مسلسل المداح .. وظاهرة شبابية تلوح في الأفق!

بقلم: خادم الجناب النبوي الشريف
د/ محمد إبراهيم العشماوي
أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر الشريف

 

استمعت مع أولادي إلى بعض حلقات مسلسل المداح، فوجدت شغفا من الأولاد بمتابعة المسلسل، وأكثروا من سؤالي عن الجن وأحوالهم، وكيفية اتصال البشر بهم، وعن التعاويذ!

والحق أن هذه ليست المرة الأولى التي أرى فيها تأثر الشباب بعالم الجن، فقد ذهبت منذ سنوات لإلقاء محاضرة دينية في إحدى المدارس الدولية، للمرحلة الإعدادية، فكانت معظم أسئلة الطلاب والطالبات عن الجن، وكيفية الاتصال بهم، وصنع الخوارق!

ورأيت طالبة تبكي كثيرا، ويغمى عليها، فلما أفاقت أخبرتني أن بها عارضا من الجن، فقلت لها: من أنبأكِ هذا؟! قالت: شيخ جاء ليعالجني! وأنا أرى أشياء غريبة كثيرة في منامي ويقظتي!

ثم عرفت من خلال اتصالي بكثير من الشباب، ممن تابعوا مسلسل المداح بشغف؛ أنهم بدؤوا في قراءة كتب الروحانيات، وتحضير الأرواح، والاتصال بعالم الجن!

وانتشرت في الآونة الأخيرة صفحات مفتوحة ومجموعات مغلقة على منصات التواصل الاجتماعي المتعددة، تهتم بنشر ثقافة الجن، والعلاج الروحاني!

وهذه المجموعات المغلقة تحوي شبابا من الجنسين، من مختلف الأعمار والجنسيات والثقافات، يتبادلون فيما بينهم هذا النوع من المعارف الضارة، وكيفية عمل التعاويذ، وطرق العلاج!

وكثير من هذه الأنشطة تتم في السر؛ بالنظر إلى كونها مجرمة قانونا، بل شرعا، وممارستها توقع صاحبها تحت طائلة القانون!

وهكذا – وبسبب الدراما التلفزيونية كأحد أهم الأسباب – تنصرف أنظار الشباب وهِممهم من الواقع المؤلم بالنسبة لهم – لكونهم عجزوا فيه عن تحقيق طموحاتهم – إلى عالم الدجل والشعوذة؛ لأنه يأخذهم إلى الوهم اللذيذ والغيبوبة الحلوة عن الواقع المر الأليم!

فضلا عن غرام الإنسان باكتشاف المجهول، وشدة وطأة الحياة المادية المعاصرة على البشر، فأرادوا التحرر منها إلى عالم مجهول، وما تصنعه هذه الحرفة لمحترفها من الهالة الزائفة في قلوب العوام، فضلا عن المكاسب المادية الهائلة، والاستمتاع بالشهوات المباحة والمحرمة!

وبات أكثر الناس في بلادنا يعتقدون أنهم إما مسحورون أو ممسوسون، وإما قادرون على علاج السحر والمس، وفعل الخوارق، والإنباء بالغيب!

ومن الأخطاء الفادحة التي ارتكبها مسلسل المداح – والذي وصل حتى الآن إلى خمسة أجزاء، استجابة ومسايرة لشغف الناس بهذا النوع من الدراما، والتي تكشف عن مدى استحواذ الوهم على عقول أكثر البشر – أنه يسمي المداح شيخا، وهكذا الناس يسمون الدجالين والمشعوذين شيوخا، كما يسمون كل ملتحٍ شيخا، وهو خطأ فادح مستقر في الوجدان الشعبي، والفن إنما يحكي الواقع!

والحق أنني كتبت هذا المنشور بعد أن قابلني – في الشارع – منذ قليل، شاب يعرفني، فسألني عن حكم القراءة في كتب الروحانيات، واحتراف العلاج بالقرآن، وأنه تخرج في كلية الآداب، قسم الفلسفة، ويقرأ في هذه الكتب منذ فترة طويلة، حتى وصل إلى درجة الاحتراف!

فنهيته نهيا شديدا، وقلت له: القراءة في هذه الكتب من العلم الضار، والاشتغال به حرام شرعا، كما نص عليه الغزالي في [الإحياء]، وإنه يبدأ بالخير وينتهي بالشر، وما احترفه أحد إلا فَتن وافتتن، وما خُتم لأكثرهم بخير، إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا، وأعرف منهم الآن من يعض أصابع الندم، وإنه لا توجد وظيفة في الإسلام تسمى (راقٍ شرعي)، وأن الهدي النبوي الشريف أن المسلم يرقي نفسه بنفسه، إلا إذا كان لا يُحسن الرقية؛ لكونه أميا أو صغيرا أو لا يحفظ الرقية، فيرقيه غيره ممن يحسن الرقية، ويكون من الصالحين الذين ترجى بركة دعائهم!

ثم قلت له: يا ولدي، اهتم بتخصصك الدراسي، وعش واقعك بآلامه وآماله، وابحث لك عن وظيفة من حلال تعيش منها، وإياك أن تسلك هذا المسلك الوعر، فقلَّ من سلكه، فَسَلِمَ!

وبالله التوفيق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *