ان رحمة الله بنا تسبق أوجاعنا ، فتنعم عليه الرضا ، فمها كانت أوجاعنا تؤلمنا كثيرا حتما سوف تبرأ مع مرور الزمان ، ويمكن أن ندرك أنها ليست جروحا غائرة وإنما الما وقتيا يزول مع مرور الزمن.
ومنها فراق الأصدقاء والزملاء والأباء والأمهات موتا أو أجبرتهم ظروف الحياة ، مهما كان فان الفراق موجعة حقا فهو أشبه بانتزاع القلب من جسد إنسان مازال ينبض بالحياة دون شفقة أو رحمة .
أي كان الفراق وأسبابه وأنواعه فانه يبكي القلوب فتقطر دما حتي أنها تفقدها الحياة ، فكم كان حزن سيدنا يعقوب علي ابنه سيدنا يوسف حتي فقد بصره الذي رده الله عليه ، لأنه أمتلك الثقة بالله رب العالمين ، فالفراق فراقا أي كانت الأسباب والنتائج وله تأثيرات علي حياتنا فلو ملا قلوبنا وعقولنا حب الله والثقة فيه لعبرنا مراحله القاسية ، وتحولت حياتنا إلي نعيم ، ففي النقم تكمن النعم ولا ندري فان ما تفصحه الأقدار من الله وهو خير لنا .
فقد تجبرنا الظروف علي الفراق وقد نفارق طواعية وقد نفقدهم لأنهم أمانة الله وردت إليه وقد نفارق أصدقاء عمل ونحن على يقين بأننا سنلتقي يوما ما ، فالحياة قصيرة جيدا وما تظنه مستحيلا فانه هين علي الله ولكن الفراق تتعدد أنواعه ، وتتباين فراق الفكر ، وتبني فكرا آخر ربما لا يروق لنا ، أو فراق مجلس لم نجد فيه أنفسنا ، أو صحبة لا تجلب الخير ، كل هذا فراقا وأكثر ، وأكثره راحة للإنسان ما وفر علينا متاعبنا وأزاح عنا هموم أثقال .
كل أقدار الله تستوجب الشكر والحمد حتي يزيح الله عنا الهموم ويبدل أحوالنا إلي الأفضل كصياد ظل يومه يلقي شباكه في ناحية من النهر خالية من الأسماك ولو استدار قليلا لملئت شباكه أو استدار من الناحية الأخرى .
إنها إرادة الله سبحانه وتعالى وله في كل أقدارنا حكما .
أين أجدادنا وأحبابنا الذين فقدناهم رحلوا عنا إلي دار اليقين حزنا ولكن لا حيلة لنا ، وقد مرت علينا السنين ، وربما حفلت أماكن الأحزان والآلام بالأفراح إنها حكم الحكيم العليم الذي يقول للشئ كن فيكون ، حقا ولكن علينا أن نستوعب كل شيئا في حينه ونعلم أن النهايات تكون قدرا علينا والمنحيات تكون مواصلة المسير حتي العوائق تكسبنا القوة وروح المواجهة الحقيقية لأوجاعنا .
إن إرادة الله نافذة ولا نعلم أيها خيراً لنا ولكن العلم عند العلام العليم فكانت عصفورة تسكن في عش صغير ولكن أتت الرياح وأزلت هذا العش حزنت العصفورة كثيرا علي عشها الذي أطاحت به الرياح ولكن لم تعلم اهو خير أم شر أنها أخذت تناجي ربها ، ربي حرمتني عشي الصغيره مجموعة الأعواد التي أرهقتني الظروف في جمعها وظننت نفسي آمنة فإذا بالرياح اقتلعت عشي فأرسل إليها من يعلمها خير أقدار الله والذي قال لها انظري كان ثعباناً كبيرا قادماً اليكي ولولا رحمة الله بكي لابتلعك الثعبان دون رحمة ، ولكن الله سبحانه وتعالى الرحيم بكي سخر الرياح أن تشتد وتشتد فتقتلع العش ويسقط الثعبان الذي خلفه علي الأرض قتيلا انظري اليه نظرت العصفورة الضعيفة المؤمنة بالله فرات الثعبان غارقا في دمه قتيلا فحمدت الله علي أقداره ففي فراقها لعشها طوق النجاة وكانت العصفورة لا تعلم بذلك .
فعلينا أن نحمد الله في الفراق قبل اللقاء وان نرضي بأقدار الله في الموت قبل الحياة ، إنها كلها أقدار الله وجميعنا عن الحياة راحلون ولكنها رحلة يعلمها رب العالمين أي محطاتها نحن مغادرون فلا فرح دائم ولا حزن مستمر وكل أحداث الحياة متقلبة لأنها دنيا الفناء التي لا تساوي عند الله شيئا ما سقي منها كافرا جرعة ماء ولكنها دنيا فانية والبقاء فيها للعمل الصالح والقلوب الخالصة لله سبحانه وتعالى فالحمد لله والشكر لله علي أقدار الله التي انعم بها