متلازمة التكفيـر وسفـك الدماء عند الوهابيـة واليهود


بقلم الدكتور : احمد عبد الرحيم

الباحث فى التاريخ الاسلامى

المقال السابع عشر من سلسلة (زمن الدجال)

انه من العجيب ان تعلم ان محبة اليهود والوهابية لسفك الدماء تخرج من بوتقة واحدة هى العقيدة التكفيرية حيث ان المخالفين لكلا الفريقين ـ اليهود والوهابية ـ لا يستحقون الحياة وانهم يتقربون الى الله تعالى بدمائهم ـ وحاشا لله وتعالى عن ذلك علواً كبيراً ـ.

فعقيدة التكفير ليس الخوارج هم اول من اخترعها بل إن اول من اخترعها هم اليهود ، والتى تجلت تلك العقيدة عندما لا يجدون مبرراً عقلانياً سائغاً فى التسلط على انبياءهم من بنى اسرائيل ، فلا يجدون مسوغاً ومبرراً لذلك سوى فتاوى تصدر من أحبارهم بكفر النبى المرسل اليهم وذلك لمخالفته لشريعة موسى ولأحكام التوارة والتلمود المحرفتين.

فقد وضع أحبار اليهود كثير من النصوص فى التوارة بالتغيير والإضافة والحذف حتى أضاعوا معالمها ومعها تعاليم نبيهم موسى عليه السلام ، وحرفوا نصوصها وبدلوا أحكامها وأكلوا أموال الناس بالباطل “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ” سورة التوبة الآية 34 ، فأرسل الله تعالى اليهم رسلاً بأن يرجعوا الى الله تعالى ويتذكروا أيام هدايتهم وأن يعملوا باحكام الله تعالى وأن يرجعوا عن تلك النصوص المحرفة التى حرفها أحبارهم ممن هم بين أظهرهم وكذا من سبقوهم إلا انهم أعرضوا وآثروا الضلال وعدم الهداية واتباع احبارهم الذين باعوا آخرتهم بدنياهم وبسبائك الذهب والفضة التى يرسلها اليهم اغنيائهم وصيارفتهم وما كان من وسيلة لمعارضة هؤلاء الانبياء المرسلين اليهم من قبل الله تعالى الا أن يستصدروا فتاوى من زعماء اليهودية وأحبارها وعلماءها بكفر هؤلاء الانبياء بشريعة موسى وبالتوراة والتلمود حتى يأنس اليهم العامة الذين هم فى عمى من أمرهم فلقد أشربت قلوبهم حب الدنيا وحب الدينار والدرهم وبطروا الحق حتى صار من الصعب على قلوبهم أن تتبنه الى هذه الانوار التى بعث بها انبياءهم.

فما كان من تلك الفتاوى التكفيرية التى اصدرها كبرائهم ضد الانبياء الا ان هجرهم عامة اليهود ثم كذبوهم حتى آذوهم وأحالوا حياة انبياءهم بلاء وشدة إلا ان انبياء الله تعالى لا يملوا ولا يرهبون فى الله شيئاً فما كان من اليهود الا أن قتلوا أنبياءهم ، ولم يفعلوا ذلك الامر مع نبي او اثنان او اكثر بل قتلوا آلاف من الانبياء الذين ارسلوا اليهم ، ولقد حفظ لنا القرآن الكريم افعالهم تلك فقال تعالى “لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ” سورة القررة الآية 70 .

كان اليهود خلال حياة انبياءهم وبعدها يكفرون أيضا مخالفيهم من جيرانهم ولا يتمنون لهم الهداية بل أنه عندما بعث سيدنا عيسى بن مريم هادياً ونذيراً من قبل الله تعالى ، وهو عليه السلام منهم فسيدنا عيسى بن مريم أحد سبط يهوذا ، ولم يأت بشريعة تخالفهم بل جاء باكمال شريعة سيدنا موسى عليه السلام وللتوسعة على بنى اسرائيل بأن يحل لهم بعض ما حرم عليهم لحرونهم وشرودهم ، قال تعالى “وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ” سورة آل عمران الآية 51 ، ولكن وللغرابة الشديدة آثروا الكفر على التوسعة والهداية قال تعالى “فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ” سورة آل عمران الآية 53.

لم يختلف الامر كثيراً عند السلفية والوهابية فلقد أصدروا فتاوى تكفيرية لا تعد ولا تحصى ، لبسوا على العوام بها أمرهم ، حتى ظنهم من لا علم له أو من هوى وغرض او فساد سريرة أنهم أصحاب حق المدافعون عن الشريعة والمنافحون عنها ، وهم أول من بادروا بالعداوة من أهل الاسلام علماء المسلمين وأولياءهم وقادتهم المشهود لهم بالعدل وحسن السيرة فتراهم ينكرون على اصحاب المذاب الفقهية وينكرون المذهب ويستبدلون بها فقه الدليل ، ويوهمون العامة بأن اصحاب المذاهب أنداداً لرسول الله تعالى وان الناس عندما يتركون المذاهب فكأنما تركوا نداً للسنة النبوية وأنهم بذلك يرجعون الى السنة النبوية ، كما أنهم سولوا لاتباعهم بأن أولياء الله تعالى هم أنداداً لله وأن تعظيمهم شركاً يخرج عن الملة وأن تعظيم النبى صلى الله عليه وسلم أمر منهياً عنه نهى النبى صلى الله عليه وسلم عنه خوفاً من تشرك أمته.

لقد صنع الوهابية والسلفية مذهبهم على تكفير المخالفين لهم ، واسسوا من الشرك والبدعة فكراً ومذهباً لهم ميزهم عن غيرهم من جماعة المسلمين ، فترى الوهابى والسلفى كل كلامه عن الشرك والكفر والبدعة والضلال فهى أساس مذهبه وهى قوامه التى لو تركها وصار مثل عامة المسلمين لا يكفر أحداً ولا يتهمه بكفر ولا بدعة ولا ضلال ترى مذهبه قد انهدم ، فلذلك هم أحرص الناس على التكفير حتى يجعل لهم خصوصية وميزة تجعل من مذهبهم يقتنص خاصية التهجم على غيره بما يجعل غيره أما فى حيرة من أمره لما يرى من قناعتهم بفكرهم التكفيرى أو يقبع خصمه داخل فكرة المدافعة والمنافحة عن مذهبه وان الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية لهذا وبالاموال والرشى ربح مذهب الوهابية والسلفية فى الانتشار بأموال تملأها رائحة الزيت والبترول.

لقد كان لازماً على المنهج التكفيرى أن يجد له شقاً عملياً تقوم به حجة ذلك الفريق فى أن يثبت لنفسه ولمخالفيه أن ما هو عليه هو الحق ، وللأسف ولسفاهة أحلامهم لم يجد هؤلاء السفهاء ما يؤيد مذهبهم من حجة سوى القتل نعم قتل المخالف ، انه نفس المنهج اليهودى القديم ونفس أدواته وبواعثه ، فهل يتم القتل اعتباطاً وبلا منهجى أم هو قتل منهجى ؟

انه القتل الذى ينفذونه استناداً على فتوى يقولها أحد مشايخهم لينفذ أحدهم أو مجموعة منهم ، انه القتل المنهجى ، وهو أخطر انواع القتل ، حيث يلبثون الباطل ثوب الحق ، فيخدعون به أناس كان حظهم قليل من العلم ، لذلك ترى ان تتبعت العمليات التى قام بها هؤلاء السلفية ضد المسلمين جماعات وأفراداً تراها جميعاً كانت تستند على فتاوى تكفيرية أباحوا فيها دم المخالف لهم وذلك فى كل ديار الاسلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *