يُشْعِرُ بِأَثَرِهَا، قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَنَّ الَّذِينَ امَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ [مَرْيَمَ: 96]، قَالَ عُلَمَاءُ التَّفْسِيرِ: يُحِبُّهُمْ اللَّهُ وَيُحَبِّبُهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الْمُؤْمِنِينَ

وَقَالَ فِي حَقِّ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾ [طَه: 39]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُحِبُّه وَحَبَّبَهُ إلَى خَلْقِهِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ مَا رَاهُ أَحَدٌ إلَّا أَحَبَّهُ

وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((إذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: أَنْ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَاحِببه، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْض))

وَيُفَسِّرُه حَدِيثِ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا: ((أَنَّ الْعَبْدَ لَيَلْتَمِسُ مَرْضَاةَ اللَّهِ وَلَا يَزَالُ بِذَلِكَ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجِبْرِيلَ: إِنَّ فُلَانًا عَبْدِي يَلْتَمِسُ أَنْ يُرْضِيَنِي، أَلَا وَإِنَّ رَحْمَتِي عَلَيْهِ، فَيَقُولُ جِبْرِيلُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى فُلَانٍ، وَيَقُولُهَا حَمَلَةُ الْعَرْشِ، وَيَقُولُهَا مَنْ حَوْلَهُمْ، حَتَّى يَقُولَهَا أَهْلُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ، ثُمَّ تَهْبِطُ لَهُ إلَى الْأَرْضِ))

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ))

قَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا تَسَلْ أَحَدًا عَنْ وُدِّهِ لَك، وَانْظُرْ مَا فِي نَفْسِك لَهُ؛ فَإِنْ فِي نَفْسِهِ مِثْلَ ذَلِكَ

وَقَدْ سُئِلَ أَبُو حَمْزَةَ النَّيْسَابُورِىُّ عَنْ الْمُتَحَابِّينَ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: مِنْ هُمْ؟

فَقَالَ: الْعَامِلُون بِطَاعَةِ اللَّهِ، الْمُتَعَاوَنُون عَلَى أَمْرٍ اللَّهُ، وَأَنَّ تَفَرَّقَتْ دُورِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ

وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ قَدْ يَعْمَلُون بِطَاعَةِ اللَّهِ وَيَتَعَاوَنُون عَلَى أَمْرِهِ، وَلَا يَكُونُونَ إِخْوَانًا فِي اللَّهِ حَتَّى يَتَزَاوَرُوا وَيَتَبَاذَلوا

وَإِنْ مِنْ ثَمَرَاتِ الْمَحَبَّةِ فِي اللَّهِ إِنَّ يَبْلُغُ الْعَبْدُ كَمَال الْإِيمَان:

فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ، فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانِ))

بَلْ إنْ الْحَبِّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِيهِ هُوَ مِنْ أَوْثَقِ عُرَى الْإِيمَانِ؛ فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إنْ مِنْ أَوْثَقِ عُرَى الْإِيمَانِ: الْمُوَالَاةِ فِي اللَّهِ، وَالْمُعَادَاة فِي اللَّهِ، وَالْحَبِّ فِي اللَّهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ))

وَلَا يُحِسُّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ وَطُمَأْنِينَتُه فِي الْقَلْبِ إلَّا ذَلِكَ الَّذِي أَحَبَّ فِي اللَّهِ وَكَرِهَ فِي اللَّهِ؛ فَعَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((ثَلَاثٌ مِنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَإِنْ يُكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يُكْرَهُ أَنْ يَقْذِفَ فِي النَّارِ))

وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْحَلَاوَة؛ لِأَنَّ اللَّهَ شَبَهِ الْأَيْمَانِ بِالشَّجَرَة فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ﴾ [إِبْرَاهِيم: 24]، فَالْكَلِمَة هِيَ كَلِمَةٌ الْإِخْلَاص، وَالشَّجَرَة أَصْلِ الْإِيمَانِ، وَأَغْصَانُهَا اتِّبَاعِ الْأَمْرِ وَاجْتِنَابِ النَّهْيِ، وَوَرَقُهَا مَا يُهْتَمُّ بِهِ الْمُؤْمِنُ مِنْ الْخَيْرِ، وَثَمَرُهَا عَمِلَ الطَّاعَاتِ، وَحَلَاوَة الثَّمَر جَنْيَ الثَّمَرَةِ، وَغَايَة كَمَالِه تَنَاهَى نَضِج الثَّمَرَة، وَبِهِ تَظْهَرُ حَلَاوَتَهَا. وَقِيلَ بِأَنْ “حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ اسْتِلْذَاذ الطَّاعَات، وَتَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ فِي الدَّيْنِ، وَإِيثَار ذَلِكَ عَلَى إعْرَاضِ الدُّنْيَا”
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ عَلَيْهَا النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ؛ فَعَنْ مُعَاذٍ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاء))

وَقَدْ أَخْبَرَنَا الْمُحِبّ الْمَحْبُوب صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ أَصْدَقَ الْمُتَحَابِّينَ فِي اللَّهِ هُوَ الْأَحَبُّ إلَيَّ اللَّهِ وَالْأَفْضَلُ عِنْدَهُ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا تَحَابَّ رَجُلَانِ فِي اللَّهِ إلَّا كَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَشَدَّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ))وَقَالَ: ((مَا تَحَابَّ اثْنَانِ فِي اللَّهِ تَعَالَى إلَّا كَانَ أَفْضَلُهُمَا أَشَدَّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ)) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِه))

وَقَدْ دَلَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَسْبَابِ تَنْمِيَة الْمَحَبَّة وَتَقْوِيَتِهَا بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ، سَوَاءٌ مِنْهَا مَا كَانَ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ؛ فَمَنْ ذَلِكَ:

أَوَّلًا: إفْشَاءِ السَّلَامِ: عَلَى مَنْ عَرَفْنَا وَمَنْ لَمْ نَعْرِفْ مَنْ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ))
ثَانِيًا: الْإِخْبَارِ بِالْمَحَبَّةِ: فَقَدْ سُنَّةً لَنَا الْحَبِيب الْأَعْظَمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لَمَّا يُثْمِرُه مِنْ زِيَادَةِ مَوَدَّة، وَتَوَثَّق أَخُوه، وَتَعَاوُن وَتَالُف، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ، فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ)) وَعَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَعْلَمَتْه؟))، قَالَ: لَا، قَالَ: ((أَعْلَمُهُ))، قَالَ: فَلَحِقَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ، فَقَالَ: أَحَبَّك الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ

فَإِذَا مَا أُكْرِمَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُتَحَابِّين يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْجَنَّة، فَإِنْ أَوْلَاهُمَا بِاَللَّهِ وَأَرْفَعِهَمَا مَنْزِلَةَ عِنْدَهُ هُوَ ذَاكَ الَّذِي بَادَرَ بِإِبْدَاء مَشَاعِر الْمَحَبَّة تُجَاه إخْوَانِه وَأَحْبَابِه، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مِنْ أَحَبِّ رَجُلًا لِلَّهِ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ لِلَّهِ، فَدَخَلَا جَمِيعًا الْجَنَّةِ، فَكَانَ الَّذِي أَحَبَّ أَرْفَعُ مَنْزِلَةً مِنْ الْاخَرِ، وَأَحَقّ بِاَلَّذِي أَحَبّ لِلَّهِ))

فَإِذَا مَا كَانَ يَوْمُ يُحْشَرُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، وَتَقَترب الشَّمْسِ مِنْ رُؤوسِ الْخَلَائِق مَسَافَةِ مِيلٍ، وَيَغُوص النَّاسِ فِي عَرَقِهِمْ، كُلّ حَسَبِ عَمَلِهِ، فَإِنْ اللَّهُ تَعَالَى يُكْرِم الْمُتَحَابِّينَ فِي اللَّهِ وَلِلَّهِ بِظِلّ عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ، فَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((إنْ اللَّهُ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي، يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلِّي)) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((سَبْعَةَ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ…، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ…))

ثُمَّ بَعْدَ أَنْ يَنْقَضِيَ ذَلِكَ الْيَوْمِ العَصِيب، يَوْمِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْخَلْقِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُكْرِم الْمُتَحَابِّين بِجَلَالِه بِدَارِ كَرَامَتِهِ مُجْتَمِعِين مُنَعَّمِين، كَمَا أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ الْحَبِيب الْأَعْظَمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: ((وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟))، قَالَ: لَا شَيْءَ إلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ))، قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ))، قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ

ثُمَّ يَكُونُونَ فِي الْجَنَّةِ عَلَى مَنَابِرَ اللُّؤْلُؤِ، يَغْبِطُهُمْ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَلَى هَذَا النَّعِيمِ الْعَظِيمِ، الَّذِي أَكْرَمَهُمْ اللَّهُ بِهِ ثَمَرَةً صُدِّق مَحَبَّتَهُمْ فِي اللَّهِ وَلِلَّهِ؛ فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ أَقْوَامًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي وُجُوهِهِمْ النُّورُ عَلَى مَنَابِرَ اللُّؤْلُؤِ، يَغْبِطُهُمْ النَّاسُ، لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ))، قَالَ: فَجَثَا أَعْرَابِيٌّ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَلِّهِمْ لَنَا نَعْرِفُهُمْ؟ قَالَ: ((هُمْ الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ، مِنْ قَبَائِلِ شَتَّى وَبِلَادٍ شَتَّى، يَجْتَمِعُونَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ يَذْكُرُونَه))

الْقِيَامِ بِحُقُوقِ الْإِخْوَة وَالْإِحْسَان لِلْإِحبه:

وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقُلُوبَ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إلَيْهَا، وَبُغْضِ مَنْ أَسَاءَ إلَيْهَا، فَإِذَا مَا سَادَ الْإِحْسَان بَيْنَ الْإِخْوَانِ، تَوَثَّقَتْ عَرِي الْمَحَبَّة وَتَعَمقت، وَمَنْ هَذِهِ الْحُقُوق:

الْمُجَالَسَة فِي اللَّهِ تَعَالَى: وَهِيَ أَنَّ يُجَالِسَ كُلَّ مِنْهُمَا الْاخَرَ لِيَنْتَفِع بِمُجَالَسَتِه؛ مِنْ ذِكْرِ لِلَّهِ، أَوْ سَمَاعِ مَوْعِظَةً، أَوْ حُكْمُهُ، أَوْ قَصَّةٍ، أَوْ فَائِدَةٍ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَرْضَى اللَّهُ تَعَالَى، أَمَّا إذَا كَانَ الْمَجْلِسُ لِغَيْبَةٍ أَوْ نَمِيمَةٍ أَوْ كَذَّبَ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَغْضَبَ اللَّهُ، فَهِمَ أَبْعَدَ النَّاسِ عَنْهُ.

وَإِذَا كَانَتْ الْمُجَالَسَة لِلَّهِ تَعَالَى، اسْتَحَقّ الْجُلَسَاء مَحَبَّةِ اللَّهِ، وَبَاهِي اللَّهُ تَعَالَى بِمَجْلِسِهِمْ الْمَلَائِكَة؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقِهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ، قَالَ: اللَّهُ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟ قَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ، قَالَ: أَمَّا إنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَمَا كَانَ أَحَدُ بِمَنْزِلَتِى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي، وَإِنْ رَسُولٌ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى حَلْقِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: ((مَا أَجْلَسَكُمْ؟))، قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ بِهِ عَلَيْنَا، قَالَ: ((اللَّهُ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟))، قَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ، قَالَ: ((أَمَّا إنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِى جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَة))

الَّتِبَاذِل فِي اللَّهِ: وَذَلِكَ بِأَنْ يَبْذُلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَحْتَاجُهُ الْاخَرِ، لَا يَبْتَغِي مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ جَزَاءُ وَلَا شُكُورًا؛ إِنَّمَا يَبْتَغِى مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ، وَيَدْفَعُهُ إلَى ذَلِكَ الْمَحَبَّةُ الْخَالِصَةُ لِوَجْه اللَّه.

التَّنَاصُح فِي اللَّهِ: وَهِيَ أَنَّ يَنْصَح كُلٍّ مِنْهُمَا الْاخَرَ، لَا يَخُونُهُ وَلَا يَخْدَعَه، بَلْ يُرِيدُ لَهُ الْخَيْرَ وَيَدُلُّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النُّصْحَ حَقِّ مَنْ حُقُوق أُخُوَّةِ الْإِيمَانِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((حَقٌّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ))، قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((إذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاك فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبَعَه))

وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ مَحَبَّتِه كَذَلِك لِلْمُتَنَاصَحَّيْن فِيهِ؛ فَعَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىِّ قَالَ: لَقِيتُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَحَدَّثْتُهُ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ((حَقَّتْ مَحَبَّتِي عَلَى الْمُتَحَابِّينَ فِي، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي عَلَى الْمُتَنَاصَحَّيْن فِي، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي عَلَى المُتَبَاذِلِينَ فِيَّ، هُمْ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ وَالصِّدِّيقُون))

وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ النَّصِيحَةُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ صَدَّقَ النُّصْح مِنْ كَمَالِ الدِّينِ وَالْإِيمَانِ، كَمَا أَنَّهُ مِنْ صِدْقِ الْمَحَبَّةِ فِي اللَّهِ تَعَالَى.

التَّزَاوُر فِي اللَّهِ تَعَالَى: وَهِيَ أَنَّ يَزُورُ أَحَدُهُمَا الْاخَرَ، فَزِيَارَة الْأَحِبَّة مِنْ نَعِيمِ الدُّنْيَا وَسَعَادَتِهَا، كَمَا أَنَّهُ سَبَبٌ الْمَحَبَّةِ الرَّبَّانِيَّةِ؛ فَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى: ((حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَزَاوِرِينَ فِي…))

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنْ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا، غَيْرُ أَنِّى أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ))

فَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ التَّزَاوُرِ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ لِبُعْدِ مَسَافَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنَّ يَكُونَ بَيْنَهُمَا تُوَاصِل وَاتِّصَال، فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ مَحَبَّتِه كَذَلِك لِلْمُتَوَاصِلِين فِيهِ وَمِنْ أَجْلِهِ؛ فَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى: ((حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَوَاصِلِينَ فِي…))

العُنْصُرُ الثَّانِي : الْحَبّ الْمَحْمُود وَالْحَبّ الْمَذْمُومُ

مِنْ أَجْمَلِ الْحَبّ الْمَحْمُود مَحَبَّةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
كَيْفَ تَكُونُ مَحَبَّةِ اللَّهِ؟ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ رَأْسُ الْمَحَبَّةِ لَهُ تَرْتَبِط عُبُودِيَّةِ الإِنْسَانِ لِلَّهِ -تَعَالَى- بِمُدَّيْ مَحَبَّتِهِ لَهُ، فَكُلَّمَا زَادَ حَبٌّ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ زَادَتْ عُبُودِيَّتِه لَه، وَالْمَحَبَّة رَوْح الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ، فَمِنْ تَحَلَّى بِهَا فَقَدْ حَازَ شَرَف خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ، وَحَظِي بِمَعِيَّة اللَّهُ وَحَفِظَهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ، ثُمَّ إنَّ الْمَرْءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُحْشَرُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ. وَلِلْمُحِبِّة ارْتِبَاطُ وَثِيق بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَالشَّهَادَة تَقْتَضِي تَوْجِيه الْمَحَبَّةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ، ثُمَّ مَحَبَّةُ مَا يُحِبُّهُ وَكُرِهَ مَا يَكْرَهُهُ، فَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ إيمَانُهُ كَامِلًا، وَوَقَعَ فِي وَصْفِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللّـة وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَط أَعْمَالِهِمْ). مَحَبَّةِ اللَّهِ بِمَحَبَّة كَلَامُهُ مِنْ أَحَبِّ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فَقَدْ أَحَبَّ كَلَامِه، فَمَحَبَّة الْقُرْانِ الْكَرِيمِ تَعَدّ مِقْيَاسًا لِمَدَى مَحَبَّة الْمُسْلِمِ لِلَّهِ، ثُمَّ الِاسْتِمْتَاع بِالِاسْتِمَاع إلَى الْقُرْانِ الْكَرِيمِ، فَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَقَالَ: (قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْرَأْ عَلَى قَلَتٍ: أَقْرَأَ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ، قَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي)،وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ: “لَوْ طَهُرَتْ قُلُوبِنَا مَا شَبِعْت مِنْ كَلَامِ اللَّهِ”. مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِكْثَارِ مِنْ ذِكْرِهِ أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ -تَعَالَى- يُؤَدِّي إلَى مَعِيَّتُه وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وَجَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بِشِبْر تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً).
وَذِكْرِ اللَّهِ يَشْمَلُ الْقِيَامَ بِمَا أَمَرَ بِهِ فِي الْأَفْعَالِ، فَالذَّكَر بِاللِّسَان يَنْبَغِي أَنْ يَتْبَعَهُ عَمِلَ بِالْجَوَارِحِ، كَمَا أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ يُرَافِق الْمُسْلِمُ بِجَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ. مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى بِاجْتِنَاب مَعَاصِيه تُقَاس الْمَحَبَّة بِالطَّاعَة، فَمَنْ كَانَتْ لَهُ مَحَبَّةٌ فَقَدْ كَانَتْ لَهُ الطَّاعَةَ، ذَلِكَ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ تُشْكِل حِجَابًا بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، وَلَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَدَّقَ مَحَبَّةُ الْإِنْسَانِ لِلَّهِ طَالَمَا أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ يَقُوم بِالْمَعْصِيَة وَيَسْتَمِرُّ عَلَيْهَا. مَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى بِطَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ أَوَامِرِهِ الْمَحَبَّة تُدْفَعُ إلَى الْمُسَارَعَةِ فِي الِاسْتِجَابَةِ لِأَوَامِرِ اللَّهِ دُونَ تَرَاخِي، لِأَنّ التَّبَاطُؤِ فِي تَنْفِيذِ أَمْرِ اللَّهِ يُورَث الْمَعْصِيَة، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِخْلَاصُ مُرَافِقًا لِكُلِّ مَا يَقُومُ بِهِ الْعَبْدُ مِنْ الطَّاعَاتِ، وَالتَّذَلُّلُ لِلَّهِ وَتَعْظِيمُهُ، وَذَلِكَ حَتَّى يَكْتَمِلَ مَعْنَى الْمَحَبَّةِ لِلَّهِ -تَعَالَى-، وَيَتَجَنَّب الْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: (وَمِنْ النَّاسِ مِنْ يُتَّخَذُ مِنْ دُونِ اللّـة أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّـة)، فَلَا يُحِبُّ أَحَدًا أَكْثَرَ مِنْ اللَّهِ، وَلَا مِثْلَهُ، وَلَا يُشَارِكُهُ فِي الْمَحَبَّةِ غَيْرِهِ.

وَمِنْ أَجْمَل الْحَبّ الْمَحْمُود حُبِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

طَاعَتِه تَقْتَرِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- بِمَحَبَّة نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ -تَعَالَى-: (قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّـة فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللّـة وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَإِلَّلـهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)،[ حَيْثُ جَعَلَ مَحَبَّةِ رَسُولِ اللَّهِ شَرْطًا وَدَلِيلًا عَلَى مَحَبَّتِهِ. وَتَتَحَقَّق مَحَبَّةِ رَسُولِ اللَّهِ بِاتِّبَاعِ فِي كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَكُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالدَّيْنِ مِنْ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ، وَالظَّوَاهِر وَالْبَوَاطِن، وَالِاقْتِدَاءُ بِرَسُولِ اللَّهِ فِيمَا يَقُومُ بِهِ مِنْ حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ، وَجَمِيعِ أَفْعَالِهِ، وَمَا دُونَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ ادِّعَاء لِمَحَبَّتِه عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكُلُّ ذَلِكَ هُوَ المِقْيَاس لِمَحَبَّةِ اللَّهِ، فَمَنْ زَادَ فِي حُبِّ الرَّسُولِ زَادَ فِي حُبِّ اللَّهِ، وَمَنْ نَقَصَ فِي هَذَا فَقَدْ نَقَصَ فِي ذَاكَ. وَتَظْهَر طَاعَةُ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ خِلَالِ التَّمَسُّك بِسُنَّتِه، وَالْإِكْثَارُ مِنْ النَّوَافِلِ، وَالِاقْتِدَاءِ بِمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَفْعَلُهُ مِنْ غَضِّ الصَّوْتِ عِنْدَ الْحَدِيثِ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى نَظَافَة الْمُظْهَر، وَالصِّدْقُ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، وَالِاتِّصَاف بِأَخْلَاقِه مِنْ مُسَاعَدَة الضُّعَفَاء، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَطَلَبُ الْحَلَالِ، وَقَدْ قِيلَ فِي مَحَبَّتِهِ: هِي اعْتِقَاد نُصْرَتِه، وَالذَّبِّ عَنْ سُنَّتِهِ، وَالِانْقِيَاد لَهَا. الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَأَتْبَاعُه قَالَ -تَعَالَى-: (فَامَنُوا بِاللـهُ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللـهُ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)، وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ وَأَتْبَاعُه يَكُونُ مِنْ خِلَالِ الِاتِّصَافُ بِمَا اتَّصَفَ بِهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ؛ كَالْكَرَم وَالْجُود، وَالْحِلْمِ، وَالتَّوَاضُعِ، وَالزُّهْد، وَالْحَيَاء، وَالصِّدْق، وَأَتْبَاعِهِ فِي الْعِبَادَةِ، وَغَيْرِهَا مِمَّا اتَّصَفَ بِهِ،وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ السَّيْرِ فِي طَرِيقِ اللَّهِ، وَلَا سَبِيلَ لِلْوُصُول فِي هَذَا الطَّرِيقِ مِنْ غَيْرِ الِاقْتِدَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ. مَحَبَّة الِ بَيْتِهِ وَأَصْحَابَهُ يُطْلَق مُصْطَلَح الِ الْبَيْتِ عَلَى أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ وَذُرِّيَّتِه، وَكُلُّ مَنْ هُوَ مِنْ نَسْلِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؛ وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَمَحَبَّة الِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَظْهَرُ مِنْ خِلَالِهَا مَحَبَّةِ رَسُولِ اللَّهِ؛ فَمَحَبَّة رَسُولُ اللَّهِ تَكُونُ بِمَحَبَّةِ مَنْ يُحِبُّهُ، وَمَع الِ بَيْتِهِ؛ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوه.وَتَظْهَر مَحَبَّتِهِمْ مِنْ خِلَالِ مُوَالَاتِهِمْ وَنُصْرَتِهِمْ، وَالْقِيَام بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ فِيهِمْ، فَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمًا خَطِيبًا بِالنَّاسِ، فَقَالَ: (أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّى فَأُجِيبُ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ)،
وَذَكَر ثَانِيهِمَا: (وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي)، وَهَذَا هُوَ مَنْهَجٌ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي مَحَبَّةِ الِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ. نَصَرْتُهُ وَالدِّفَاعِ عَنْهُ وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِالدِّفَاعِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَالرَّدُّ عَلَى كُلِّ مَنْ يَتَطَاوَلْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَالدِّفَاعِ عَنِ سُنَّتِه وَمَا وَرَدَ بِهَا بِكُلِّ مَا يَمْلِكُ الْمُسْلِمُ مِنْ لِسَانِهِ، وَمَالِهِ، وَنَفْسِهِ، وَقَلْمِه، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ. قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (إلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّـة)، كَمَا أَثْنَى عَلَى الْمُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ دِفَاعًا عَنِ رَسُولِ اللَّهِ وَنُصْرَةِ لَهُ، قَالَ -تَعَالَى-: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللّـة وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللّـة وَرَسُولُه أَوَّلـيَك هُمْ الصَّادِقُونَ).

وَحُبُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرِيقَ لِلإِيمَانِ:
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا يُؤْمَنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِين))
فَالْمُؤْمِن الْحَقِيقِيَّ هُوَ الَّذِي يَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ النَّاسِ أَجْمَعِينَ، حَتَّى وَالِدِه وَوَلَدَهُ.

قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: “وَمَنْ حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ يَكُونَ أَحَبَّ إلَيَّ الْمُؤْمِنَ مِنْ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَمِيعِ الْخَلْقِ؛ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ قَلَّ أَنْ كَانَ ابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاَللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التَّوْبَةِ: 24]”.

وَقَالَ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: “هَذِهِ الْايَةِ الْكَرِيمَةِ أَعْظَمُ دَلِيلٍ عَلَى وُجُوبِ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى تَقْدِيمُهَا عَلَى مَحَبَّةِ كُلِّ شَيْءٍ، وَعَلَى الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ، وَالْمَقْت الْأَكِيدِ عَلَى مَنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ، وَعَلَامَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا عَرَضَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلَيْسَ لِنَفْسِهِ فِيهَا هَوَى.

وَالْاخَر: تُحِبُّه نَفْسِه وَتَشْتَهِيه، وَلَكِنَّه يُفَوِّتُ عَلَيْهِ مَحْبُوبًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ أَوْ يُنْقِصُهُ، فَإِنَّهُ إنْ قَدِمَ مَا تَهْوَاهُ نَفْسُهُ عَلَى مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ ظَالِمٌ تَارِكٌ لِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ”

بَلْ لَا يَكُونُ المُؤْمِنُ كَامِلَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ، فَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مِنْ نَفْسِي؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِك))، فَقَالَ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الْانَ لَأَنْتَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْانَ يَا عُمَرَ))

وَقَدْ سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَيْفَ كَانَ حُبُّكُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: “كَانَ أَحَبَّ إلَيْنَا مِنْ أَمْوَالِنَا وَأَوْلَادِنَا وَابَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، وَمِنْ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَى الظَّمَأِ” لِهَذِه الدَّرَجَة كَانَ الصَّحَابَةُ يُحِبُّون النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَأَذْكُر لَك مَوْقِف مُعَبِّرٌ عَنْ هَذَا الْحُبِّ، وَمَا هِيَ حَصْر، بَلْ غَيْض مِنْ فَيْض.

فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ:
أُصِيبَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي دِينَارٍ بِاسْتِشْهَاد زَوْجِهَا وَأَخِيهَا وَأَبِيهَا، فَلَمَّا بَلَغَهَا خَبَرُ اسْتِشْهَادِهِمْ، قَالَتْ: “مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قِيلَ: خَيْرُ يَا أُمَّ فُلَانٍ، هُوَ بِحَمْدِ اللَّهِ كَمَا تُحِبِّين، قَالَتْ: أَرُونِيهِ حَتَّى أَنْظُرَ إلَيْهِ، فَأُشِير إلَيْهَا حَتَّى إذَا رَأَتْهُ قَالَتْ: كُلُّ مُصِيبَةٍ بَعْدَك جَلَلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ (جَلَّل؛ أَيْ: صَغِيرٍ)”.
مِنْ الْحَبِّ الْمَحْمُود حَبّ شَرَعَ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، حَبِّ هَذَا الدَّيْنِ الْعَظِيمِ، الَّذِي قَالَ عَنْهُ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ (أَنْ الدَّيْنِ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) [ال عِمْرَانَ: 19].
وَقَالَ أَيْضًا (وَمِنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْاخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) [ال عِمْرَان: 85].

حَبِّ هَذَا الشَّرْعِ الْعَظِيم، وَوَصَفَ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- الْكَافِرِينَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ، قَالَ: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ) قَالَ: (فَأَحْبَط أَعْمَالِهِمْ) [مُحَمَّد: 9]، فَعَدَم مَحَبَّة شَرَعَ اللَّهُ، وَالرِّضَا بِمَا شَرَعَ اللَّهُ يُعَدُّ مِنْ مَحْبُطات الْأَعْمَالُ، كَاَلَّذِي يُكْرَه -مَثَلًا- صَلَاةُ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهَا تَقْلِق رَاحَتِهِ، هَذَا فِي إيمَانِهِ خَدْش، وَهُوَ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ يُوشِكُ أَنْ يَنْهَارَ بِهِ فِي وَادِي جَهَنَّمَ.

الَّذِي يُكْرَهُ -مَثَلًا- شَهْرِ رَمَضَانَ كَوْنِهِ فِي الصَّيْفِ، أَوْ يُكْرَهُ -مَثَلًا- حَجَّ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ الزِّحَامِ وَالْمَشَقَّة، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا شَرَعَهُ اللَّهُ: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَط أَعْمَالِهِمْ) [مُحَمَّدٍ: 28].

لَا بُدَّ أَنْ نُحِبَّ شَرَعَ اللَّهُ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَالِهِ وَسَلَّمَ-؛ كَانَ يَقُولُ: “وَجُعِلَتْ الصَّلاَةَ قُرَّةَ عَيْنِي” فَكَانَتْ الصَّلَاةُ قُرَّةُ عَيْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَالِهِ وَسَلَّمَ.
هَكَذَا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُ- لَا بُدَّ أَنْ تُحِبَّ شَرَعَ اللَّهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ تُوقَنْ بِأَنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ فِي اتِّبَاعِ شَرَعَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (إِلَّا يَعْلَمُ مِنْ خَلْقِ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الْمِلْكِ: 14].

وَمَنْ الْحَبّ الْمَحْمُود: مَحَبَّة صَحَابَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَالِهِ وَسَلَّمَ-، صَحَابَتِه وَالِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ- هُمْ الَّذِينَ ضَحُّوا، هُمْ الَّذِينَ هَاجَرُوا، هُمْ الَّذِينَ جَاهَدُوا، هُمْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا، هُمْ الَّذِينَ قَاتَلُوا، هُمْ الَّذِينَ أَوَوْا وَنَصَرُوا، هُمْ الَّذِينَ تُوُفِّيَ عَنْهُمْ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَالِهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ رَاضٍ عَنْهُمْ، وَقَدْ بُشِّرَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- ثُلَّةٌ مُبَارَكَة مِنْهُمْ بِجَنَّات نُعَيْمٍ، وَهُوَ لَا يَزَالُ يَدِبُّ عَلَى هَذِهِ الْأَرْض.

كُرِه الصَّحَابَة ضَلَال عَظِيم-أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ-، الَّذِي يُبْغِضُ الصَّحَابَة لِدِينِهِمْ هُوَ عَلَى ضَلَالٍ وَبَعُدَ عَنْ رِضًا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَلَا يُقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا حَتَّى يُؤْمِنَ بِهَؤُلَاء الْأَخْيَار الْأَبْرَار الْأَطْهَار -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ-.

هَذَا حَبٌّ شَرْعِيٌّ، وَلَيْسَ بِحُبّ فِطْرِيّ فَقَطْ إنْ تُحِبُّهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ كَانُوا سَبَبًا فِي وُصُولِ هَذَا الدَّيْنِ إلَيْنَا، هُمْ الَّذِينَ كَانُوا سَبَبًا فِي حِفْظِ رَايَةِ الْإِسْلَامِ، وَفِي نَشْرِ التَّوْحِيد وَالسُّنَّةُ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا.

حَبّ الصَّحَابَة إِيمَانٌ، وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ وَنِفَاقٌ وَطُغْيَانٌ، وَاَلَّذِي يُبْغِضُهُمْ لِدِينِهِمْ لَا حَظَّ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَهُوَ عَدُوُّنَا وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ الْأَقْرَبِين، وَهُوَ عَدُوُّنَا وَإِنْ كَانَ مِنْ جِلْدَتِنَا، نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ كُلِّ مَنْ يُبْغِضُ صَحَابَةِ النَّبِيِّ، وَأُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، وَالِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِين.

كَذَلِكَ مِنْ أَقْسَامِ الْحَبّ الْمَحْمُود -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ-: حَبّ الْوَالِدَيْن، أَمَرَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِحُبِّ الْوَالِدَيْن، وَبِطَاعَة الْوَالِدَيْنِ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ، بَلْ إنْ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ قَرَنَ طَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ بِالْأَمْر بِطَاعَة الْوَالِدَيْن: (وَقَضَى رَبُّك) وَقَضَى، يَعْنِي أَوْجَبَ: (وَقَضَى رَبُّك أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا) تَوْحِيد الَّذِي هُوَ حَقٌّ اللَّهُ عَلَى الْعَبْدِ: (وَقَضَى رَبُّك أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا) [الْإِسْرَاء: 23].

(وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنَّ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) [لُقْمَان: 15].

وَإِنْ كَانَ الْوَالِدَانِ مُشْرِكِين، بَلْ وَإِنْ كَانَ الْوَالِدَيْن دَاعِيَيْنِ إلَى الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، فَلَا تُطِعْهُمَا، هَلْ تَعْقِهما؟

لَا، قَالَ: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)[لُقْمَان: 15]، إذَا حَبّ الْوَالِدَيْن حَبّ شَرْعِيٌّ.

وَ الْحُبِّ الْمَذْمُومِ، وَهُوَ بِخِلَافِ، مَا ذَكَرْت لَكُمْ -أَحَبُّتِي فِي اللَّهِ- وَهُوَ الْحَبُّ الَّذِي -وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ- يَدْعُو إلَى الْعِشْق وَالْهُيَام، وَاَلَّذِي يَكُونُ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْإِطَار الشَّرْعِيِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ -وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ- الَّذِي عَدَّهُ الْعُلَمَاءُ دَاءٍ عُضَالٍ، قَلَّ مَا يَشْفِي مِنْهُ إلَّا مِنْ أَرَادَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَهُ الْهِدَايَةُ.

العُنْصُرُ الثَّالِث : الْوَسَطِيَّة وَالِاعْتِدَال

الْأَمَة الْوَسَط
أُمَّةِ الْإِسْلامِ وَسَطٌ بَيْنَ الأُمَمِ؛ فَهَذِهِ الْأَمَةُ لَمْ تَغُلَّ غُلُوّ النَّصَارَى فِي أَنْبِيَائِهِمْ، وَلَا قَصَرُوا تَقْصِير الْيَهُودِ فِي أَنْبِيَائِهِمْ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: (إنَّمَا وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ وَسَط؛ لِتَوَسُّطِهَمْ فِي الدَّيْنِ، فَلَا هُمْ أَهْلُ غُلُوّ فِيه – غُلُوّ النَّصَارَى الَّذِينَ غَالَوا بِالتَّرَهُّب، وَقَيْلُهُمْ فِي عِيسَى مَا قَالُوا فِيهِ – وَلَا هُمْ أَهْلُ تَقْصِيرَ فِيهِ – تَقْصِيرٌ الْيَهُودِ، الَّذِينَ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَهُمْ، وَكَذَبُوا عَلَيَّ رَبِّهِمْ وَكَفَرُوا بِهِ – وَلَكِنَّهُمْ أَهْلُ تَوَسَّط وَاعْتِدَال فِيهِ).

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا..}(الْبَقَرَةِ: 142-143).

قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَلِمَا جَعَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَسَطًا، خَصَّهَا بِأَكْمَل الشَّرَائِع، وَأَقُوم الْمَفَاهِيم، وَأَوْضَح الْمَذَاهِب).

التَّوَسُّطُ فِي النَّفَقَاتِ:
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}(الْإِسْرَاءِ: 29).

قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ كَثِيرٍ عِنْدَ تَفْسِيرُهَا: (يَقُولُ تَعَالَى أَمْرًا بِالِاقْتِصَادِ فِي الْعَيْشِ ذَامًّا لِلْبُخْل، نَاهِيًا عَنْ الْإِسْرَافِ، أَيْ لَا تَكُنْ بَخِيلًا مُنَوَّعًا لَا تُعْطَى أَحَدًا شَيْئًا، وَلَا تُسْرِفْ فِي الْإِنْفَاقِ فَتُعْطَى فَوْق طَاقَتك وَتَخْرُجُ أَكْثَرَ مِنْ دَخَلَك فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا).

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ إذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}(الْفُرْقَانِ: 67).

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: (أَيْ : لَيْسُوا بِمُبَذْرَيْن فِي إنْفَاقِهِمْ فَيَصْرِفُون فَوْقَ الْحَاجَةِ، وَلَا بِخَلَاء عَلَى أَهْلِيهِمْ فَيَقْصُرُون فِي حَقِّهِمْ فَلَا يَكْفُونَهُمْ، بَلْ عَدْلًا خِيَارًا، وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا، لَا هَذَا وَلَا هَذَا، (وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قِوَامًا ).
وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {وَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا}: (لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِالْإِنْفَاق نَهَى عَنْ الْإِسْرَافِ فِيهِ بَلْ يَكُونُ وَسَطًا).

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ – تَعَالَى -: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} (الأَعْرَافِ: 31).
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ سَوْقِهِ لِبَعْضِ الْأَقْوَالِ: (فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِ الْمَالِ، وَمُنِعَ إخْرَاجُ حَقِّ الْمَسَاكِينِ – دَاخِلَيْنِ فِي حُكْمِ السَّرَف، وَالْعَدْل خِلَافُ هَذَا، فَيَتَصَدَّق وَيَبْقَى؛ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: “خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غَنِيّ” ).

التَّوَسُّطُ فِي الْعِبَادَةِ:
عَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّهَا قَالَتْ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ ، قَالَ: “مَنْ هَذِهِ؟” . قَالَتْ: فُلَانَةَ تُذْكَرُ مِنْ صَلَاتِهَا. قَالَ: “مَهْ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَ اللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا، وَكَانَ أَحَبُّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبِهِ”.

وَعَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عُبَادَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَأَنَا أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ اخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أَفْطَرَ، وَقَالَ اخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا.
فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: “أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا. أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّى أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي”.

وَعَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، فَقَالَ: “مَا هَذَا الْحَبْلُ؟” قَالُوا: هَذَا حَبَلٌ لِزَيْنَبِ، فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ بِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ”.

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاغْدُوا وَرُوحُوا وَشَيْءٌ مِنْ الدُّلْجَةِ. وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا”.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَالتَّسْدِيد: الْعَمَل بِالسَّدَاد، وَالْقَصْد وَالتَّوَسُّطِ فِي الْعِبَادَةِ، فَلَا يَقْصُرُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ، وَلَا يَتَحَمَّلُ مِنْهَا مَا لَا يُطِيق).

كَمَا بَيْنَ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ مَعْنَى التَّسْدِيد وَالْمُقَارَبَة فَقَال: (سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، اُطْلُبُوا السَّدَادَ، وَاعْمَلُوا بِهِ، وَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْه فَقَارِبُوهُ؛ أَيْ: اِقْتَرِبُوا مِنْه، وَالسَّدَاد: الصَّوَابُ، وَهُوَ بَيْنَ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ، فَلَا تَغْلُوا وَلَا تَقْصُرُوا).

وَعَنْ جَابِرٍ بْنِ سَمُرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا.

وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: أَخِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَتْ: أَخُوك أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا. فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ لَهُ:كُلُّ. قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ. قَالَ: مَا أَنَا بِاكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ.

قَالَ: فَأَكَلَ. فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ.قَال: نَمْ. فَنَامَ. ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ. فَقَالَ: نَمْ. فَلَمَّا كَانَ مِنْ اخَرَ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمْ الْانَ، فَصَلَّيَا. فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: أَنَّ لِرَبِّك عَلَيْك حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِك عَلَيْك حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “صَدَقَ سَلْمَان”.

السَّلَف وَالتَّوَسُّط:
كَانَ السَّلَفُ يُوصُونَ بِالتَّوَسُّطِ فِي الْأُمُورِ، وَمَنْ وَصَايَاهُمْ فِي ذَلِكَ:
قَالَ عَلَى بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: خَيَّرَ النَّاسِ هَذَا النَّمَطِ الْأَوْسَط، يَلْحَقُ بِهِمْ التَّالِي وَيَرْجِعَ إلَيْهِمْ الْغَالِي.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: مَا عَالَ مُقْتَصِدٌ قَطُّ.
قَالَ وَهْبٌ بْنِ مُنَبِّهٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ طَرَفَيْن وَوَسَطًا، فَإِذَا أَمْسَكَ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ مَالِ الْاخَرِ، فَإِذَا أَمْسَكَ بِالْوَسَط اعْتَدَل الطَّرَفَان فَعَلَيْكُمْ بِالْأَوْسَط مِنْ الْأَشْيَاءِ.
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:خَيْرٌ الْأُمُور أَوْسَاطُهَا.
وَأَخِيرًا: لَا تَذْهَبَنَّ فِي الْأُمُورِ فَرَطَا … لَا تَسْأَلَنَّ إنْ سَأَلَتْ شَطَطَا
وَكُنْ مِنْ النَّاسِ جَمِيعًا وَسَطَا

فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْتَدِلَ وَيَتَوَسَّطُ فِي أُمُورِهِ كُلِّهَا وَخَاصَّةٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَبّ وَالْكَرَاهَةِ، كَمَا أَرْشَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحْبِبْ حَبِيبَك هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيّ.

وَمِنْ صِفَاتِ الْمُسْلَمِ طَهَارَةُ الْقَلْبِ وَنَظَافَتِه وَالْحَبِّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِيهِ وَالرِّضَى لَه، وَالتَّحَلِّي بِأخْلاقِ الإِسْلاَمِ الْفَاضِلَةُ الَّتِي يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَلَّى بِهَا؛ كَالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنْ مَنْ أَخْطَأَ فِي حَقِّهِ وَمُقَابِلُه إسَاءَةَ الْمُسِيءِ بِالْإِحْسَانِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {الْمَائِدَة:13}، وَقَالَ تَعَالَى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ أَنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشُّورَى:40}، وَقَالَ تَعَالَى: وَإِنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى {الْبَقَرَةِ:237}.

فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَطْوِيَ قَلْبِهِ عَلَى الْحِقْدِ وَالْكَرَاهِيَةِ لِإِخْوَانِه، وَعِلَاجُ ذَلِكَ يَكُونُ بِجِهَاد النَّفْسِ عَلَى تَرْكِهِ وَبِإِيصَال الْخَيْرُ إِلَى النَّاسِ الَّذِينَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ خُصُومَة وَشَحْنَاء وَالدُّعَاءِ لَهُمْ

الدُّعَاءِ

اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَحَبِّبْنَا فَى بَعْضِنَا وَانْزِعْ الشَّحْنَاءَ وَالْبَغْضَاءَ مِنْ قُلُوبِنَا وَانْشُرْ الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ فَى بِلَادِنَا وَسَائِرِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَارْفَعْ الْبَلَاءَ وَالْغَلَاءَ عَنَّا اللَّهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِوَالِدَيْنَا كَمَا رَبَّيَانَا صِغَارًا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمَا وَارْحَمْهُمَا يَارِبَ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ مَشَايِخَنَا وَعُلَمَائِنَا وَإِلَى كُلِّ مَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ عَلَيْنَا يَارِبَ الْعَالَمِينَ

وَأَقُمْ الصَّلَاةُ

اترك تعليقاً