وماذا بعد رمضان؟
4 أبريل، 2025
منبر الدعاة

بقلم فضيلة الشيخ : أحمد عزت حسن
الباحث فى الشريعة الإسلامية
على ماذا نويت أخى بعد رمضان؟
هل نويت أن تكون من عباد الله المحرومين بعد أن كنت من عباد الله المرحومين؟
هل نويت أن تكون من الأشقياء بعد أن كنت من السعداء؟
هل نويت أن تكون تكون شيطانًا رجيمًا بعد أن كنت ملكًا كريمًا؟
هل حقاً انطفأت المصابيح وعاد المسئ إلى فعل القبيح؟
إن الله يرضى على من أطاعه فى كل وقتٍ ، ويسخط على من عصاه حتى ولو كان فى رمضان، فعليك أن تكون ربانيًّا ولا تكن رمضانيًا ، فمن كان يعبد رمضان فإن رمضان قد ولّى وفات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حىٌّ باق لا يموت
فقل لي أخي: على ماذا نويت أخى بعد رمضان؟
* انتهى صيام الفرض …فمن أعجبه المذاق
فصيام التطوع مفتوح
* انتهت صلاة التراويح …. فمن أعجبه المذاق
فصلاة القيام بالانتظار
* سقطت صدقة الفطر …. من شعر بحلاوتها
فباب الصدقات لا يغلق
* انتهى السباق مع الزمن لإنهاء ختمات من القرآن
فلا تهجر مصحفك وابق على العهد
إن من ينسلخ من العبادة دفعةً واحدة يقول بالمعنى الصامت – والعياذ بالله – يارب إنى جرّبتُ الأنس بك فلم أجدك أهلًا لهذا الأنس
والدليل على ذلك انسلاخه من الطاعة وعدم الاستمرار فيها ، لذلك حذّر المولى عز وجل من مثل هذه الحالات فقال: “ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوّةٍ أنكاثًا”
قالوا: إنها امرأةٌ من العرب كانت تنسج الثوب وبعد أن تنتهي منه تقوم بنقضه وحل خيوطه مرةً أخرى، وهذا مثال الذي يتحلل من الطاعة
فمن علامات الطاعة الطاعة بعدها ، كما أن من علامات الحسنة الحسنة بعدها، وهذا من علامات القبول
الاستمرار في العمل “فاستقم كما أُمرت ومن تاب معك”
والاستقامة هي أن يثبت الإنسان على شريعة الله ، وكما قال أحد الصالحين: مرجع الاستقامة إلى أمرين :
صحة الإيمان بالله واتباع ما جاء به رسول الله ﷺ ظاهرًا وباطنًا
والاستمرار على الطاعة من هدي النبي ﷺ؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان أحب الأعمال إلى رسول الله ﷺ ديمومته ” وكان يقول: “خير الأعمال إلى الله أدومها وإن قل”
* الاستمرار على الطاعة يُورث حب الله تعالى
“إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين” فيقول التوابين ولم يقل التائبين؛ لأن التوابين صيغة مبالغة تشمل كثرة التوبة
* الاستمرار على الطاعة يورث الفوز بظل عرش الله يوم القيامة
* الاستمرار على الطاعة يورث الهداية والنور والسير على الطريق المستقيم
” والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين”
والبعض يتساءل عن سبب فتور الطاعة بعد رمضان
اعلم أخي الحبيب علمني الله وإياك: أن هناك أسبابًا عديدة تحول بينك وبين الثبات نذكر منها ما ذكره علماؤنا:
أولًا: ضعف العزيمة:
وذلك أن كثيرًا من هؤلاء عزيمته ونيته وإرادته ضعيفة وذلك لأنه ما عقد النية في أول رمضان على المثابرة والثبات على الطاعة بعد رمضان والخواتيم ميراث السوابق فكثير من هؤلاء رمضاني الطاعة والعبادة فاذا مضى رمضان انقطعت عزيمته وفلت إرادته.
ثانيًا: طول الأمل:
اعلم أنه ما أساء أحد العمل إلا وتجده طويل الأمل، وما زلت قدم بعد ثبوتها إلا لطويل أملها والله تعالى أخبرنا عمن ساء عمله وخاب سعيه فقال محذرا من طول الأمل،
“وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ” الحديد: ١٦
ويقول جل شأنه: “ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ” الحجر: ٣
أي دعهم يعيشوا كالأنعام ولا يهتموا بغير الطعام والشهوات،
وقوله: ﴿ وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ ﴾: أي يشغلهم طول الأمل والعمر عن استقامة الحال على الإيمان، والأخذ بطاعة الله تعالى.
ثالثًا: التوسع في المباحات من مأكل ومشرب ومركب كلها مقعدات للعبد عن الطاعة لذا أرشدنا من بيده الرشد إلى الاعتدال في المباحات
فقال رب الأرض والسماوات : “كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى” طه: ٨١
فأمر -سبحانه- بالأكل ونهى عن الطغيان فيه حتى لا تميل النفس إلى البطالة والكسل، وتتقاعس عن العمل وتطلب الراحة ويعجز المسلم عن حملها عليه، وهذا لا يعني تحريم ما أحل الله، فقد كان -صلى الله عليه وسلم – (يحب العسل والحلواء)
(ويأكل اللحم ويقبل ما يقدم إليه إلا أن يعافه)
فاستعمال المباح في التقوي على الطاعة طاعة، ولكن الآفة التوسع والاستكثار، فليكن تناول المباح بقدر.
سأل سائل الإمام ابن الجوزي رحمه الله قائلاً: “أيجوز أن أفسح لنفسي في مباح الملاهي”، فأجابه: «عند نفسك من الغفلة ما يكفيها»!!
كان بعض الصحابة و السلف يترفعون عن الدنيا وملذاتها ومن ذلك ما جاء عنهم:
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (أول بلاء حدث في هذه الأمة بعد نبيها الشبع، فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم، فضعفت قلوبهم وجمحت شهواتهم).
قال رجل لابن عمر رضي الله عنهم: ألا أجيئك بجوارش، قال: وأي شيء هو؟ قال: شيء يهضم الطعام إذا أكلته، قال: ما شبعت منذ أربعة أشهر، وليس ذاك أني لا أقدر عليه، ولكن أدركت أقوامًا يجوعون أكثر مما يشبعون. رواه الإمام أحمد
رابعا: إلف المعصية:
وقد نبه السلف إلى هذه القضية فقد قال الضحاك:
“ما نعلم أحدًا حفظ القرآن ثم نسيه إلا بذنب” ثم قرأ: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير).
وسأل رجلٌ الحسنَ البصري قائلا: يا أبا سعيد إني أبيت معافى وأحب قيام الليل وأعد طهوري فما بالي لا أقوم؟ فقال: “ذنوبك قيدتك”.
وقال الثوري: “حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته” قيل وما ذاك الذنب؟ قال: “رأيت رجلا يبكي فقلت هذا مرائي”
وهذا كرز بن وبرة يدخل على بعض الناس وهو يبكي فيقول له أتاك نعي بعض أهلك فيقول أشد؟ فقال وجع يؤلمك قال أشد قال وما ذاك؟ قال: “بابي مغلق وستري مسبل ولم أقرأ حزبي البارحة وما ذاك إلا لذنب أحدثته”.
وقال سليمان الداراني: “لا تفوت أحدا صلاة الجماعة إلا بذنب
وقال آخر: “كم من زلة مَنعت قيام الليل، وكم من نظرة منعت قراءة سورة، وإن العبد ليأكل أكلة فيحرم بها قيام سنة، وكما أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فكذلك الفحشاء تنهى عن الصلاة وسائر الخيرات”.
قال ابن القيم في الجواب الكافي:
“ومنها – أي آثار المعصية -: حرمان الطاعة فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أن يصد عن طاعة تكون بدله, وتقطع طريق طاعة أخرى فيقطع عليه بالذنب طريق ثالثة ثم رابعة وهلم جرا, فيقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها وهذا كرجل أكل أكلة أوجبت له مرضة طويلة منعته من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان.
خامسًا: الابتعاد عن الأجواء الإيمانية:
النفس إن لم تشغلها بالحق والطاعة شغلتك بالمعصية، ومن أصول عقيدتنا أن الإيمان يزيد وينقص، فيضعف ويضمحل إذا تعرض العبد لأجواء الإباحية والفجور والتبرج والسفور أو انشغل قلبه بالدنيا وأهلها.
لذا بين الرسول -ﷺ- أن (أحب البقاع إلى الله المساجد وأبغض البقاع إلى الله الأسواق)
وما ذلك إلا لأن المساجد بيوت الطاعات، ومحل نزول الرحمات، وأساسها على التقوى، والأسواق محل الغش والخداع والربا والأيمان الكاذبة وخلف الوعد والإعراض عن ذكر الله وغير ذلك مما في معناه.
وحينما سأل قاتل المائة العالم: هل له من توبة؟ قال: نعم ومن يحول بينك وبين التوبة؟
انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، مما يدل على أن البيئة تؤثر في ثبات المسلم على الطاعة.
لذا حث الشرع على مرافقة الصالحين ليعتاد المسلم فعل الطاعات، وترك السيئات،
قال -تعالى-: “وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ” الكهف: ٢٨