الصديق فى عيون العقاد

بقلم : الكاتب الدكتور حاتم عبد المنعم

سلسلة عبقريات العقاد المقال الثانى

كان الصديق أول من أسلم من الرجال والسيدة خديجة أول من أسلم من النساء وعلي أول من أسلم من الصبيان رضي الله عنهم جميعا، وكان زيد بن حارثة أول المسلمين من الموالي، وقال النبي عليه الصلاة والسلام (ما دعوت أحدًا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة وتردد ونظر، إلا أبا بكر).

هذه شهادة رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام للصديق فهو ليس فقط أول من أسلم من الرجال، ولكنه أيضًا الوحيد الذي قبل بالإسلام والرسالة دون تردد رغم خطورة وأهمية وتداعيات مثل هذه الخطوة المصيرية وخاصة في البداية فلم يكن هناك أتباع أو مؤيدون بعد؛ مما يزيد من قيمة وأهمية إسلام الصديق في هذا التوقيت تحديدًا وتفسير ذلك يرجع إلى شخصية الصديق نفسها فهو من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ولا حاجة به لأكثر من ذلك وهو معروف بالصدق من قبل رسالة الإسلام؛ لأنه مستقيم الضمير لا يحيد عن الحق وكان مطبوعًا على الحماسة لما يعتقد فيه الخير والصلاح والإيمان بالخير والبطولة.

ولذلك لم يتردد الصديق لحظة في دخوله الإسلام وعلى يديه دخل الإسلام نخبة من الصحابة منهم عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبدالله وغيرهم كثيرون، كما أنه لم يهدأ حتى أسلم أبوه وأمه وذووه وحماسه للإسلام واضح منذ البداية، ويبدو ذلك من خلال اتخاذه مسجدًا لصلاته وتلاوة القرآن الكريم على قارعة الطريق وأمام الجميع رغم تهديد المشركين له، ويروى عنه أنه رأى في المنام قبل البعثة رؤيا وهو في الشام للتجارة بقرب ظهور النبوة في الجزيرة العربية ويعرف عن الصديق بوجه عام اهتمامه بالرؤيا، وكان دائمًا يقص ما رآه على النبي عليه الصلاة والسلام ويستأذنه في التفسير ويهتم بما يراه في المنام، وهذا يشير إلى أن الصديق كان في انتظار البطل والبطولة، وهذا هو المفتاح دائمًا لشخصية الصديق فهو صادق مع نفسه ومع ربه.

وبالتالي فهو رجل قوي لا يخشى من قول الحق لومة لائم؛ ولذلك كان الصديق أول الرجال المسلمين أو ثاني الرجال بعد رسوله عليه الصلاة والسلام، وثاني اثنين في الهجرة وفي غار حراء وثاني اثنين في الظلة التي أوى إليها النبي في يوم بدر وثاني اثنين تقريبًا في كل وقعة أو موقعة بين المسلمين والمشركين وأول من خلف الرسول عليه الصلاة والسلام في الصلاة أثناء مرضه وثاني حاكم بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام.

والصديق هو أقرب صاحب وصديق للنبي عليه الصلاة والسلام في شدة الإسلام وفي رخائه وفي مكة وفي المدينة وفي سره وفي جهره وفي شئون نفسه وشئون المسلمين، ومنذ إسلامه وهب كل حياته للإسلام وعن بداية إسلامه ومعرفته بالدعوى هناك رواية بأن النبي عليه الصلاة والسلام وجه الدعوة إليه خاصة فلبى النداء ووافق سريعًا على الدخول في الإسلام بلا تردد، ورواية أخرى بأن النبي عليه الصلاة والسلام قصد الناس في المسجد بدعوة عامة فعلم الصديق فذهب وسأل النبي عليه الصلاة والسلام قائلًا: “يا أبا القاسم بلغني أنك تدعو إلى توحيد الله وزعمت أنك رسوله؟”، قال النبي عليه الصلاة والسلام: “نعم يا أبا بكر إن الله أرسلني بشيرًا ونذيرًا وجعلني دعوة إبراهيم وأرسلني إلى الناس جميعًا”، فرد الصديق: “والله ما جربت عليك كذبًا، وإنك لخليق بالرسالة لعظم أمانتك وصلتك لرحمك وحسن فعلك مد يدك فأنا مبايعك”.

وأصبح الإسلام منذ هذه اللحظة دينا للصديق يقابل به الدنيا وصبر وتحمل وعانى الكثير في سبيل ذلك، وأشار الصديق على النبي عليه الصلاة والسلام أن يجتمعوا في المسجد، وكان عددهم أقل من أربعين رجلا يجهرون بالدعاء فهجم عليهم المشركون يضربونهم ويؤذونهم ويوسعونهم إهانة وعنفًا شديدًا، واعتدى عتبة بن ربيعة على الصديق وضربه على وجهه الكريم بنعلين حتى ورم وجهه وسارع إليه أهله فحملوه إلى بيته وهم يشكون في موته، ثم أحاطوا به حتى أفاق وأجاب عليهم، وكان أول كلامه كيف حال رسول الله فاندهشت والدته وأهله وطلبوا منه أن يشرب شيئًا أو يأخذ طعامًا ليسترد نفسه وصحته فأبى أن يأكل أو يشرب أي شيء حتى يطمئن على رسول الله فذهبوا ورجعوا يبشرون الصديق بسلامته عليه الصلاة والسلام فأراد أن يذهب بنفسه ليطمئن على صديقه فغضبت أم الصديق وطالبته بالأكل أولا حتى يستطيع الذهاب والخروج، ولكنه أبى وأقسم ألا يذوقن طعامًا أو شرابًا إلا بعد أن يرى بنفسه رسول الله عليه الصلاة والسلام وخرج فعلا يتكئ على غيره لأنه لا يستطيع حمل نفسه حتى وصل إلى منزل الرسول عليه الصلاة والسلام قائلا بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ورق رسول الله عليه الصلاة والسلام لصديقه رقة شديدة لحب صديقه وطلب الصديق، وكانت معه والدته يتكئ عليها أن يدعو لها رسول الله عليه الصلاة والسلام بالإسلام وكان الصديق دائمًا لا يبالي بأي خطر يتعرض له بسبب إسلامه، ولكنه كان دائمًا يخشى أي ضرر يقع لرسول الله عليه الصلاة والسلام؛ حيث رأى المشركين يلتفون حول الرسول عليه الصلاة والسلام فيدخل بكل قوته وسطهم وهو يصيح أتقتلون رجلا لأنه يقول ربي الله فينصرفون إلى الصديق يضربونه ويجذبونه من شعره فلا يدعونه إلا وهو صديع، هذا هو الصديق والأخ والحبيب الذي اختاره رسول الله عليه الصلاة والسلام ليكون رفيق الهجرة إلى المدينة وتلقى الصديق الإذن بالهجرة، كما يتلقى البشارة بالسلامة؛ حيث قالت ابنته السيدة عائشة ما شعرت قبل ذلك أن أحدًا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي حين أذن رسول الله عليه الصلاة والسلام بصحبته إلى المدينة وقالت ابنته أسماء إن أبيها أخذ معه كل ماله نحو خمسة أو ستة آلاف درهم هذا هو الصديق أعطى حياته كلها وماله وكل ما يملك لله ودينه ورسوله رحمة الله عليك أبا بكر الصديق..

وللحديث بقية إن شاء الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *