الطبيعة و المجتمع .. أيهما يشكلُ الآخر ؟

بقلم المستشار الدكتور: محمد فهمي رشاد منصور

 

في الحقيقة إنّ هذا العنوان كان و منذ القِدم مسار جدل و خلاف بين العامة والخاصة في العالم و للوقوف على تلك الإشكالية نخوض في هذا الخضم ..

المجتمع هو ذلك الخليط من الفعل المادي و المعنوي الذي يحدثه أبناء المجتمع من خلال التفاعل و التلاقح بغرض بناء مقوّمات الحياة في الإقتصاد و السياسية و الفكر و الطبيعة ذلك الوعاء البيئي الجغرافي و الجيولوجي الذي يضم تلك الكيانات المجتمعية بمختلف مسمياتها مما يشكل التأثير المشترك و المتبادل ..

و الطبيعة تحدّد نمط النشاط الإجتماعي تبعاً للمقدرات و الثروات التي تكتنفها الطبيعة من هنا نجد إنّ المجتمع بختلف عن الطبيعة لكنه في الوقت ذاته جزءٌ من الطبيعة مع وجود الفوارق الجوهرية بينهما ، ناهيك عن وجود الكثير من الأشياء المشتركة منها ما هو أساسي و منها ما هو ثانوي فكما لا يجوز أن نماثل بين الطبيعة و المجتمع كذلك لا يجوز أن نفصلَ بينهما فصلاً مطلقاً و متضاداً .
إذ إنّ ما يحصل في الطبيعة نابع عن أسباب طبيعية لا ترتبط بنظام قوةٍ ما خارج عنها و ما يحدث في الطبيعة من علاقات ليس مرسوماً مسبقاً أو ذو مقصد واعٍ .
مثل الفيضان ، الحرائق ، البرق ، الزلازل … الخ

أما المجتمع فكل ما يتحقّق فيه هو نتيجة النشاط الإنساني و تفاعلهم فيما بينهم و الناس كائنات واعية تمارس أنشطتها و تتصرف بتأثير التفكير أو العاطفة نحو هدف مدروس مسبقاً و مقصود و واعي .

في الطبيعة نلاحظ التكرار في الزمان و المكان كشروق الشمس و غيابها ، تمدّد الأجسام بالحرارة ، الكائن الحيّ يولد و يموت .. الخ

و الثابت و المتكرر في الظواهر هو القانون الطبيعي ..

و يختلف واقع الحال في المجتمع حيث الأحداث التاريخية تتسم بالطابع الفردي و لا تتكرر في الزمان و المكان فلكل حدث تاريخي خصوصيته و فرادته و لا يتكرر من حيث ماهيته مثلاً حروب الفتح العربي ، الثورة العربية الكبرى .. الخ
و رغم هذا و ذاك يجب ألا يأخذنا الإستنتاج إلى وجود تعارض مطلق بين الطبيعة و المجتمع .

فالمجتمع يخضع في تطوره لفعل قوانين موضوعية مستقلة عن إرادة الناس و رغباتهم مثله مثل الطبيعة و ما تجدر الإشارة إليه هو أنّه لا بجوز تطبيق القوانين التي تعكس خصائص العمليات الطبيعية على الحياة الإجتماعية و هذه المسألة ترتبط بالعلاقة بين الذاتي من جهة و الموضوعي من جهة أخرى فعلى الرغم من فردية الظاهرة الإجتماعية نستطيع أن نتلمس ما هو عام و متكرر و مشترك و ثابت نسبياً في مختلف المجتمعات الإنسانية في ظروف حياتها الإقتصادية ، السياسية ، الأخلاقية ، الفكرية … الخ

و إن ميّزنا بين الطبيعة و المجتمع بمسألة الفعل الإنساني أو النشاط أو الذات و نعني بذلك إنّ المجتمع هو موضوع ينطوي على ذات فاعل .

و الحقيقة هنا تنقسم بين الذاتية و الحتمية و فهم المجتمع و ما يجري فيه من عمليات و تطوره من خلال الربط التلازمي بين الذاتي و الحتمي .

فإن أخذنا الحتمية بمفردها لتفسير التاريخ الإنساني و المجتمع بمراحل تطوره و اعتبرنا أنّ كل ما يجري فيه محتم و لا مناص منه نكون قد جعلنا من الإنسان دمية أو صنم لا قدرة له القيام بأيّ نشاط .

في الوقت ذاته لا توفر الذاتية أية أسس ضرورية لمعرفة الواقع التاريخي لمجتمع ما حيث نتائج النشاط الإنساني في كثير من الأحيان تأتي متناقضة مع الأهداف المرجوة .

ختاماً إن مقولة التشكيلة الإجتماعية و الإقتصادية هي هذا المفهوم الذي يتيح لنا أن نصفَ مجتمعاً مجدّداً من الناحية التاريخية بأنّه نظام إجتماعي ذو صفة معينة ..

ففي هذا المفهوم يستبين المشترك و العام و الجوهري لمجتمعات بلغت الدرجة نفسها من التطور التاريخي من جهة و يكشف مقياس التكرارية للقوانين الإجتماعية في المرحلة المعنية من التطور التاريخي من جهة أخرى …

و يظلّ الرابط وثيق و الوشائج قوية بين الطبيعة و المجتمع و هذا بحث له إشكاليات و مجال حال كبير و ما تمَّ الوقوف عنده ليس إلا رؤوس أقلام .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *