جريمة الاحتكار وخطرها على الفرد والمجتمع

بقلم الدكتور : مصطفى سعفان ( إمام وخطيب بوزارة الأوقاف )

اياك والإحتكار حتى لا تغضب الجبار
وتنال عقابك فتدخل النار فبئست الدار

 

الحمد لله الذي حرم الاحتكار وجعله بين العباد محرما وجعل عاقبته على أهله دمارا ومأثما فكم قضى به أعمارا ودمر به ديارا وأهلك به امما أشرارا
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم … أما بعد

فإن الإسلام دين يحقق السعادة للفرد والمجتمع بتعاليمه السمحة تتناسب مع الفطرة البشرية ولما كانت النفس البشرية قد جبلت على حب المال الذي به قوام الحياة وانتظام أمرها ومعاشها جاءت الشريعة الإسلامية بالحث على السعى فى تحصيل المال واكتسابه من طرق مشروعة ومباحة دون اعتداء ولا ظلم ولا ضرر للغير قال تعالى ( يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله ان كنتم اياه تعبدون) البقرة 172

لذلك نتعرض فى هذه السطور لموضوع يجمع به صاحبه المال الكثير لكنه دليل على دناءة النفس وسوء الخلق ويورث الضغينة والبعد عن الناس ويسبب اضطراب الشعوب وعدم استقرارها وينشر القطيعة الاجتماعية فى الأمة وصاحبه ملعون ومطرود من رحمة الله تعالى ويستحق الوعيد الشديد والعذاب الأليم انه موضوع احتكار السلع وتخزينها وقد عرفه ابن الأثير في النهاية بقوله هو شراء الطعام وحبسه ليقل ويغلو

وقال ابن حجر العسقلانى في فتح البارى هو امساك الطعام عن البيع وانتظار الغلاء مع الاستغناء عنه وحاجة الناس إليه وقال بعض أهل العلم كل ضرورات وحاجات الإنسان والحيوان فكل ما لا يمكن الاستغناء عنه أو كان فى تركه حرج لايصح احتكاره ولا استغلاله … وحكم الاحتكار حرام إذا حبس وخزن ما اشتراه لوقت الغلاء واشتدت حاجة الناس اليه

وأقول لك أيها المحتكر

أولا : انت تحقق أرباحا على حساب الناس والمجتمع وربما على حساب الأمن القومى للبلاد لذلك جاءت تعاليم الشريعة الإسلامية بالنهى عن كل أنواع الاحتكار وكنز السلع لرفع ثمنها على الناس فعند الإمام أحمد فى مسنده عن أبى هريرة رضي الله عنه قال . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من احتكر يريد أن يغالى بها على المسلمين فقد برأت منه ذمة الله) وفى هذا البيان النبوى تأكيد على حرمة استغلال حوائج الناس والتلاعب بأقواتهم ومتطلباتهم الأساسية وذلك يعد كسبا خبيثا محرما ومن صور أكل أموال الناس بالباطل قال تعالى ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالاثم وأنتم تعلمون) البقرة 188

وفى الحديث المتفق عليه قال صلى الله عليه وسلم ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)

ثانيا : أيها المحتكر انت لا أخلاق لك ولا وطنية لك فلقد غلبتك انانيتك ونقيصتك فجعلتهما فوق كل اعتبار فأنت تتاجر بأقوات الناس ومقومات حياتهم وتبنى ثراءك على حساب تعبهم ومشقتهم مما يسبب لهم الألام والصعاب والأوجاع فى شئونهم لذلك جعل الله جزاءك من جنس عملك فعند ابن ماجة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس) والجذام مرض يأكل أطراف الإنسان وهو حى وكذلك الإفلاس لأنه استغل الناس من أجل جمع المال فجعله الله مفلسا من المال فى الدنيا ومن الحسنات فى الأخرة

ثالثا : أيها المحتكر انت أثم ومذنب لأنك أهدرت تجارة المسلمين وضيقت على الناس وأغلقت أبواب العمل والرزق فنشرت الحقد والكراهية والعداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع مما تسبب فى تفككه وانتشار البطالة والتضخم والكساد والرشوة والمحسوبية والسرقة والغش فنشرت الفوضى وكنت سببا مباشرا فى التأثير على الأمن القومى للبلاد في صحيح مسلم عن معمر بن عبدالله رضي الله عنه ان الحبيب النبى صلى الله عليه وسلم قال ( لا يحتكر الا خاطئ) والخاطئ هو المذنب الأثم

رابعا : أيها المحتكر والمستغل لحاجات الناس اعلم ان ربحك الزائد الذى تحصلت عليه من احتكارك وخزنك للسلع واستغلالك هو حرام شرعا قال تعالى ( ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) أل عمران 161 وانت بذلك جلبت لنفسك الحرمان فى الدنيا والآخرة فى جامع الأصول أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ( الجالب مرزوق والمحتكر محروم)

خامسا : أيها المحتكر لا تفرح بكثرة الأموال التى جمعتها فى الدنيا لأنها ستكون سببا فى عذابك بالأمراض فى الدنيا وبدخول النار يوم القيامة لأنك جمعتها من ظلم الناس والاعتداء عليهم قال تعالى ( يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بالباطل الا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا) النساء. 29 و 30 وجاء عند البيهقى فى شعب الايمان عن أبى بكر الصديق رضي الله عنه قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به) فلا تخزن السلع وترفع أسعارها لأنك حجزت لنفسك مكانا فى النار وبئس القرار عند الإمام أحمد فى المسند عن معقل بن يسار رضى الله عنه قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من دخل فى شيئ من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة) والعظم بضم العين وسكون الظاء هو المكان العظيم من النار

سادسا : أيها المحتكر انت تستجلب سخط الله تبارك وتعالى ثم سخط الناس ودعاءهم عليك ونقمتهم وبعضهم لك لأنك سبب غلاء الأسعار وتحمل بين جوانبك بذور الهلاك والدمار مما ينتج عنه أضرارا سيئة على الفرد والمجتمع بأسره فيؤثر على البناء والتعمير والتنمية والازدهار فيوقف عجلة التنمية لذلك جاء عند الإمام أحمد فى مسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الحبيب النبى صلى الله عليه وسلم قال (من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى وبرئ الله تعالي منه وأيما أهل عرصة أصبح فيهم آمرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله تعالي)
وأخيرا أيها المحتكرون أخرجوا ما فى مخازنكم وما خبأتموه حتى يسعد العباد ويستقر المجتمع وقد أحسن من قال
يا بائعا بالاحتكار انت معرض … لدعوة مظلوم إلى سامع الشكوى
فكل من حلال وارتدع عن محرم … فلست على نار الجحيم غدا تقوى

وكن صادقا فى تجارتك لترافق حضرة النبى صلى الله عليه وسلم الذى قال ( التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء) رواه الترمذى عن أبى سعيد الخدرى

فاللهم احفظ مصر من كل مكروه وسوء واجعلها أمنا أمانا حفظا سلاما وسائر بلاد المسلمين

والله أعلى وأعلم

اترك تعليقاً