ليلة النصف من شعبان والدعوة للصلح والسماحة
15 فبراير، 2025
قضايا شرعية

بقلم الشيخ : محمد أبو النصر
الكاتب والباحث فى الشريعة الإسلامية
-الحمد لله الذي جعل الليالي مواسم للرحمة والمغفرة، وفتح لعباده أبواب التوبة والعفو،
، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
أيها الأحبة الكرام
ليلة النصف من شعبان.
ليلة النصف من شعبان ليلةٌ مباركة، تتنزَّل فيها الرحمات، وتُرفع فيها الأعمال، وتُفتح فيها أبواب السماء للدعاء والتوبة.
، فقد صحَّ عن النبي ﷺ أنه قال: عن النبي ﷺ قال: «يَطَّلِعُ اللهُ إِلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ» (رواه ابن ماجه).
فهي ليلةٌ يغفر الله فيها لعباده، إلا لمن تلطَّخ قلبه بالشرك أو ملأه بالبغضاء والشحناء، فكيف لنا أن نطلب المغفرة ونحن نحمل الضغائن ونتخاصم فيما بيننا؟!
أيها المسلمون:
إنها فرصة عظيمة لنجدد العهد مع الله، ولنتحرَّر من أثقال القلوب، ولنعفو عن من ظلمنا، ونصفح عمن أساء إلينا، امتثالًا
لقوله تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ (النور:22)
فمن أراد أن ينال المغفرة، فليكن عفوًّا متسامحًا، فإن الله يعامل العبد بمثل ما يعامل به الناس.
يا أمة التسامح:
لا تتركوا الشحناء تُظلم قلوبكم في ليلة تُنوَّر فيها السماوات.
أليس من التناقض أن نطلب المغفرة ونحن نُمسك الضغائن؟!
يا أمة الإسلام:
لا تجعلوا الخصومات تفسد قلوبكم في ليلة تُرفَع فيها الأعمال إلى الله، واعلموا أن القطيعة تحرم العبد من الخير، فقد قال النبي ﷺ: «لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ» (متفق عليه).
فبادروا بالصلح، واجعلوا من هذه الليلة بدايةً لقلوبٍ نقية.
فهلموا وبادروا إلى الصلح، واجعلوا من هذه الليلة بدايةً لقلوبٍ نقية، فإن الله يحب المتسامحين.
أيها الأحبة الكرام
ليلة النصف من شعبان تدعونا إلى التوحيد والمصالحة والسلام والتسامح .
إن التسامح خُلُقٌ شامل تنضوي تحته عدَّة أخلاقٍ أخرى؛ كالرحمة والرأفة، والعدل والإحسان، والعفو والصَّفح، والاعتدال وعدم التَّشدُّد، ونبذ التَّعصُّب.
وقد قرَنَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بين السماحة وبين أصل الدِّين الإسلامي؛ إذْ جعل السماحةَ وَصْفاً مُلازماً للدِّين الذي بُعِثَ به؛ كما في قوله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ بِالْيَهُودِيَّةِ وَلاَ بِالنَّصْرَانِيَّةِ، وَلَكِنِّي بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ”(رواه أحمد في المسند).
فرسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- رسالة حنيفيَّة أي: مائلة عن الباطل إلى الحق، ورسالة سمحة أي: سهلة يسيرة؛ فكل حياته -صلى الله عليه وسلم- وتشريعاته وإرشاداته قائمة على اليُسر والسماحة والتخفيف على أُمَّته.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “أَحَبُّ الدِّينِ إلى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ”(رواه البخاري معلقاً، ووصله في الأدب المفرد). وفي رواية: “أفْضَلُ الإِسْلامِ الحَنِيفيَّةُ السَّمْحَةُ”(رواه الطبراني في الأوسط).
فديننا دين السماحة، وشريعتنا قائمة على التيسير، وأفضل الإسلام هو الحنيفية السمحة.
عباد الله:
توجّه الشريعة الإسلامية الفردَ المسلمَ إلى التحلّي بفضيلة التسامح في كلّ مظاهر حياته، سواء في تعامله اليومي مع الآخرين أو في تدبير شؤونه المادية والاجتماعية.
فالتسامح يظهر في تعاملاتنا اليومية، في البيع والشراء، وفي القضاء
ويتجلى هذا الخُلُق النبيل في تفاصيل الحياة العملية، بدءًا من المعاملات المالية كالبيع والشراء، حيث يُراعي المسلم العدلَ واللينَ، مرورًا بالمواقف القضائية وتسوية الديون، التي تتطلب التيسيرَ واجتناب التشدد، ووصولًا إلى العلاقات الاجتماعية التي تُبنى على التسامح والتفاهم.
والتسامح ليس مجرد خُلُقٍ ثانوي، بل هو سمةٌ جوهرية تُلبِسُ حياةَ المسلم طابعَ الرحمة والتعاون، وتجعل تصرفاته انعكاسًا لقيم الإسلام السامية.
ومن سَمُحت أخلاقه بارك الله له في حياته، ووفقه في أموره، وكان محبوبًا بين الناس.
فقد قال النبي ﷺ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى» (رواه البخاري).
والحديث يؤكد أن السماحة في التعامل ليست اختيارًا، بل هي سبيلٌ لإرضاء الله وكسبِ رحمته، فضلًا عن كونها عاملاً رئيسيًا في إرساء مجتمعٍ متكافئٍ ومتراحم.
، فإذا تخلَّق المسلم بهذا الخُلق الكريم؛ يسَّر الله له أمرَه، وبارك له في أحواله كلِّها، وضاعَف له الثواب، وسادتْ المودَّة والمحبَّة بين أفراد المجتمع.
ومن أبرز مظاهر التسامح بين أفراد المجتمع: طلاقَةُ الوجه، واستقبالُ الناس بالبِشر، ومبادرتهم بالتحية والسلام والمصافحة، وحُسن المحادثة، وحُسن الصُّحبة والمعاشرة، والتغاضي عن الهفوات والزلات.
ومن أبرز صور التسامح في حياة الناس: التنازل عن الحق، ورفع الحرج عن الناس. فالرجل السَّمْح السَّهْل لا تَطِيبُ نفسُه بأنْ يُحَصِّل حقًّا لم تَطبْ به نفسُ الطرف الآخَر، فيُؤثر لذلك التنازل عنه، والسماحة به، وإنْ كان له.
ومن النماذج المُشرِقة في ذلك: سماحةُ عثمانَ بنِ عفان -رضي الله عنه-؛ حيث اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ أَرْضًا فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ، فَلَقِيَهُ فَقَالَ لَهُ: مَا مَنَعَكَ مِنْ قَبْضِ مَالِكَ؟ قَالَ: إِنَّكَ غَبَنْتَنِي؛ فَمَا أَلْقَى مِنْ النَّاسِ أَحَدًا إِلاَّ وَهُوَ يَلُومُنِي، قَالَ: أَوَ ذَلِكَ يَمْنَعُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاخْتَرْ بَيْنَ أَرْضِكَ وَمَالِكَ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَدْخَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ رَجُلاً كَانَ سَهْلاً مُشْتَرِيًا وَبَائِعًا وَقَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا”(رواه أحمد في المسند).
وفي حديث آخَر: “رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى”(رواه البخاري).
وليس المطلوب من المسلم أنْ يُفرِّط في أمواله، ولا أنْ يتصرَّف تصرُّف السَّفيه، فيدفعها بِلا قيمةٍ يأخذها، هذا لا يقوله أحد، ولكنَّ السماحة في البيع تتمثَّل بطِيب النفس وسخائِها وكرمِها وجُودِها، وحقيقةُ السماحة عدم الاستقصاء التام في كل الأمور.
ومن أعظم التسامح: التسامح مع المُسيء، ومن أبرز مواقف الرِّجال في ذلك؛ موقف أبي بكرٍ الصديق -رضي الله عنه- حين كان يُنفِق على ابنِ عَمِّه مِسْطَحِ بنِ أُثَاثَةَ -رضي الله عنه- وكان من فقراء الصحابة، فلمَّا أثار المنافقون على عائشة -رضي الله عنها- ما أثَاروه من قضية الإفكِ، واتَّهموها بما هي منه بريئة؛
كان مِسْطَحٌ ممَّن تورَّطَ في حديث الإِفك،
فَحلَف أبو بكرٍ -رضي الله عنه- أن لا يُنفقَ عليه بعد ذلك، وقرر أن يقطع النفقة عنه ، لأنه كان ممن تكلم في الأمر، فلمَّا أمَرَ الله -تعالى- بالعَفْوِ والصَّفْح
ونزلت الآية: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا﴾ (النور: 22)، قال: “بلى، والله إني لأحب أن يغفر الله لي”،
بادر أبو بكر -رضي الله عنه- وكفَّرَ عن يَمينه، وعفا وصَفَحَ، وأعاد النفقة على مِسْطَحٍ؛ فرضيَ اللهُ عنه
ما أسمَحَه وأنبَلَه!
فقد كان ممَّن قال الله فيهم: (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)[الشورى:37]. فهل أنتَ -يا عبدَالله- إذا غَضِبْتَ تُسامح؟
ومن ذلك: التسامح في الحوار، وترك الجدال العقيم، فقد حثَّت الشريعة الغرَّاء على التسامح في الحوار، ورغَّبت في التَّنازل عند الاختلاف، وحذَّرت من الوقوع في مغبَّة الجدل؛ فتعهَّد النبي -صلى الله عليه وسلم، وهو الذي لا ينطق عن الهوى- ببيتٍ في الجنة لمَنْ تنازل، وتركَ المِراءَ والجِدال، فقال: “أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ، وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا”(رواه أبو داود). وتأمَّل كيف يتحاور الناسُ في المجالس والمنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي!
ومن الأخلاق العظيمة: التسامح في إنظار المُعسر، أو التجاوز عنه، وفيه أجر عظيم، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ؛ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ”(رواه البخاري).
وقال -عليه الصلاة والسلام-: “مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ؛ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ”(رواه مسلم).
وقال أيضاً: “مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ”(رواه مسلم).
فالمسلم الحقُّ لا يُلجئ أخاه إلى ما لا يُطيق، ولْيُخاطبْه بالقول الحَسَن، وحتى في المُرافعات يكون عدلاً سمحاً في أخلاقه، فحَلُّ المشاكل بالطرق المُيسَّرة السمحة خيراً من حلِّها بالأمور التي تُقسِّي القلوب، وتُعظم الفجْوَة بين الأصحاب والأصدقاء.
ومن السماحة: السماحةُ في الإجارة، فعلى المُسلم أن يكون سمحاً في قضاء حقِّ الأجير، فلا يُماطل بالأجير ولا يظلِمه، وليكن سمحاً مُتسامحاً في دفع الأُجرة إلى صاحبها من غير ضررٍ وأذىً يلحقه.
والتسامح مطلوب في جميع المعاملات العامة بين أفراد المجتمع؛ بالعفوِ عمَّن أساء، وصِلَةِ مَنْ قَطَع، وإعطاءِ مَنْ مَنَع، قال الله -تعالى-: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)[فصلت:34-35].
أخي الكريم: إنَّ الحِلمَ عن الجاهل، والعفوَ عن السَّفيه، وتحمُّل الأذى؛ يُكسبك خُلُقاً كريماً، ومكانةً ساميةً في المجتمع، يقول الله -تعالى-: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا)[الفرقان:63].
فالسماحة والتسامح مطلوب في التعامل مع الأهل والأصحاب، فلا يُعاتِب على كلِّ خطأ؛ بل يعفو ويتناسَى ويتجاهَل كثيراً من الأشياء لتدومَ المودَّةُ والإخاء.
أيها المسلمون: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- سمحاً ومتسامحاً مع أهل بيته، وهذا التسامح والسماحة المعروفة عنه -صلى الله عليه وسلم- بَقَيَتْ مَضْربَ الأمثال؛ إذْ تدل دلالةً قاطعة على سموِّ خُلُقِه -صلى الله عليه وسلم- ورُقِيِّ تعاملِه، وقد بلغ احتفاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بزوجاته وأهل بيته، وسماحته وتسامحه معهم مبلغاً عظيماً في جميع أحواله.
وها هو أنس -رضي الله عنه- يُخبرنا عن خُلُق النبي -صلى الله عليه وسلم- وسماحته مع مَنْ يخدِمه، ويقضي حوائجه، فيقول: “خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَشْرَ سِنِينَ، وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي: أُفًّا قَطُّ، وَلاَ قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا، وَهَلاَّ فَعَلْتَ كَذَا”(رواه مسلم).
أخي الحبيب: وإنْ تَعْجَبْ فاعجَبْ من سماحة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتسامحه مع أعدائه في مواقِفَ شتَّى؛ فقد دَفَعَ دياتِ مَنْ قُتِل منهم خطأً، وعفا عن كلُّ مُعتدٍ مسيءٍ جاء تائباً، وكان يُشيِّع جنائزهم، ويحضر ولائمهم، ويأكل من أطعمتهم، ويتعامل معهم في التجارة، ويقترض منهم، حتى تُوفِّي -صلى الله عليه وسلم- ودرعُه مرهونة عند بعض اليهود في المدينة، وقد فَعَل ذلك -صلى الله عليه وسلم- تعليماً وإرشاداً للمسلمين؛ مع أنه كان في الصحابة مَنْ يُقرِضه بل ويؤثره على نفسه.
عباد الله: ومن أهم وسائل اكتساب خُلُق التسامح: التأمُّل في فيما ورد من فضائل لمن يتحلَّى بهذا الخُلُق الحسن، وكذا التأمُّل في الفوائد التي يجنيها سَمْحُ النفس في العاجل والآجل. وهناك “دراسات طِبِّية” تُثبت أن الشخص المُتسامح يجني ثِمارَ تسامحه مع الآخرين، وينعكس ذلك على صحته النفسية والبدنية.
وفي مقابل ذلك: التأمُّل في المحظورات التي يقع فيها نَكِدُ النفس، وما يجلبه ذلك من مضارٍ ومتاعبَ وخسائرَ ماديةٍ ومعنوية؛ من توتُّرٍ وإجهاد ينشأ بسبب العداوة والبغضاء والأحقاد.
ومما يُكسب خُلُق التسامح: أنْ يقتنع المسلمُ ويرضى بقضاء الله -تعالى- وقدره، وأنَّ الأمور كلَّها تجري وِفْقاً لحكمة الله -تعالى- وقضائه وتدبيره لخلقه، فعند ذلك تغشاه الطمأنينة، ويسكن قلبه، ويرتاح باله.
أيها الأحبة الكرام،
إن التسامح ليس ضعفًا، بل هو قوةٌ يملكها من اتّسع صدره، وعَظُم إيمانه، وامتلأ قلبه بالرحمة وحب الخير. فالله سبحانه وتعالى يحب أهل السماحة، ويكافئهم بالراحة في الدنيا والنجاة في الآخرة
وينبغي الحذر من اعتبار السماحة والتسامح عجزاً وضعفاً، فهذا من تلبيس إبليس وأعوانه ووسوستهم، فإنهم قد يَصِفون المُتَسامحَ بالعاجز عن أخذ حقِّه! ويرمونه بالضَّعف عن تحصيله، ويتَّهمونه بالخوف من الناس وخشية شرهم، مما يحمل ضعيفَ الإيمان والإرادة على الفجور.
وأمَّا المؤمن القوي الصابر الواثق بأنَّ ما عند الله -تعالى- خيرٌ وأبقى؛ فإنه يختار ما عند الله -سبحانه-، ويتسامح مع عباد الله، قال الله -تعالى-: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ… وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)[الشورى:40-43].
أيها الأحبة:
التسامح لا يعني التفريط في الحقوق، بل يعني كرم النفس، وسعة الصدر، وحسن التعامل مع الآخرين، وهو سبب لراحة القلب وسعادة الحياة، فكونوا متسامحين، يكن الله معكم، وتذكروا أن هذه الليلة فرصة للتصالح مع الله ومع الناس.
لتكن هذه الليلة منعطفاً نحو حياةٍ جديدةٍ، تُطفئ فيها نار العداوة، وتُزرع بذور المحبة.
– إن ليلة النصف من شعبان ليلةً تُرفع فيها الأعمال، وتتنزّل فيها الرحمات، فكيف بنا نستقبلها ونحن نحمل في قلوبنا الضغائن والأحقاد؟! وكيف نرجو مغفرة الله ونحن لا نغفر لإخواننا؟! جاء في الحديث: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» (رواه الترمذي).
أيها المسلمون،
لنحرص على أن تكون هذه الليلة بدايةً جديدةً مع الله ومع أنفسنا ومع الناس. فلنُطهّر قلوبنا من الكراهية، ولنبدأ بالمصالحة والعفو، ولنكن كما وصف النبي ﷺ المؤمن الحق: «المُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَيُؤْلَفُ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَفُ» (رواه أحمد).
عباد الله:
اجعلوا التسامح شعارًا في بيوتكم، وكونوا قدوةً لأبنائكم في العفو والصفح، وعلموهم أن العزة الحقيقية في التواضع والرحمة، وليس في التشدد والغلظة.
وفي الختام، نسأل الله الكريم أن يجعلنا من عباده الذين إذا أخطؤوا استغفروا، وإذا ظُلموا غفروا، وإذا أُسيء إليهم صفحوا، وأن يوفقنا جميعًا لما يحبه ويرضاه.
اللهم اجعل هذه الليلة المباركة ليلة مغفرة ورحمة، واغفر لنا ذنوبنا، وطهّر قلوبنا، واجعلنا من عبادك المتسامحين المتحابين فيك. اللهم أصلح ذات بيننا، وأزل الشحناء من قلوبنا، ووفقنا لطاعتك ومرضاتك.
اللهم اجعلنا من العافين عن الناس، المتسامحين في القول والفعل، وارزقنا قلوباً مطمئنة برحمتك.
اللهم طهِّر قلوبنا من الغلِّ والحقد، واجعلنا من المتسامحين، واغفر لنا في هذه الليلة المباركة، وتقبَّلنا في عبادك الصالحين.
اللهم باركّ لنا في شعبان وَبلغنا رمضان
اللهم نسألك فى هذه الأيام المباركات ألا تدع لنا أمرآ إلا يسرته
ولا حلماً إلا حققته
ولا أمنية إلا حولتها إلى واقع
ولا دعاء إلا وتقبلته منا
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِفِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَالطَّاعَاتِ وَالْحَسَنَاتِ يَا رَبَّ الْكَائِنَاتِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ يَا الله
اللهُمّ إني أعوذُ بكَ منَ الهمِّ والحزَنِ، وأعوذُ بكَ منَ العجزِ والكسلِ، وأعوذُ بكَ منَ الجُبنِ والبخلِ، وأعوذُ بكَ مِن غلبةِ الدَّينِ وقهرِ الرجالِ
اللهم اني أسألك سؤال خاضع متذلل خاشع ان تسامحنا وترحمنا ،
اللهم وأسألك سؤال من اشتدت فاقته ، وانزل بك عند الشدائدحاجته ، وعظم فيما عندك رغبته .
اللهم عظم سلطانك وعلا مكانك وخفي مكرك وظهر امرك ، وغلب جندك وجرت قدرتك ، اللهم لا اجد لذنوبي غافرا ولا لقبائحي ساترا ، ولا لشئ من عملي القبيح بالحسن مبدلا غيرك.
لا إله إلا انت سبحانك وبحمدك ظلمت نفسي وتجرأت بجهَلْي
اللهم اغفر لمن لا يملك الا الدعاء ، فانك فعال لما تشاء ، يا من اسمه دواء وذكره شفاء وطاعته غنا.
اللهم ارحم من رأس ماله الرجاء وسلاحه البكاء .
يا سابع النعم ،
يا دافع النقم ، يا نور المستوحشين في الظلم ،
اللهم باركّ لنا في شعبان وَبلغنا رمضان من غير أن نرى دمعة حبيب ، ولا فِراق غالي ، ولا استمرارا مرض لقريب ، اللهم بلغنا رمضان لا فاقدين ولا مفقودين، اللهم بلغنا شهر رمضان ونحن في احسن حال واعنا اللهم على صيامه وقيامه يارب العالمين.